ارشيف من : 2005-2008

أساطير متبددة

أساطير متبددة

كتب إبراهيم الموسوي‏

بددت العملية الجريئة الناجحة التي نفذتها مجموعات من كتائب شهداء الأقصى واللجان الشعبية والجيش الاسلامي ضد أحد أكثر المواقع الإسرائيلية تحصيناً في محيط قطاع غزة، واستطاعت خلالها تدمير آليتين عسكريتين للعدو الاسرائيلي، وقتل ضابط وجندي، وأسر جندي ثالث (من أصل فرنسي) جملة من الأوهام التي عششت طويلاً في أذهان قادة العدو، وحاولوا ترسيخها في أذهان بقية العالم حكاماً وشعوباً، وهي أسطور الجيش الذي لا يقهر المستندة إلى نظرية عنصرية مفرطة تقول بالعرق الأكثر ذكاءً وتفوقاً الذي هو خلاصة النخبة، فيما "الغوييم" أو الأغيار من طينة بشرية لا تجوز مقارنتهم او مساواتهم بها بأي حال. وبالمناسبة فالغوييم تعني كل الآخرين من البشر كائناً من كانوا، والى أية جنسية أو عرق انتسبوا. كذلك فإن العملية المذكورة قطعت وللمرة الألف ربما الشك باليقين بأن أسطورة المجتمع الدولي وأوهام الدفاع عن حقوق الانسان لا يعود لها وجود عندما يتصل الأمر بأي شعب عربي ومسلم، أو أي شعب ينتسب إلى العالم الثالث الذي وضعته الرأسمالية الغربية المتوحشة في هذه الخانة، لتبقيه في أحسن الأحوال فيها، أو لتدفعه ربما إلى العالم العاشر حتى تبقى هي ودولها ومؤسساتها "الحضارية جداً" متربعة فوق عرش بحبوحة رفاه الإقامة في العام الأول.‏

في الشق السياسي ـ العسكري من كتاب العملية المباركة، نقرأ التالي:‏

أولاً: ان العملية أعادت تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، اتجاه الخطر الصهيوني المحدق الذي أراد برغم ما يسمى الارادة الدولية، إحداث فتنة مدمرة بين أبناء الشعب الفلسطيني بتغذية الخلافات بين حركتي حماس وفتح، وكل من يصطف الى جانبيهما في الشارع الفلسطيني، وكانت نذر الشر المحيق المتأتية من النفخ الدؤوب في نار الحرب الأهلية قد بلغت مبلغاً خطيراً في هذا المجال.‏

ثانياً: كشفت العملية الجهادية أنه في لحظات التأزم الشديدة تستطيع القوى الفلسطينية المجاهدة أن تقفز بالأزمة نحو آفاق جديدة، مبتدعة حلولاً ناجعة وناجزة تحبط كل اعتبارات التأزم الداخلي وكمائن التخطيط الخارجي، لتؤكد الوعي المرتفع لفصائل الحركات الجهادية الفلسطينية لطبيعة المرحلة، وترجمتها لهذا الوعي بفعل جهادي مقاوم يستعيد ثقة الأمة بها، ويظهر قدرتها على السمو فوق كل التناقضات الموجودة أو المفروضة.‏

ثالثاً: استطاعت العملية بنتائجها العسكرية البليغة أن توجه صفعة مذلة متعددة الأوجه للغطرسة الاسرائيلية قيادة عسكرية وأجهزة مخابرات وأمن، ومراكز تخطيط وأبحاث وتنسيق، وآلة عسكرية متطورة، وتقنيات تتبّع فائقة القدرة التكنولوجية، وهو ما عكسه حجم الإرباك الهائل وحملة تبادل الاتهامات المكثفة بين قيادات الأجهزة المختلفة لدى قادة العدو، وافتقاد القدرة على اتخاذ المبادرة، كل ذلك أدى الى مراكمة لصورة سبق أن اختزنها العقل الاسرائيلي منذ بدء المواجهة مع المقاومة في لبنان وفلسطين، وهي انهيار جزء كبير من الهالة الأسطورية التي غلّف بها قواته وفرضها على العالم، وهو ما سيدفعه حتماً وقهراً الى الجنوح نحو ثقافة أكثر تواضعاً في استعراض إمكانياته، وما يمكن أن يحرزه من نتائج باتكاله عليها مقابل مجاهدي المقاومة وإرادة الشعب الفلسطيني بالصمود والصبر.‏

رابعاً: كشفت العملية الفلسطينية بتداعياتها المختلفة سياسياً وعسكرياً، زيف أسطورة المجتمع الدولي، وعكست بصورة صارخة معاييره المزدوجة، وفضحت لا أخلاقياته، وسياسة النفاق المتبعة في تأكيد التكاذب على حقوق الانسان. ولعل المثال الأبلغ على ذلك اندفاع عواصم العديد من دول ما يسمى بالمجتمع الدولي للمطالبة بإطلاق الجندي الصهيوني الذي أسرته المقاومة من داخل دبابته في موقع عسكري محصن يمارس القصف والقتل اليومي للسكان المدنيين، وقد احترق مؤخراً مثل الأطفال في غزة، ولكن هذه العواصم المتمدنة جداً لم تكلف نفسها عناء استنكار، فضلاً عن المطالبة بإطلاق آلاف المدنيين الرهائن المحتجزين في سجون الاحتلال، ومن بينهم المئات من الأطفال والنساء.‏

خامساً: لعل أكثر ما يؤلم، هو ظلم ذوي القربى من الدول العربية التي سارعت الى استنفار دبلوماسيتها لإقناع الضحية بعدم مقاومة الجلاد، وتركه ينهش في لحمها، ودعوتها فصائل المقاومة الى اطلاق الجندي الأسير، فيما أن هذه الدبلوماسية كانت نائمة قبل ذلك على طول الخط، لا تحركها مشاهد القتل اليومي لأطفال فلسطين، ولا سوق العشرات من الأطفال والنساء الى المعتقلات، ولا الحصار التجويعي لمئات الآلاف.‏

تستطيع المقاومة اليوم ان تفتخر بإنجازها الجدي، وأن تضيفه الى سجلها المشرف في جهاد الأعداء، وتستطيع نساء فلسطين أن تطلق زغرودة لنصر آتٍ، وإن طال انتظاره، لأن هزيمة المشروع الاسرائيلي في فلسطين تكون أولاً بإحباط سعيه لكسر إرادة أهل فلسطين، وتوهين عزمهم على الاستمرار في المقاومة، وتستطيع الدول الغربية وبعض الدول العربية ان تبتلع لسانها، وتكف عن قول السوء بعد أن سعت سعي الشر، أما العدو الاسرائيلي فيستطيع اليوم أن يشعر بالذل والمهانة حتى الثمالة، بانتظار موعد نصر آخر، ربما يدخله هذه المرة في غيبوبة أخرى!..‏

الانتقاد/ العدد 1168 ـ على العهد ـ 30 حزيران/ يونيو2006‏

2006-10-30