ارشيف من : 2005-2008

عيد ..و"وعيد"

عيد ..و"وعيد"

يأتي عيد العمال لهذا العام، وقد بلغت الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية حداً لا يطاق، فالأوضاع المعيشية المتأزمة لم تعد تحتمل من قبل المواطنين لأسباب وعوامل بنيوية يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي والمالي.‏

وفي جردة سريعة للمعاناة المتفاقمة ومسبباتها يمكن إيراد الآتي:‏

ـ عدم تحسين الأجور التي استقر الحد الأدنى فيه على ثلاثمئة ألف ل.ل منذ عشر سنوات.‏

ـ تراجع القدرة الشرائية بسبب التضخم.‏

ـ ارتفاع أسعار الخدمات وتكاليف الحاجات الأساسية من تعليم وصحة.‏

ـ انشغال الحكومة في البحث عن أساليب لتمويل عجز الخزينة وخدمة الدين العام.‏

ـ الفساد المستشري في مختلف القطاعات، وانتشار المحسوبيات والاستزلام.‏

ـ غياب الحد الأدنى من الشفافية في أداء الادارات المختلفة واستمرار سياسة الهدر والنهب.‏

ـ بلوغ الدين العام مستوى الخطر الشديد مع وصوله إلى (40 مليار دولار).‏

والأنكى من كل ما تقدم أن الحكومة التي تتجه لطرح موضوع التعاقد الوظيفي ـ ما يضع العديد من العمال وعائلاتهم في مهب الريح ـ لم تقدم حتى الآن في ورقتها الإصلاحية المزمع عرضها على المشاركين في مؤتمر (بيروت ـ 1) سبيلاً لمعالجة الأزمة سوى فرض ضرائب جديدة، وتحميلها للعمال والفقراء من ذوي الدخل المحدود من دون أن تكلف نفسها عناء تبيان الأسباب الحقيقية التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس والعجز، وأهلها إلى الحرمان الكامل والفقر المدقع.‏

ولكن وعلى الرغم من مأساوية الصورة التي ترسمها الأوضاع القائمة، فإن الحراك الاجتماعي ـ المطلبي لا يزال يبشر بالخير، إذ استطاع العمال ومن خلال نقاباتهم، التصدي للعديد من المشاريع الهادفة إلى تصفية بعض مرتكزات القوة لديهم، والمتمثلة ببعض المؤسسات والسياسات الخدماتية مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي استطاعت النقابات منع اسقاطه، وكذلك منع رفع الدعم عن القطاع الزراعي. وها هم الآلاف يستعدون لخوض معركة تصويب اتجاه الورقة الاقتصادية من خلال فرض سياسات وتوجهات حقيقية تعالج جذور الأزمة، ولا تقتصر على اتخاذ اجراءات تجميلية شكلية تبقي على جوهرها، فالمعركة النقابية المقبلة حول الورقة الاقتصادية ومضامينها تشكل منعطفاً حاسماً في الحياة النقابية والحراك الاجتماعي اللبناني، لأنها معركة أولويات بين متطلبات الحاجة اللبنانية الفعلية للإصلاح، وتصحيح الأمور انطلاقاً من ملاحظة الواقع اللبناني الداخلي، وتوصيف العلاجات المناسبة له بعيداً عن وصفات وعلاجات مؤسسات العولمة ممثلة بمنظمة التجارة العالمية وصناديق النقد والتنمية وغيرها، التي برزت نتائج تطبيق سياساتها في غير مكان من العالم على شكل كوارث اقتصادية ذات آثار اجتماعية مدمرة.‏

الأزمة الاقتصادية اللبنانية معروفة الأسباب، واستمرار علاجها بأساليب ملتوية ومرتجلة وقاصرة أمر نتائجه معروفة، فلا التمويه على الأسباب الحقيقية يجدي، ولا محاولة تعمية سبل العلاج يفيد. ما يفيد حقيقة هو عدم الاستمرار في سياسة الترقيع والتمييع، والتمويه.‏

ما يفيد حقيقة، هو لحظة مكاشفة وصراحة مع الذات، لأن الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام وتأجيل الاستحقاقات الداهمة، وشراء الوقت، سيضع البلد في عين الكارثة المحدقة، لذا فإن المطلوب راهناً هو إحداث انقلاب جوهري في طريقة معالجة الأمور. وفصل السياسي والطائفي عن الاقتصادي والمالي باعتبار أن الوضع الاقتصادي هو الفخ الذي يسقط البلد بأكمله.‏

كل ما تقدم، هو من الأعباء الجسيمة والخطيرة الملقاة على عاتق الحركة النقابية، التي أثبتت حتى الآن قدرتها على المواجهة وعلى حفظ سلامة التوجهات الأساسية، ويبقى المطلوب منها استمرار تحشيد طاقاتها لبلورة وعي وطني عام بضرورة توحيد الرؤية حول النهج الاصلاحي المطلوب لاستكمال معركة النهوض بالورقة المطلبية باتجاه تصحيح الأخطاء البنيوية والهيكلية التي تجهض المطالب الاصلاحية التي هي سبيل خلاص لبنان وكل اللبنانيين من أزمتهم الاقتصادية.‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1160 ـ 5أيار/مايو 2006‏

2006-10-30