ارشيف من : 2005-2008

خلاصات

خلاصات

كتب ابراهيم الموسوي‏

بعيداً عن كل ما أوردته التحليلات والتعليقات والمواقف السياسية سلباً أو إيجاباً حول المسيرة النقابية ـ المطلبية الحاشدة في بيروت أول من أمس، فإن ثمة خلاصات واستنتاجات هامة ولافتة يجب التوقف عندها شكلاً ومضموناً، في إطار التعاطي مع هذا الحدث الذي يشكل منعطفاً جديداً في الحياة اللبنانية العامة.‏

أولى هذه الخلاصات تتعلق بمحاولات التهويل والتشويش التي مارسها "فريق الأكثرية" في الحكومة بحق التظاهرة والمتظاهرين، من خلال التخويف باحتمال وجود مندسين وبالتالي حصول أعمال شغب وتخريب، وهو ما كان قد برز أيضاً على شكل اتهام صريح وخطير وغير مفهوم من جانب النائب سعد الحريري الذي اتهم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بالسعي لتخريب البلد بسبب مشاركتهم في التظاهرة، وقد جاء رد المتظاهرين على ذلك من خلال مسيرة سلمية اعتمدت أرقى الأساليب الحضارية في التعبير عن مطالبها المحقة.‏

ثاني هذه الملاحظات، هو أن فريق 14 شباط استهدف فيما استهدفه من خلال الكلام عن احتمال حصول توترات جرّاء المسيرة، التأثير على حجم وعدد المشاركين فيها، وهو الذي وضع سقفاً لتوقعاته حيالها لا يتجاوز الآلاف، فإذا به يتفاجأ بأنها ضمت عدة مئات من الآلاف (باعتراف وزير الداخلية بالوكالة الوزير أحمد فتفت، فإن المسيرة ضمت ما يتجاوز الـ250 ألفاً من المتظاهرين).‏

ثالث هذه الملاحظات يتصل بالتضليل الذي مارسه فريق 14 شباط والإسفاف والابتذال الممجوجين اللذين بلغهما بعض إعلامه من خلال تشكيكه بلبنانية التظاهرة والمشاركين فيها، فإذا به يسمها بسمات تظاهرة "ريف دمشق"، أو محاولة الإيحاء بأنها اقتصرت في غالبيتها على جماهير حزب الله في محاولة لحشرها في زاوية طائفية ضيقة، في حين أن التنوع الذي وسم هذه التظاهرة (التيار الوطني الحر، الحزب الشيوعي، حركة أمل، حزب الله، المردة، الحزب السوري القومي الاجتماعي) شكل رداً بليغاً على ادعاءات تطييفها.‏

رابع هذه الملاحظات ان فريق 14 شباط الذي حاول نفي الصفة المطلبية عن التحرك النقابي الأكبر في تاريخ لبنان، وقصر الموضوع على الجانب السياسي فقط، أثبت من حيث يدري أو لا يدري أنه يعيش حالة تجربة واضحة عن إمكانية التحسس بهموم الناس، وملامسة أبسط همومهم المعيشية اليومية، وهو ما عكسته بشكل أكثر وضوحاً الورقة الاصلاحية ببنودها المختلفة أيضاً، والتي جاء بند التعاقد الوظيفي الذي تحايلت الحكومة بسحبه دون الغائه ليشكل أبرز المصاديق البائسة على ذلك.‏

المهم الآن، أن التظاهرة قد نجحت بشكل كبير، وبات على الذين شككوا فيها أن يعيدوا النظر بكل أطروحاتهم السياسية، وأن يعتبروا من تاريخ 10 أيار، لأن محاولة "التشاطر" واللعب بـ"قوت الناس" ورغيف خبزهم لا يمكن أن تمر أبداً تحت ستار الاتهامات بالتسييس، ونفي البعد المطلبي للتحرك الجماهيري. واذا كان تنوع الحشد الجماهيري وانضباط شعاراته تحت السقف المطلبي، وتعبيره عن مطالبه بأرقى الأساليب الديمقراطية السلمية والحضارية قد نفى عنه صفة التسييس المضللة والباطلة التي حاول ان يلصقها به فريق 14 شباط، فإن السؤال المطروح يتعلق بالخوف والتوجس الكبيرين اللذين عبر عنهما فريق 14 شباط حيال التظاهرة، وتخوفه من استهدافها إسقاط الحكومة.‏

وهكذا، فإن المتظاهرين ومن وراءهم، قد طمأنوا الحكومة أن هدفهم هو الضغط في الشارع لعلها تغير من سياساتها الاجتماعية الجائرة وخططها الاقتصادية الظالمة، ولكن في ظل هذه الرؤية المجتزأة والأحادية الجانب لكل شيء في الاقتصاد والسياسة يبدو أن السؤال الأكثر وجاهة يتعلق بمن يطمئن الحكومة من مؤيديها وحلفائها قبل خصومها!‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30