ارشيف من : 2005-2008
حبل ... قصير
ثلاثة عناوين إضافية، منها ما هو قديم ومنها ما هو مستجد، قدّمها الأسبوع الحالي براهين إضافية على كذب سقوط حملة التضليل والافتراء المبرمجة التي بدأها جماعة 14 شباط منذ ما يزيد على السنة.
العنوان الأول يتصل بموضوع التضخيم المفتعل والمبرمج لما جرى ليلة الجمعة في 1/6/2006 من رد فعل شعبي عفوي على برنامج محطة الـLBC الساخر، حيث أظهرت التحريات الموثقة والتدقيقات الوافية التي عرضها سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي قبل يومين، أن ما جرى تصويره على أنه حملة غوغائية أو مؤامرة كادت تطيح بـ"أمن" البلاد والعباد، لا يعدو كونه فورة شعبية عفوية على الإحساس بالظلم والإهانة، أمكن لـ"حزب الله" ضبطها في وقت قياسي وبأقل الأضرار المحتملة.
العنوان الثاني يتصل بموضوع التصعيد الأخير الذي بدأه العدو الاسرائيلي من خلال اغتياله مجاهدين من مجاهدي المقاومة في مدينة صيدا، في وضح النهار، حيث نقلت صحيفة "المستقبل" ما ادعت أنه كلام لقائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال آلان بللغريني يشير فيه إلى أن اطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة يحمل بصمات فلسطينية واضحة، وغض نظر من جانب حزب الله، الأمر الذي استدعى نفياً دولياً لهذه المزاعم وتفنيداً لها، دفعت بالناطق الرسمي باسم قائد القوات الدولية ميلوش شتريغر إلى اتهام الصحيفة المذكورة بالتضليل ونقل معلومات غير دقيقة، مؤكداً أن القوات الدولية لا تعرف أبداً هوية الذين قاموا بإطلاق الصواريخ.
غير أن المشكلة لا تكمن في ادعاء "المستقبل" ونفي قيادة القوات الدولية له، بقدر ما تكشف انها ناتجة عن عقلية كيدية ضيقة الأفق لا تقيم وزناً ولا حساباً لأي قضية مهما كان شأنها كقضية مقاومة الاحتلال، ولا تتورع عن التبرع والتجرؤ بكيل الاتهامات كيفما اتفق من دون التحسب ان ذلك يصب في خدمة مصلحة العدو.
العنوان الثالث يتصل بالموضوع الذي طبّل له فريق 14 شباط كثيراً في حينه، حول اكتشاف مقبرة جماعية في الساحة الخارجية لمقر قيادة القوات السورية في عنجر ـ البقاع، ليوضح التحقيق القضائي اللبناني قبل يومين أيضاً أن هذا الرفات يعود في معظمه لأناس قضوا قبل 50 عاماً على الأقل، أي منذ ما يقارب عهد الاستقلال. وأن كل حملة التحريض والافتراءات التي أدارها "كورس" قوى 14 شباط بهمة منقطعة النظير لم تكن إلا حلقة أخرى في المسلسل القضائي الذي تديره هذه القوى.
طبعاً لم يعد ممكناً بعد استعراض هذه العناوين ـ الأمثلة، التحدث عن مراجعة الضمير والمحاسبة الأخلاقية المفترض أن تكون هي الأساس، ولكن السؤال هو عن المرجعية المسؤولة التي يمكن الاحتكام اليها في هذا الإطار لمنع تكرار اختلاق الأكاذيب وفبركة المعطيات وتزوير وتحوير الوقائع، خدمة لأهداف ومشاريع ضيقة وخاصة.
لو أن أحداً تفوّه يوم نبش قبور الناس واتهام سوريا بالمسؤولية عن قتلهم، لكانت هذه القوى اتهمته بالعمالة للاستخبارات السورية، والتنكر لوطنيته، والتبرؤ من أبناء جلدته، لأن المطلوب يومها كان هو النفخ في نار تأزيم العلاقات مع سوريا كما أرادت بعض الرؤوس الحامية في قوى 14 شباط.
أما الآن، فماذا يمكن أن تجيب هذه القوى على جردة الحساب الطويلة من الأكاذيب وحملات التضليل المستمرة منذ شهور عديدة، أم أنها غير مكترثة لأنها في موقع المسؤولية تسأل ولا تُسأل، وتحاكم ولا تُحاكم، وتدّعي ولا يُدعّى عليها.
لقد بات واضحاً بعد ما قدمناه من عيّنات منتقاة من سيل الكذب العرِم الذي تُتحفنا به قوى "الأكثرية"، أن هذه القوى قد جاوزت حدود الإفلاس في أدائها السياسي من خلال محاولاتها اليائسة البائسة للزج بمعطيات مختلقة، وتحوير وقائع من أجل تقوية منطقها الواهي وتغطية سياساتها الخاطئة، وعليه يصبح من الصعب على هذه القوى أن تقدّم أية واقعة أو تعرض أية قضية لا يتطرق اليها شك الجمهور. لقد غدا موقف هذه القوى صعباً للغاية بعدما أنجزت وبهمة عالية وبوقت قياسي إحراق كل أوراقها، ومعها آمال معظم اللبنانيين بإمكانية الركون اليها، والوثوق بمواقفها، فالانقلاب الحاد ومغادرة المبادئ التي ترسخت في نفوس اللبنانيين، وأضحت بمثابة المسلّمات والقناعات بالنسبة لديهم، تركت جرحاً غائراً في وجدان هؤلاء، لم ولن تنفع معه كل ما ساقته وتسوقه هذه القوى من تبريرات وحجج واهية. قيل قديماً إن حبل الكذب قصير، وفي التجارب المستفادة مما قدّمه فريق "الأكثرية" دليل آخر أن حبل الكذب قصير، وقصير جداً أكثر مما توقعوا، وأقصر مما ظننا!
إبراهيم الموسوي
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018