ارشيف من : 2005-2008

وزير الطاقة والمياه محمد فنيش لـ"الانتقاد": الأولوية في المرحلة الحالية تخفيض كلفة الإنتاج وتأمين التيار بشكل منتظم

وزير الطاقة والمياه محمد فنيش لـ"الانتقاد": الأولوية في المرحلة الحالية تخفيض كلفة الإنتاج وتأمين التيار بشكل منتظم

الانتقاد/ مقابلات ـ العدد 1123 ـ 19 آب/أغسطس 2005‏‏

وزير الكهرباء بلا كهرباء!.. ببساطة تلك هي معادلة وزير الطاقة والمياه محمد فنيش في منزله الكائن في الضاحية الجنوبية على الرغم من أنه تلقى عرضاً بتأمين التيار الكهربائي 24/24، ولكنه رفض لسببين، الأول ليتساوى مع المواطن، والثاني لمتابعة وضع التيار عن كثب.‏‏

الوزير فنيش غارق هذه الأيام بهموم الكهرباء وشجونها وتعقيداتها المتشابكة، وبالكاد يمكن الحصول منه على موعد لإجراء مقابلة، وإذا تم ذلك، فلا بد أن يكون سريعاً، فمفكرته مزدحمة بالمواعيد، كما أنه يفضل العمل بصمت بعيداً عن الضجيج الإعلامي.‏‏

الهم الأساسي لديه في هذه المرحلة، تخفيض كلفة الإنتاج عبر استيراد المشتقات النفطية من دولة إلى دولة، والانتهاء من أزمة تأخر الفيول التي تتكرر موسمياً، وتأمين التغذية بشكل منظم. في لقاء سريع، شرح فنيش لـ"الانتقاد" الخطوات الأولية التي لجأ إليها في وزارة الطاقة.‏‏

* وُضِعت الكثير من الاستراتيجيات للتخفيف من أزمة التيار الكهربائي، إلا إنها بقيت حبراً على ورق، أنت اليوم على رأس وزارة الطاقة، ما هي إستراتجيتك لحمل هذا القطاع إلى بر الأمان؟‏‏

ـ لا أريد أن أتحدث بالموضوع بشكل كامل قبل أن أستكمل البحث وأحدد الإستراتيجية. عملياً بدأت بآلية تشكيل خلية عمل من المختصين لرسم مثل هذه الإستراتيجية. لنتحدث الآن عن خطوات مطلوبة لا تنتظر موضوع رسم الاستراتيجية، لتأمين التيار الكهربائي لأن المواطن له الحق بتأمين هذا التيار باعتبار أن مؤسسة كهرباء لبنان والدولة اللبنانية احتكرا تقديم هذه الخدمة، وبالتالي من واجبهما أن يقدما هذه الخدمة للمواطنين المشتركين.‏‏

المشكلة الأساسية حالياً تكمن في ارتفاع كلفة الإنتاج، لأنه مع ارتفاع سعر البترول يومياً تتفاقم المشكلة باعتبار أن إنتاجنا للطاقة قائم بشكل أساسي على المشتقات النفطية. مثل هذه المشكلة نسعى لحلها عبر اتفاقيات بدأناها مع دولة الكويت، وحاولنا بلقائنا مع الأشقاء السوريين أن نفعّل الاتفاقيات المعقودة لجهة تزويد لبنان بالغاز أو باستجرار الكهرباء، وسنكملها باتصالات ولقاءات مع عدد من الدول إذا كان لديها استعداد لمساعدتنا. الهم الأساسي في هذه المرحلة برأيي، هو السعي إلى تنظيم عملية استيراد المشتقات النفطية الضرورية لمعامل الإنتاج، وبكلفة أقل، وهي النقطة المركزية التي تتمحور حولها حركة اتصالات وزارة الطاقة.‏‏

المسألة الأخرى حتى لا نفاجأ بانقطاعات ناتجة عن أعطال وصيانة، هنا أريد أن أفتح قوسين: أولاً أنا وزير وصاية وسلطتي هي سلطة رقابة، وبالتالي فإن مؤسسة كهرباء لبنان هي المعنية بإدارة الكهرباء، والصيانة، والتشغيل والمعاملة والتوزيع والجباية والنقل، بكونها مؤسسة عامة لها استقلاليتها المالية والإدارية.‏‏

إذاً مشكلة كهرباء لبنان، مشكلة متراكمة عمرها من عمر الحرب اللبنانية إلى اليوم، ويبدو أن سياسات الحكومات الماضية لم تكن بصدد تأهيل وتفعيل وتطوير عمل مؤسسة كهرباء لبنان، لأن الاتجاه يومها كان منصباً باتجاه خصخصة هذا القطاع، لذا اليوم لدينا مشكلة أخرى اسمها إدارة قطاع الكهرباء المتمثلة بعدد من المشتركين البالغ عددهم ما يقارب مليوناً ومئتي ألف مشترك، مقارنة بثلاثمئة ألف مشترك في العام 1974، مع جهاز إداري وبشري يقدر بخمسة آلاف مستخدم متوسط أعمارهم 57 سنة فيما اليوم عددهم لا يتجاوز الألفي مستخدم.‏‏

إذاً لدينا مشكلة ثانية هي المؤسسة نفسها المعنية بإدارة القطاع وقدراتها الإدارية والفنية والمالية.‏‏

مشكلة ثالثة لها علاقة بـ"الإنماء والإعمار" الذي يعود له تنفيذ المشاريع الكبيرة بتمويل خارجي حيث يجري الآن العمل على تجهيز خط كسارة ـ عرمون الـ220 كيلوفولت، ثم هناك الربط السباعي ومركز التحكم الذي كان مفترضاً أن ينجز منذ ثلاث سنوات. كل هذه المشاريع من اختصاص "الإنماء والإعمار". أنا كوزير أسعى لتحريك كل هذه المشاريع لتوفير كلفة الإنتاج، وتفعيل مؤسسة كهرباء لبنان وإدارتها لهذا القطاع من حيث الصيانة والجباية والنقل والتوزيع بالتعاون مع "الإنماء والأعمار"، لجهة تنفيذ المشاريع التي تعنى بتنظيم قطاع الكهرباء وشبكته، ومركز التحكم، والربط ... هذه هي المهام الأساسية. المفروض برأيي أن نركّز عليها، وعندما نجد الحلول لتأمين التيار الكهربائي للمواطن، وتنتظم إدارة هذا القطاع، يبقى عندئذ إمكانية البحث في تخصيص الإنتاج للتوزيع الكهربائي كما ورد في البيان الوزاري عبر التشركة، وفتح المجال أمام اللبنانيين للمشاركة في هذه الشراكة، وهذه المسائل بانتظار وضع استراتيجية مستقبلية للقطاع.‏‏

* .. أنت تقول إن الجهد الأساسي منكب حالياً على تخفيض كلفة الإنتاج، لكن هذه المسألة على الرغم من أهميتها تبقى جزئية بالنظر إلى مشكلة القطاع برمته..‏‏

ـ (مقاطعاً) برأيك ما الذي نريد أن نفعله، فلو عقدنا جلسات لشهر أو شهرين دون أن نتعاطى مع المشكلة القائمة حالياً بشكل مباشر ماذا يمكن أن نقدم.. هناك حالياً مشكلة أساسية هي كلفة الإنتاج تحتاج إلى علاجات لا سياسات. نحن بلد لدينا الكثير من الدراسات حول احتمالات وجود نفط على السواحل اللبنانية، إنما هذه المسائل تحتاج إلى وقت، لا يمكن لأحد أن يتوقع سنة أو سنتين، علماً أن هذا الموضوع نتابعه حالياً في الوزارة. فإذا توافر للبنان إنتاج مشتقات نفطية فإن المسألة تختلف جذرياً، لكن بما أن لبنان بلد مستورد للمشتقات، والإنتاج الكهربائي مرتبط به مباشرة، يبقى السؤال ما هي السياسة الواجب اتباعها، غير أن نعيد النظر في عملية الاستيراد بغية تخفيض كلفة الإنتاج، والاستمرار في تزويد المعامل بالمشتقات، إضافة إلى ضمان المواصفات المطلوبة. كلها سياسات نتبعها بالاتصالات مع الدول.‏‏

* أين أصبحت هذه الاتصالات؟‏‏

ـ نحن في صدد إنجاز الاتفاق مع الكويت لجهة استيراد المشتقات النفطية عبر شركة كويتية، وأيضاً هناك عرض من دولة قطر لزيارتها لمعرفة وضع الطاقة هناك، وإمكانية الاستفادة من تجربتها، وهناك بحث في إمكانية إحياء العرض القطري السابق المتعلق باستيراد الغاز لاستخدامه في إنتاج الطاقة مع ما يوفره من إمكانيات مالية ونظافة بيئية، وإطالة عمر معامل الإنتاج، فضلاً عن وجود مسعى مع إيران لاستقدام خبراء واختصاصيين لدراسة إمكانية تلبية حاجاتنا من الطاقة والمياه.‏‏

* هذه الاتصالات التي تجري على غير صعيد، إلى أي حد ستساهم في حل مشكلة القطاع الكهربائي في لبنان؟‏‏

ـ أولاً: معالجة مشكلة التيار الكهربائي لدى المواطن اللبناني.‏‏

ثانياً: تخفيف العبء عن مالية الدولة التي تتكبد سنوياً ملايين من الدولارات.‏‏

ثالثاً: تخفيف الضغط عن كاهل القطاع الاقتصادي نتيجة ارتفاع كلفة إنتاجه بسبب ارتفاع سعر الطاقة، وبالتالي إذا وفّرنا مثل هذه الأعباء من خلال استيراد المشتقات النفطية من الكويت عن طريق تأمين احتياجات من غاز أويل، وخفضنا فائدة 1 في المئة، معنى ذلك أن لدينا وفراً ما يقرب من الـ45 مليون دولار سنوياً. صحيح أن مشكلة الدعم قائمة لكن في المقابل وفّرنا احتياجاتنا من المشتقات بشكل منتظم، وضمن المواصفات المطلوبة.‏‏

* المؤكد أن المخزون من المشتقات النفطية سينفد مع نهاية شهر أيلول، هل تم لحظ هذه المسألة في الاتصالات التي أجريتموها مع دولة الكويت وغيرها.‏‏

ـ نحن نعمل يومياً على إنجاز هذه الخطوة، وسيكون أمامنا العرض الكويتي في الأول من أيلول، ولكن في المقابل نعمل بشكل حثيث على إمكانية استخراج النفط. أما في موضوع إدارة هذا القطاع، هل سيبقى من اختصاص مؤسسة كهرباء لبنان لوحدها أو تشركتها مع آخرين أو خصخصتها، هذه الأفكار مطروحة، وسبق أن طرحت أيام الوزير السابق بسام يمين وقبله الوزير صحناوي، وهي أفكار أعمل على درسها للوصول إلى تحديد مسار هذا المرفق العام.‏‏

* بالعودة إلى ما ذكرته آنفاً من انك مجرد وزير وصاية، وأن مؤسسة كهرباء لبنان هي المعني المباشر، هذا يعني أن المشكلة في جزء كبير منها عائدة إلى بنية هذه المؤسسة؟‏‏

ـ أقول إن المطلوب من الحكومة اللبنانية أن تتعامل مع كهرباء لبنان على أساس أنها الإدارة لهذا القطاع مهما كانت التوجهات المستقبلية بشأنها، في حين ان مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان اقترب من نهاية ولايته، وبالتالي يفترض إجراء تعيينات في أسرع وقت ممكن.‏‏

* ما دمنا نتحدث عن عقود ستجري مع الكويت وقطر وإيران، أين أصبح موضوع ضخ الغاز السوري إلى معمل دير عمار، مع العلم أن لبنان أنجز منذ 18 نيسان الماضي كل الترتيبات اللوجستية؟‏‏

ـ في زيارتي الأخيرة إلى سوريا جرى البحث في هذا الأمر، وقد طلبنا تطبيق هذه الاتفاقية باعتبار إنها تخدم مصلحة البلدين، فتبين لنا أن الأشقاء السورين لديهم وضع خاص في هذه المرحلة، وكان لديهم توقع بتطوير إنتاجهم من الغاز من خلال استكشاف حقول جديدة، غير أن هذا الأمر لم ينجز في الوقت المتوقع له، واعتذروا لعدم استطاعتهم تأمين المادة، على أمل أن يدرس هذا الأمر من الجانب السوري، وإذا ذللت العقبات سيعمل على تنفيذ هذه الاتفاقية، ثم لا ننسى هناك خط الغاز العربي الذي من المتوقع أن ينجز في العام 2007 ـ 2008.‏‏

* .. ماذا عن موضوع استجرار الكهرباء من سوريا؟‏‏

ـ من المعلوم أن هناك اتفاقية مع السوريين لاستجرار الكهرباء في أوقات الذروة لمحطتي عنجر ودير نبوح، التي تقدر ما بين 120 إلى 180 ميغاوات، هذه الاتفاقية تشوبها مشكلة المستحقات المالية العائدة إلى الجانب السوري، ولم تكن هذه الإشكالية مدرجة على جدول أعمالنا، وكنا طلبنا التدقيق في هذه المستحقات، كما طلبنا أن لا يتم ربط سداد هذه الاستحقاقات بعملية استجرار الطاقة. الموضوع الآن قيد البحث.‏‏

* البعض يحاول أن يهوّن على الدولة اللبنانية لجهة التخفيف من أعبائها المالية كأن يقترح استجرار التيار الكهربائي بالكامل من الخارج؟‏‏

ـ .. اسأل من هي الجهة التي تستطيع أن تؤمن لك حاجتك من التيار التي تبلغ 2000 ميغاوات، ثم هناك مسألة الربط، أين هي؟ الربط السباعي غير منجز بعد؟ وفي الوقت الذي نجد أن محطة كسارة (220 ميغاوات) تحتاج ما بين 6 إلى 8 أشهر لإنجازها، وإن أنجزنا كل هذه المشاريع أشك في أن أحداً يستطيع أن يؤمّن لنا كل حاجاتنا.‏‏

* الملاحظ أن الرئيس السنيورة أعاد إطلاق العمل في المجلس الأعلى للخصخصة، ومن بينها قطاع الكهرباء؟‏‏

ـ ليس لدينا موقف مسبق، والبيان الوزاري نص على خصخصة الإنتاج والتوزيع، لست معترضاً عليه، أما آليات الخصخصة وكيفيتها، وكيف أضمن المنافسة وتكلفتها، فهذا منوط بالدراسة التي ستلجأ إليها الخلية التي شكلتها باعتبار أن هناك قوانين صدرت عن المجلس النيابي بهذا الشأن، وعلى ضوئها نعرف ما هو الاتجاه الذي سنسلكه.‏‏

* بماذا تعد اللبنانيين، هل سنشهد انقطاعاً قاسياً في الأيام القادمة؟‏‏

ـ لنكن واضحين، التيار الكهربائي مؤمّن بين 16 إلى 20 ساعة يومياً، باستثناء بيروت الإدارية، ثم أن التيار مرهون بتوافر المشتقات النفطية، والتمويل، والصيانة في الوقت المناسب.. أعتقد المسألة واضحة.‏‏

حسين عواد‏‏

2006-10-30