ارشيف من : 2005-2008

" الانتقاد" تنشر على حلقات جرائم العملاء الفارين:كندا ترفض استقبال جانيت حداد لارتكابها جرائم ضد الإنسانية

" الانتقاد" تنشر على حلقات جرائم العملاء الفارين:كندا ترفض استقبال جانيت حداد لارتكابها جرائم ضد الإنسانية

الانتقاد‏

فجأة هبط "الوحي الإنساني" على عدد من النواب الجدد التغيريين في برلمان 2005، فشهروا لسان المطالبة بالعفو عن عملاء لطالما قاتلوا إلى جانب العدو الإسرائيلي، وقتلوا ودمّروا وقصفوا السكان الآمنين في منازلهم وأرزاقهم، وخدم بعضهم في شبكات تجسّس تخريبية سواء بصنعها وقيادتها وتجنيد أفرادها وربطهم بضبّاط من الصفّ الأوّل في جهاز "الموساد"، وجمعهم بهم في بعض الثكنات التي كانت قائمة في جنوب لبنان في عهد الاحتلال أو داخل المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة تحديداً، أو إيصال التمويل المادي والمالي لهم إلى المناطق المزروعين فيها من معدّات وأجهزة إلكترونية وكهربائية وعبوّات ومتفجّرات وأسلحة مختلفة الأنواع من أجل استعمالها في أعمالهم التخريبية بوضع سيّارات مفخّخة، واغتيال مقاومين وشخصيات سياسية وإعلامية، أو نقل معلومات ورصد أماكن وتحرّكات ومواقع عسكرية تابعة للجيش اللبناني والمقاومة الإسلامية واللبنانية والفصائل الفلسطينية.‏

تشديد القانون لا العفو‏

وكانت الشريحة الكبرى من الشعب اللبناني تنتظر من هؤلاء النوّاب أن يبادروا إلى التنافس في ما بينهم لتقديم اقتراحات قانون لتعديل المادتين 163 و164 من قانون العقوبات بشكل استثنائي ولمرة واحدة من أجل العملاء، وإحالتها على لجنة الإدارة والعدل النيابية لكي تبتّها بصورة عاجلة كما فعلت في إقرار مشروع العفو عن قائد ميليشيا "القوات اللبنانية" سمير جعجع والمتهمين بأحداث الضنية، وإحالتها على الهيئة العامة لتوافق عليها بالإجماعن ولكي يبقى هؤلاء العملاء في الخارج مدى الحياة وحتّى يستردّ الخالق أمانته فلا ينتظر الواحد منهم مدّة خمسة وعشرين عاماً ثم يعود إلى لبنان مواطناً عادياً حاملاً سجلاً عدلياً نظيفاً من الجرائم التي اقترفها عن قناعة وعن تخطيط وسبق ترصّد وتصميم، ويتساوى مع المواطن الشريف الذي بذل الغالي والرخيص للحفاظ على هيبة الدولة وسلطتها وكيانها، في الحقوق والواجبات، وكأنّه لم يكن في يوم من الأيام مسؤولاً مباشراً أو غير مباشر بحسب تراتبيته ومنزلته العسكرية والقيادية في الهيكلية المعمول بها في ميليشيا العملاء، عن إزهاق أرواح أبرياء كثر، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ومقاومين ومعتقلين، وتشريد مواطنين من ديارهم واغتصاب أرزاقهم وممتلكاتهم ومصادرة عرق جبينهم ولقمة عيشهم وإذلالهم وإلحاق أضرار نفسية وجسدية بهم تظلّ مرافقة لأرواحهم طوال العمر.‏

وهذه الملاحقة الأبدية لهؤلاء العملاء من خلال هذا التعديل القانوني الإلزامي، ليست تجربة جديدة في العالم كلّه، وإنما هي اختراع عصري تفتّقت عنه عبقرية اليهود ومعهم الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية للقضاء نهائياً على النازية وأتباعها، إذ عمدوا بعد خروجهم ظافرين من هذه الحرب، إلى إنشاء محكمة خاصة بمطاردة وملاحقة مجرمي الحرب والمتعاملين مع النازية ضد أوطانهم. ولا تزال هذه المحكمة تواظب على القيام بالملاحقة القانونية المطلوبة من دون وجل أو تقاعس أو تذرع بأسباب تخفيفية وإنسانية، على الرغم من مرور ستين عاماً على إسدال الستارة على الفصول الأخيرة لهذه الحرب الدموية والتدميرية الشاملة، وعلى الرغم من كبر المطلوبين لـ"عدالة" هذه المحكمة وتقدمهم في السنّ من دون أنْ يتسنى لهم الاستفادة من مرور الزمن، فلماذا لا نطبّق على المتعاملين مع العدوّ الإسرائيلي السلاح نفسه والدرس نفسه، ولا سيّما أنّ ما ارتكبه الصهاينة وعملاؤهم بحقّ وطننا لبنان لا يقلّ عن أفعال النازية إن لم يكن أشدّ إجراماً وإيلاماً؟‏

وكان الرأي العام يرتقب زيارة من النواب العماد ميشال عون والصحفي جبران تويني والمحامي إبراهيم كنعان، لمعتقل الموت في بلدة الخيام على غرار الزيارة التي قام بها بعضهم لسمير جعجع في سجنه في وزارة الدفاع الوطني، ويتعرّفوا عن كثب إلى البصمات الواضحة التي خلّفها العدو والعملاء في زنازين هذا المعتقل الموجود على أرض لبنانية، ويسمعوا من الشهداء الأحياء من الأسرى والمعتقلين المحررين روايات وروايات مستمدة من بطون الواقع وليس من خيال ملكة الحكايات "شهرزاد"، عن تجاربهم المريرة خلف قضبان المهانة والظلم، وليضعوا أنفسهم لأيام معدودة بحكم انشغالاتهم الكثيرة، مكان هؤلاء الفرسان، ويستعيدوا شريط التعذيب والتنكيل والتهويل والترهيب والضرب المبرح حتى الموت في جميع الأماكن من الجسد بما فيها الحسّاسة، فهل يبقوا عند رأيهم بوجوب تفصيل عفو خاص مخالف للقانون والشرائع والسنن على مقاس هؤلاء العملاء؟ ولكنْ صحّت الحقيقة، فمن لا يسمع بآهات الآخر لا يمكن له أن يتصوّرها أو يتذوّقها أو يشعر بذبذباتها على مدى موجات الحياة.‏

قمع الإنتفاضة‏

ألم يسمع النواب وخصوصاً تويني وهو صحفي يفترض به المتابعة الدقيقة لكلّ ما يدور حوله في العالم من أخبار وأنباء حتّى ولو كانت صغيرة، بأنّ وزارة الحرب الإسرائيلية قرّرت في العام 2001 تشييد ما يسمّى بنصب تذكاري لقتلى ميليشيا العملاء في موقع في الجليل في شمال فلسطين من أجل "إحياء ذكراهم" غير العطرة على الإطلاق، لأنه وبحسب نائبة وزير الحرب الإسرائيلي داليا رابين أنّ نحو سبعمءة من قادة ومقاتلي هذه الميليشيا قتلوا في جنوب لبنان لحماية إسرائيل وحدودها الشمالية، ومن حقّ عائلاتهم أن تجد موقعاً يحفظ ذكراهم بعدما أطاحت المقاومة الإسلامية النصب الموجود في الجنوب وجرفته، مع ما أزالته من "تراث" مواقع مرابض المدفعية والقصف العشوائي على الآمنين في المناطق المحررة قبل شهر أيار/مايو من العام 2000؟‏

لقد كان الشعب اللبناني ينتظر من هؤلاء النواب أنْ يقترحوا إقامة نصب تذكاري لشهداء المقاومة كما تفعل الدول المتحضّرة التي تنتصر في حروبها على عدوّها المغتصب لأراضيها، وذلك للحفاظ على موقعهم المحفوظ أساساً في قلوب من يعرفون معاني التحرير والثورة والخروج من ربقة الاحتلال، ولكي يكون مَعْلماً سياحياً يؤمّه السياح من مختلف بلاد الأرض عندما يزورون لبنان، فيدركون ويتعلمون ليتعلّموا أنّ التحرير يأتي بالدماء وليس بالتنظير والقتال من جبهات المنابر والخطابة.‏

وألم يسمع النواب بأنّ العملاء الفارين من وجه العدالة المتساهلة، عملوا ضمن وحدات من الجيش الإسرائيلي في مواقع مختلفة من مدينتي نابلس ورفح لقمع الانتفاضة الفلسطينية وحماية المستوطنات، حيث كانوا يستجوبون المواطنين الفلسطينيين العابرين على تلك الحواجز، والمجاهرة بأنّهم لبنانيون من صنف العملاء، واقتحام البلدات الفلسطينية للتنكيل بأهلها كما حصل في بلدة بيتا الفلسطينية في شهر حزيران/ يوينو من العام 2001 بدل التوبة والكفّ عن ممارسة حرفة العمالة والظلم؟ ولكن الذي تجري العمالة في دمه لا ينتظر أنْ تغسله الحياة منها وتطهّره من رجسها.‏

ديموقراطية كندا‏

وليس غريباً أن تعتبر كندا أعمال ضباط وعناصر ميليشيا العملاء جرائم حرب وضد الإنسانية حتى ولو كان فعل الواحد منهم تنصتاً على مكالمات واتصالات المقاومة و"حزب الله" ومخابراتهما الهاتفية، على الرغم من ضآلة الضرر الذي قد ينتج عن هذه المراقبة، بينما "ديموقراطيو لبنان الجدد" يغازلون العملاء بقانون للعفو عنهم، وهم مدركون في قرار أنفسهم مدى وحشية ارتكاباتهم وفظائع جرائمهم، ويعتبرونها إنجازات في سبيل مصلحة حماية الوطن من "الغريب" و"المقاوم المخرّب" و"الإرهابي" بحسب تعابير المحتل الإسرائيلي، تستحق التنويه والإشادة والمكافأة المادية والمعنوية بتقليدهم أوسمة الأرز الوطني من رتبة فارس، ومن الدرجة الأولى طالما أنّ البلد يعيش "ثورة الأرز" التي أفرزت "لبنان الجديد المتصالح مع نفسه ومع الآخرين!".‏

وتريد كندا أنْ تطبق القانون الدولي على عملاء لحد، بينما في لبنان ينوون مسامحتهم والصفح عنهم والتغاضي عن جرائمهم، والمفارقة أن كندا سمعت بهول جرائمهم وشناعتها ولم تتأذّ منها ولم تتضرّر منها، ومع ذلك ترغب في مقاضاتهم ليس أمام القضاء اللبناني الذي كان متساهلاً معهم أكثر من المتوقع، وإنما أمام محكمة العدل الدولية، بينما آلاف اللبنانيين اكتووا بنيران العملاء وممارساتهم التعسفية فيتدافع بعض نواب الإنسانية المتقدمة لنسف القانون وضربه بعرض الحائط وإزالة العقوبات المخفّفة أساساً من طريقهم، وإنشاء عفو يجيز لهم العودة إلى وطنهم مكرّمين ومعزّزين ومؤهّلين لذبحه بالحروب الداخلية مجدّداً عبر دسّ الدسائس وزرع الفتن.‏

فها هي كندا ترفض بشكل قاطع وحازم منح العميلة جانيت حداد التي هربت مع قوافل الفارين من مواجهة الحقيقة، إلى فلسطين المحتلة غداة انبلاج فجر التحرير يوم الأربعاء الواقع فيه 24 أيار/ مايو من العام 2000، تأشيرة دخول إلى أراضيها للالتحاق بزوجها الموجود هناك منذ العام 1981، على الرغم من أنّ كلّ ما قامت به خلال انخراطها في صفوف ميليشيا العملاء هو الخدمة كعاملة لاسلكي في مقرّ قيادة الميليشيا في بلدة مرجعيون مدّة ثماني سنوات متواصلة، كانت تتتبّع فيها اتصالات المقاومين "المثيرة للريبة" وتتنصّت عليها وتنقل فحواها والمعلومات الواردة فيها إلى مسؤوليها ليتحصّنوا ويتخذوا الاحتياطات اللازمة الكفيلة بردّها وصدّها ووقفها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.‏

ولدت جانيت المقرّبة من رأس العملاء سعد حداد في بلدة مرجعيون في العام 1970، ولمّا شبّت وصارت مدركة وتتمتّع بكامل قواها ووعيها، انضمت إلى جيش "لبنان الجنوبي" وذلك في العام 1992 حتّى أنّها آثرت الاندحار معه إلى فلسطين المحتلة عند التحرير حيث استقرّت في مستوطنة" كريات شمونة" ولحق بها إبن بلدتها وليد إنجيل الآتي من كندا التي يحمل جنسيتها وتزوجا، وقد قدّمت للسفارة الكندية في "تل أبيب" استمارة لنيل تأشيرة تخوّلها السفر إلى بلادها، غير أنّها خيّبت آمالها بإعلامها بأنّها شخص غير مرغوب فيه لتنفيذها جرائم ضد الإنسانية.‏

وجاء في التعليل الكندي للأسباب الموجبة لرفض استقبال مثل هذه العميلة ما يلي: "بعد دراسة جميع جوانب طلبك نأسف لإبلاغك برفض الطلب، فلدينا أساس للإيمان بأنّك من الناس غير المرغوب بوجودهم في كندا بسبب تنفيذهم لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهذه الجرائم تعني القتل، والتدمير، والإذلال، والطرد، والاعتقال، والتعذيب، والعنف الجسدي، والمطاردة، وكلّ عمل غير إنساني آخر ينفّذ ضدّ سكّان مدنيين، ويشكّل جرائم حرب حسب تعريف القانون الدولي، كما أنّه لدينا أساس للإيمان بأنّه منذ العام 1992 ولغاية العام 2000 عندما كنت جزءاً من جيش "لبنان الجنوبي" ارتكبت جرائم حرب، وقتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية، وكنت تشاركين بشكل منهجي في التنصّت على الاتصالات ونقل معلومات لقادتك، وأنت تعلمين على وجه اليقين أنّ أناساً من شبه المؤكّد سيقتلون بناءً على هذه المعلومات التي تقدّمينها، وحسب رأينا، فإنّ هذا يجعلك شخصاً غير مرغوب فيه في كندا".‏

علي الموسوي‏

2006-10-30