ارشيف من : 2005-2008

ديمقراطية العامة سلطوية البعض

ديمقراطية العامة سلطوية البعض

على العهد / افتتاحية العدد 1113 ـ 10 حزيران/يونيوـ2005‏

ثمة مفارقات تبرزها الانتخابات الجارية على مراحل في لبنان، أبرزها ديمقراطية الشعب ولا ديمقراطية النخبة. ذلك أن "الحدث" السياسي الذي حصل في الخامس من حزيران جنوباً كان مدوياً، حيث عبّر اللبنانيون في الجنوب عن خيار سياسي بصوتٍ عالٍ تردد صداه في البيت الأبيض، وفي تل ابيب، حيث القلق من التعبير الشعبي اللبناني تحول رداً سياسياً بالقول إننا مصرون على نزع السلاح من المقاومة حتى ولو كان خياراً لبنانياً كاسحاً.‏

جرت انتخابات الجنوب بشكل ممتاز كما وصفتها تقارير المراقبين الدوليين. حيث جرت المنافسة غير المتكافئة بشكل حر وعادل، وكانت "ماكينات" المندوبين المتنافسين تعمل بكل حرية وبشكل حضاري كامل أدهش المراقبين والصحافيين، لكنه لم يكن غريباً عن الجنوبيين.‏

هكذا كان الجنوب في عرس ديمقراطي لناحية الممارسة والنتائج والنسب العالية للمقترعين برغم الاقتناع المسبق بأن السباق محسوم عددياً لمصلحة لائحة المقاومة والتنمية والتحرير. لكن الديمقراطية التي مارسها وقبل بها الشعب في الجنوب وافتخر بها، قوبلت بلا ديمقراطية بعض النخب التي لم تستطع ان تجد شائبة في العملية الانتخابية سوى أن قوتين كبيرتين شعبياً وسياسياً قد تحالفتا، وسوى أن نسبة الاقتراع من المسجلين على لوائح الشطب بلغت نحو 45 في المئة، أي أكثر من نسبة عدد المقترعين في الدورة السابقة بثلاث نقاط.‏

ديمقراطية العامة أربكت سلطوية بعض النخبة الذين لا تستطيع "بنيتهم" الدكتاتورية قبول رأي آخر ولو كان رأي 90% من الذين يملكون بطاقة انتخابية، أو 90% من المتوجهين الى صناديق الاقتراع.‏

آخرون لم تعجبهم النتيجة لأنها تعني تصويتاً سياسياً لمصلحة خيار المقاومة، فلم يكن لديه سوى تبريرات شكلية ولا منطقية للنيل من عملية الانتخاب للتقليل من أهمية الحدث الشعبي الذي مثله الاقتراع الجنوبي.‏

كان التصويت خياراً سياسياً بامتياز، بغضّ النظر عن توزيع المقاعد وأعدادها، فالمشروع السياسي المناهض للتدخل الاميركي والقرار 1559 كان همّ الناخبين ومصدر وحدتهم واندفاعهم، ولذلك كان الرد الاميركي وقحاً وفي صلب الموضوع، وهو رد سيكون له أثر عكسي في تشجيع مزيد من الناخبين في المراحل الباقية على اظهار موقفهم السياسي بصوت قوي.‏

ففي الموعد القادم الأحد التالي يتحضر البقاعيون لاستكمال النصر الجنوبي بصوت موحد وكلمة جامعة تعبر أصدق تعبير عن رأي البقاعيين بالخيارات الأساسية للبنان، وفي مقدمتها المقاومة وحفظها.‏

لعلها أكثر انتخابات تحمل مدلولات سياسية تتجاوز المنطقة والطائفة والعائلة، إنها تعبير عن موقف من هوية لبنان ومستقبله، نجد فيه الناس، العامة، أكثر وعياً وتمسكاً بالتصويت السياسي، وليس العصبوي الضيق، متعالين عن كثير من الخلافات الآنية وعقلية المناوشات السطحية. وبهذا السلوك تبدو الأغلبية الشعبية أكثر نضجاً من كثير من النخب المؤدلجة التي ارتأى بعضها بكثير من التعجرف ان يعطوا دروساً استعلائية تلوم الأكثرية على سلوكها الانتخابي الديمقراطي.‏

ستثبت الأكثرية الشعبية في بعلبك الهرمل هذا الأحد أنها على غرار الجنوب، أكثر وعياً ونضجاً من هؤلاء "المتعجرفين"، وأنها على مثال الجنوبيين في التمسك بخيار مقاومتها. كما سيثبت أهل الجبل وتحديداً أهل الضاحية تمسكهم بالمشروع السياسي الذي يعبر عنه حزب الله كخيار وطني عريض.‏

حسين رحال‏

2006-10-30