ارشيف من : 2005-2008
أُحجيات
ثمة أمر غريب وغير مفهوم في طريقة معالجة الحكومة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في لبنان. مصدر الغرابة ناشئ من إصرار الحكومة على اعتماد أسلوب زيادة الضرائب والرسوم على بعض السلع والخدمات، ورفع الدعم عن بعضها الآخر، بما يؤدي حتماً إلى نتيجة واحدة معروفة وهي إرهاق المواطن الفقير بمزيد من الأعباء، وتفاقم الأوضاع المعيشية، ما ينذر بكارثة اجتماعية محققة يبدو أن حكومتنا تبرع في السير باتجاهها بخطى حثيثة.
خلال أقل من أسبوعين تفتقت عبقرية الحكومة عن أساليب معالجة "غير تقليدية" تمثلت بعناوين عدة ليس أقلها مشروع التعاقد الوظيفي الذي يعتبر أحد مضامين الورقة الاصلاحية، والذي سحبته الحكومة من التداول في سعيها المحموم واللاهث لإجهاض التظاهرة النقابية في العاشر من أيار، ثم أتبعت ذلك بالموافقة مع أصحاب الأفران على تخفيض وزن ربطة الخبز تهرباً من السماح بزيادة أسعار الخبز، والاتجاه الآن هو لتحرير أسعار المشتقات النفطية أيضاً، هذه الأمور تعد من المؤشرات الخطيرة لبلوغ الأزمة الاجتماعية حد الانفجار، والخروج عن إمكانية السيطرة والضبط، بعد أن تراكمت وتجمعت على مدى السنين الماضية.
والحكومة التي وصلت الى مرحلة فقدان القدرة على الإمساك بدفة الأزمة، وضبط تداعياتها، تريد الالتفاف على الأزمة بطريقة ملتوية، تتمثل بالهرب من تحمل المسؤولية، وتقصير دورها على أدنى مستوى من التدخل، وترك الأمور كي تُدار من قبل التكتلات الاحتكارية في البلد.
ما تحاول الحكومة فعله هذه الأيام في سياساتها الملتوية والقاصرة والخطيرة، هو إحداث تحول رئيسي في دور الدولة من دولة رعاية اجتماعية الى دولة توزيع ريعي، ولكن بطريقة بالغة السوء أيضاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه راهناً بقوة، لماذا تصرّ الحكومة على تطبيق إصلاح النظام الضريبي بطريقة تنازلية، ولماذا لا يكون هذا التطبيق تصاعدياً، أي وبلغة مبسطة، لماذا تصر الحكومة على تحميل عبء الإصلاح الضريبي للطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً، ولماذا يكون عبء هذا الإصلاح خفيفاً على الأغنياء وقاصماً لظهر الفقراء، ويستولد هذا سؤالاً آخر، لماذا لا يطبق الاصلاح الضريبي بطريقة صحيحة وسليمة بحيث تدفع كل شريحة اجتماعية ضرائب تتناسب مع قدرتها على الاحتمال.
ما يريده المواطن اليوم هو دولة تنموية، ودولة رعاية اجتماعية، وليس دولة توزيع ريعي حتى لو كان هذا التوزيع الريعي لأهداف اجتماعية.
ما يريده المواطن اليوم هو حل الأزمة الاقتصادية المستفحلة من خلال اتخاذ إجراءات عادلة وصحيحة تلحظ ما هو فيه من ضائقة معيشية خانقة، وليس من خلال تحميله المزيد من الضغوط والأعباء التي تفوق قدرته على الاحتمال.
الكل في لبنان يعلم أن هناك من استفاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة على مدى سنوات عمرها المديدة، والكل يعلم أن هناك من راكم الثروات الضخمة، وعليه فإن المدخل الصحيح لحل الأزمة يكون بتحميل هؤلاء أعباء وتكاليف حل الأزمة، وليس تحميلها لمن تضرر منها. لقد آن الأوان لهؤلاء أن يدفعوا الثمن، وآن الأوان للحكومة أن تمارس صلاحياتها بطريقة صحيحة وسليمة من خلال اضطلاعها بمسؤولياتها في هذا المجال.
ما تقدم هو جزء من تساؤلات كثيرة تطرح كل يوم في بيوتات اللبنانيين، والجواب برسم الحكومة!
ابراهيم الموسوي
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018