ارشيف من : 2005-2008

الحوار نهج وأولوية

الحوار نهج وأولوية

أثبتت وقائع الحوار الوطني المستمر منذ أسابيع عدة أنه البديل الحقيقي لكل ما تم الاحتكام اليه أو التلويح به من خيارات أخرى، ليس لأن الحوار غاية في حد ذاته، بل لأنه الطريق الوحيد الموصل إلى الغاية المرجوة من توافق للبنانيين على قضاياهم وثوابتهم الوطنية التأسيسية الكبرى. وأثبت الحوار أيضاً أن اللبنانيين يستطيعون ـ اذا ما قرروا بأنفسهم وبمحض إرادتهم حفظ مصلحة بلدهم ـ أن ينجزوا الكثير، وليس أدل على ذلك ما جرى خلال الأسبوعين المنصرمين من التوصل إلى نتائج هامة لجهة تثبيت لبنانية مزارع شبعا، ومعالجة ملف الوجود الفلسطيني بتشعباته المختلفة، فضلاً عما أشاعته أجواء الحوار من ايجابيات على المستوى الوطني العام، ولا سيما في الموضوع الاقتصادي الذي عانى الكثير مؤخراً، وخصوصاً في شقه المالي جرّاء التشنجات السياسية، وأجواء التوتر والاحتقان الشاملة التي أحدثتها بعض المواقف النارية في الساحة المحلية. ومن المنتظر أيضاً أن يحمل استمرار الحوار الوطني في المستقبل ثمرات ايجابيات أخرى لجهة معالجة الملفات المتبقية، وخصوصاً موضوعي سلاح المقاومة ورئاسة الجمهورية، اذا ما استمر أفرقاء هذا الحوار بالتمسك به كوسيلة وحيدة للتوصل إلى تفاهمات واتفاقات، او تنظيم الخلافات وإدارة الملفات ومراعاة الأولويات بما يتناسب مع مصلحة البلد.‏

ما تم انجازه حتى الآن ليس بقليل، وإن كان اللبنانيون ينتظرون الكثير! وأمام الجميع فرصة حقيقية تاريخية نادرة تجمعت فيها القناعات والتقت الارادات على ضرورة الوصول إلى حلول لبنانية للمشاكل اللبنانية بالاستناد إلى دعم ومتابعة عربيين حثيثين، بدآ منذ مدة، وينتظر أن تتبلور معالمهما قريباً، وبتوصل اللاعبين الدوليين إلى قناعة مؤداها خسران رهاناتهم على امكانية إملاء إراداتهم، وفرض منطقهم للحل من خارج الواقع الراهن للتركيبة اللبنانية المحكومة بتوازنات دقيقة لا تسمح بالعبث فيها كثيراً.‏

القيادات اللبنانية اليوم أمام استحقاق مفصلي جدي يتمثل بضرورة الاحتكام بشكل كامل إلى الحوار، واعتماده سبيلاً وحيداً للحل مهما طال أمد هذا الحوار، ومهما اعترضه من صعوبات وعراقيل، وما أشار اليه سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطبته في ذكرى أربعين الامام الحسين (ع) يشكل المدخل الصحيح في هذا الاتجاه، اذ أعلن سماحته استمرار مشاركة حزب الله في جلسات الحوار الوطني أياً تكن موضوعاته ونتائجه وزمانه، وكذلك الالتزام بنتائجه ومضمونه السياسي لأنه لا بديل عن الحوار لحل المشاكل والإشكاليات العالقة.‏

إن ما جرى حتى الآن تحت سقف الحوار الوطني يكشف مجدداً أن اللبنانيين لن يضيّعوا الاتجاه أبداً اذا ما اعتمدوا على البوصلة اللبنانية، فاللبنانيون قيادة وشعباً ليسوا قاصرين عن تحديد "أجندة" مشاكلهم وبرمجة أولوياتها وطرق معالجتها تبعاً لهذه الأولويات، ويثبت مجدداً أن الحل لا يمكن إسقاطه من فوق، أياً كان هذا الفوق، وعليه فإن تثبيت دعائم الحوار واستمراريته وتعزيز ثقافة التلاقي والتحاور ستطلق ديناميات وطنية كبرى على مستوى الشارع أيضاً لتعزيز وترسيخ منطق التماسك والائتلاف الوطني، وهو ما أرست لبناته الأولى وثيقة التفاهم الموقعة بين حزب الله والتيار الوطني الحر التي تصلح أن تكون مثالاً يحتذى، وينبغي تعميمه ليضم كل المؤمنين بالثوابت الوطنية الأساسية التي لحظتها هذه الوثيقة، ويجب أن يقوم عليها لبنان.‏

إبراهيم الموسوي‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30