ارشيف من : 2005-2008

رسائل

رسائل

دأبت الولايات المتحدة الأميركية وكل من يدور في فلك سياساتها من حلفاء ومراكز أبحاث ودراسات ووسائل إعلام في المدة الأخيرة، على تسريب معلومات حول هجمات مرتقبة ضد أهداف في إيران. وترافق الكلام الأميركي مع تصعيد سياسي مكثّف وضغوط هائلة من خلال مجلس الأمن وإعطاء مهلة شهر لطهران كي تبادر إلى تسوية ملفها النووي.‏

وإيران من جهتها تصرّ على الحل السلمي للأزمة المفتعلة، وتقدم مزيجاً من الخيارات المعقولة لتسوية الموضوع، سواء عبر إبداء استعدادها لإشراك آخرين في عملية تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، أو عبر عرض صيغ أخرى في الاتجاه نفسه.‏

بالمقابل فإن الولايات المتحدة وحلفاءها يصرون على مواصلة الضغط والتلويح بالخيار العسكري لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي، مبتغين في هذا الإطار سياسة محاكمة النيات الإيرانية أكثر من الأفعال.‏

ما تقوم به إيران هو عمل سيادي بامتياز لا يخرق أي معاهدة أو بروتوكول دولي، ولا يمس بأمن الدول الأخرى، قريبة كانت أم بعيدة.. ولكن منشأ إصرار واشنطن وحلفائها على منع إيران من حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، يعود إلى سياسة أميركية ثابتة تقضي بإبقاء كل الدول العربية والإسلامية حتى الحليفة منها لواشنطن، في خانة التخلف عن الإمساك بأسباب القوة والاكتفاء الذاتي، فكيف اذا كانت الدولة الإسلامية المعنية مناوئة لواشنطن وتعادي سياساتها ومخططاتها العدوانية الاحتلالية الهادفة إلى تطويع العالم! وعليه يغدو مفهوماً أن تبذل الإدارة الأميركية كل جهد ممكن لإحباط المسعى الإيراني، خاصة إذا ما أضفنا إلى عوامل الضغط المهمة ما يقوم به الكيان الصهيوني من دعايات تحريضية على إيران، إذ يعمد اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وفي عواصم غربية ودولية عدة منذ مدة، على إطلاق حملة ضغط مبرمجة لدى مؤسسات الحكم وفي الأوساط الإعلامية لضمان حشد الاستنفار الأقصى ضد الجمهورية الإسلامية.‏

بالمقابل تصر الجمهورية الإسلامية على تأكيد سلمية مشروعها، وعلى أحقيتها في ممارسة حقها في تطوير برنامجها النووي كدولة ذات سيادة واستقلال، وترفض بشدة المساس بما تعتبره نوعاً من التعرض للكرامة الوطنية. وهي كانت قد قادت حملة دبلوماسية ناجحة لدى دول الجوار وفي العالم للتعريف ببرنامجها وأهدافها لإرساء أجواء الطمأنينة في هذا المجال.. ولكن بما أن الجانب الأميركي لا يؤمن له في هذا المجال، قامت إيران على جبهة أخرى بتوفير جملة من الاستعدادات العسكرية، كقيام قوات الجيش والحرس الثوري الإسلامي بتنفيذ سلسلة مناورات عسكرية بحرية واسعة، جاءت استكمالاً لمناورات برية ضخمة جرت قبل مدة.. كل ذلك في إطار تأمين أقصى درجة من الجهوزية والاستعداد لمواجهة التهديدات الأميركية وصد أي عدوان تقوم به واشنطن ضد المنشآت الإيرانية. وفي هذا الإطار كشفت طهران مزيداً من قدراتها العسكرية مطلع الأسبوع، من خلال إطلاق صواريخ جديدة وطائرة جديدة لا يمكن رصدها بالرادار، في رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية حول استعدادها التام لمواجهة تهديداتها العسكرية. وشددت في الوقت نفسه على الرغبة في عدم زج المنطقة في أتون أي مواجهة عسكرية.. ويبقى أن تفهم واشنطن الرسالة ولا تغامر في القيام بأي خطوة حمقاء، كتلك التي عودتنا عليها في غير مكان من العالم، خاصة أن جرحها في العراق ما زال نازفاً ومفتوحاً على احتمالات عديدة كلها من النوع المأساوي الذي لن يفيد معه الهروب إلى الأمام بفتح جبهة جديدة لا طاقة لواشنطن ولا لجنودها بها في هذه الظروف العصيبة في المنطقة.‏

إبراهيم الموسوي‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30