ارشيف من : 2005-2008
الخلافات تؤخر التعيينات الأمنية والقضائية:مؤشرات سلبية تعرقل السعي لولوج التغيير
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1123 ـ 19آب/أغسطس 2005
أظهرت وقائع الأسبوع المنصرم مؤشرات استدعت اهتمام المراقبين بعد الانطلاقة الواعدة للحكومة خلال الأسبوعين المنصرمين، ومنحت اللبنانيين بعضاً من الأمل بإمكانية تغيير بعض الممارسات التي كانت سائدة في المرحلة الماضية في الأداء السياسي، والابتعاد عن منطق الاستئثار والغالب والمغلوب، لكن هذا الأمل أصبح موضع تساؤل بعد المراوحة في معالجة العديد من المسائل المطروحة والتجاذب الحاصل بين بعض الأطراف داخل الحكومة، وبين قوى "تحالف 14 آذار" فيما بينها على خلفية الانزعاج أو الامتعاض من أداء بعض القوى الأساسية في التعاطي مع بعض الملفات أو القضايا المطروحة، وعزز المخاوف من إمكانية جمود العمل الحكومي نتيجة اختلاف وجهات النظر، وربط البعض إمكانية السير قدماً في بعض الملفات بما يصدر عن لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
- لعل أبرز المؤشرات التي أثارت مخاوف المراقبين، كان السجال بين وزير الداخلية حسن السبع ووزير العدل شارل رزق على خلفية ختم التحقيقات في قضية مخازن الأسلحة في بيروت أو عدم ختمها، وهي عكست التجاذب السياسي الحاصل بين تحالف 14 آذار من جهة والوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية مع تصاعد التسريبات في الصحف عن نتائج ما قد يضمنها تقرير لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وهو ما طرح مصير التضامن الوزاري، وإن حرص الوزيران المتساجلان على التأكيد على عدم الخلاف.
- تعرض الحكومة لسهام الملاحظات القاسية من قبل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في ما يتعلق بعدم موافقته على الخصخصة، وتلويحه بإمكانية استقالة وزرائه في الحكومة وإن كانت هذه القضية غير مطروحة الآن، وإظهاره امتعاضاً من طريقة التعاطي في التعيينات الأمنية واعتماد منطق التسويات والصفقات مع رئيس الجمهورية.
- عدم إدراج بند التعيينات الأمنية والقضائية على جدول مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت يوم أمس بانتظار الاتفاق عليها بين الأطراف المعنية.
ويرى بعض المتابعين أن حالة المراوحة الحاصلة حالياً نتيجة طبيعية لتركيبة الحكومة، ولعل التعيينات في الأجهزة القضائية والأمنية هي الامتحان الأصعب في هذه المرحلة الذي تواجهه الحكومة، خصوصاً في ظل الوضع الأمني المكشوف والفراغ الحاصل في بعض الوظائف الأمنية.
وأشار مصدر سياسي إلى أن التعيينات الكل يريدها، ولكن كل يريدها على هواه وقياسه، وهناك محاولات من قبل البعض للاستئثار ببعض المراكز الحساسة في مجالي الأمن والقضاء.
ويرى المصدر "أن الوقت يبدو ليس مناسباً الآن لتمرير التعيينات لأن الأفق ليس مفتوحاً أمام حلحلة ما، لكنهل ليست مقفلة بالكامل وهي بحاجة إلى وقت".
وألمح المصدر إلى أنه في وقت سابق اقتربت مسألة التعيينات من الحل ثم عادت مرة أخرى إلى التعقيد، ووقع الانقسام داخل مجلس الوزراء بين فريقين مع اختلاف الأهداف بين أركان كل فريق, وبذلك ضاعت الأكثرية على أعتاب بعض الإدارات والمراكز الأمنية والقضائية.
وأوضح المصدر أن المشكلة متشعبة ومعقدة، وهي لم تعد محصورة بفريق الرابع عشر من آذار، وفريق رئيس الجمهورية، إذ أن التجاذبات والمواقف الحادة، سواء التهديد بالاستقالة من قبل وزراء اللقاء الديمقراطي أو إطلاق النار على الحكومة من وزراء وشخصيات لقاء قرنة شهوان، ما هي إلا تجليات للخلافات والامتعاض من استئثار الأكثرية النيابية الحليفة لهما بملف التعيينات. حتى أن البعض رأى أن تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعية نايلة معوض والرئيس أمين الجميل على أعتاب الديمان بعد لقائهما البطريرك الماروني نصر الله صفير، وإن حمل رداً على زيارة رئيس الجمهورية إلى هذا الصرح، لكنه أيضاً كان موجهاً إلى الحكومة ورئيسها.
ويوضح المصدر في هذا المجال أن هذا الفريق ليس راضياً عن عملية إدارة ملف التعيينات في ظل تجاهل رئيس الحكومة بما يمثل لهذا الفريق، كونه يملك إمكانيات بشرية تخوّله إجراء التعيينات في مراكز لطوائف أخرى دون العودة إلى ممثلي هذه الطوائف.
ويتابع المصدر أن ثمة سعياً لدى البعض للإمساك بالسلطة الأمنية والقضائية, لأن من يمسك بهاتين السلطتين أمسك البلد, وهذا المفهوم عبّرت عنه الوزيرة معوض من دون أي حرج في تبنيه، وهي التي طالما حاربت حكم الأجهزة وسلطتها.
ويضيف المصدر عنصراً إضافياً في عرقلة التعيينات مشيراً إلى العامل الأميركي الذي يحاول مرة أخرى وضع "فيتوات" على أسماء معينة معيداً الكرة ذاتها كما حصل أثناء انتخابات رئاسة المجلس النيابي وتشكيل الحكومة والاعتراض على بعض الأسماء. ويبدو أن التدخل الأميركي وصل إلى التعيينات الأمنية، وقد أبلغ المعنيون رفض واشنطن إسناد مركز هام لإحدى الشخصيات المسماة من قبل فريق معين.
ويتابع المصدر أن هذه العينة من التعاطي مع ملف على درجة كبيرة من الأهمية، في ظل وضع أمني يجمع الجميع على هشاشته، وانعكاسه على الوضع الاقتصادي والسياحي يوحي بأن البلد في حالة انتظار لما سيخرج به التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مع ما يمكن أن يحدثه كل ذلك من فقدان للأمل في غد أفضل خلافاً للوعود والعهود التي أعطيت, ويعيد البلد إلى دوامة محاولة استئثار فريق بالسلطة على حساب الآخرين.
ويخلص المصدر إلى القول إن التاريخ يعيد نفسه، حيث أن النظام الأمني الذي حاربه هذا الفريق أضحى اليوم يمثل الدرع الواقي له بوجه العهد وأفرقاء آخرين من جهة, ومن جهة أخرى رأس حربة لإسقاط هذا العهد في معركة السيطرة على السلطة.
مروان عبد الساتر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018