ارشيف من : 2005-2008
غموض الحاضر يثير هواجس الماضي بعد خروج جعجع: "القوات اللبنانية" إلى أين؟
يأتي خروج الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية من السجن بعد أحد عشر عاماً في اطار المتغيرات التي لا يزال يشهدها لبنان.
وهذه الخطوة يبدو أنها ستترك آثارها على الساحة اللبنانية بشكل عام وداخل الشارع المسيحي الذي يشهد متغيرات متسارعة أهمها عودة العماد ميشال عون من منفاه الباريسي ثم خروج جعجع من سجنه.
يمثل جعجع بالنسبة لمناصريه القائد الميداني الذي يعلقون عليه آمالاً كبيرة، لانتشالهم مما يعتبرونه "الظلامة" التي لحقت بهم بعد اتفاق الطائف. ولعل استرجاع صور جعجع مع البندقية وشعار القوات المعروف، يدل على رغبة هذا الشارع باستعادة الشعور بالقوة والثقة بالنفس, وهم لذلك يعولون على جعجع وطروحاته في المرحلة التي سبقت سجنه والتي تتمحور حول "المجتمع المسيحي" وأمنه خلال الحرب الأهلية على خلاف ما يعتقده سائر اللبنانيون عموماً.
ولعل الاحتفال والابتهاج الذي رافق جلسة إقرار العفو عن جعجع أحد التعبيرات عن هذا التوق، وهو ما أثار هواجس البعض حتى داخل الشارع المسيحي، وعاب هذا البعض على مناصري القوات احتفالهم غير الحضاري.
وإذا كان من الطبيعي بحسب أوساط الشارع المسيحي أن يأخذ جعجع مكانه في هذه الساحة، فإن النتيجة الأولية لها هي المنافسة الجدية لزعامة العماد ميشال عون التي أثبتت قوتها في الانتخابات النيابية.
وتعتبر مصادر مطلعة في الساحة المسيحية "أن خروج جعجع سيشكل صدمة ايجابية لدى المسيحيين، وخصوصاً أن الشارع أثبت وفاءه له على الرغم من سنوات القحط التي عاشها بعد اعتقاله. وربما أيضاً يمثل حاجة ضرورية لتوازن الزعامات داخل الطائفة المارونية لإعادة صياغة العلاقات بين مكوناتها بحيث لا يتفرد بها ممثل واحد او زعيم أوحد".
ويتابع المصدر: "ربما تكون الأولوية في المرحلة المقبلة بالنسبة للقوات، التوجه لإعادة الترخيص لحزب القوات, كخطوة ضرورية لتحويلها من تيار الى حزب، وخاصة أن التيار الوطني الحر أعلن عن نيته التحول الى حزب، بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية، وهي شروع جعجع ومعاونيه بإعادة بناء القوات كتنظيم له هيكلياته واداراته ومؤسساته.
ويشير المصدر المطلع إلى أنه "في ظل الغموض الذي يكتنف شخصية جعجع، فإن أياً من المحللين والسياسيين لا يستطيع التكهن بجدية بما ستقدمه هذه الشخصية, وما هي الافكار التي سيطرحها ويتبناها. ولعل الاسئلة المهمة التي تتبادر إلى أذهان اللبنانيين تتعلق بالافكار التي آمنت بها القوات وعملت لها قبل الطائف، وسعت إلى تطبيقها، ومجملها كان يتمحور حول "المجتمع المسيحي", "الأمن الذاتي", "الفدرالية" وغيرها. وهل أن خروج جعجع من السجن من شأنه أن يحيي مثل هذه الطروحات؟
ولكن المصدر المذكور سرعان ما يستدرك ليقول "إن القوات تخلت عن هذه الأفكار عملياًَ بمجرد موافقتها على اتفاق الطائف العام 1989، وانخراطها في الحكومة اللبنانية الحالية بشكل مباشر يوحي بذلك".
ويتابع المصدر "إن الحركة السياسية الأخيرة التي قادتها زوجة جعجع النائب ستريدا جعجع كانت بموافقة من زوجها، وهذا يوحي أيضاً بأن هناك رغبة في الإنخراط أكثر مع الشريك الآخر, الشريك المسلم".
لكن مع كل ذلك يلفت المصدر إلى أن جعجع "يحمل مشروعاً سياسياً خاصاً به من دون الجزم في ما إذا كان هذا المشروع مختلفاً عن مشروعه السابق", ويؤكد في هذا الإطار بأن جعجع يعطي الأولية للمشروع، ويعتبر أن المراكز والمناصب السياسية يجب أن تصب في خدمة هذا المشروع. ومن هنا فإن المنافسة بين "القوات" والتيار الوطني يمكن أن تجنح باتجاه التطرف لجذب الشارع المسيحي، وخاصة أنه ما زال يفتش عن هوية له وأرضية يقف عليها.
ويتوقع المصدر أن القيادة المباشرة لجعجع من شأنها أن تعطي فعالية أكثر لـ"القوات" خلال المرحلة المقبلة, وبالتالي تقضي على الانقسامات والخلافات الداخلية التي شهدتها المرحلة السابقة، والتي تمحورت حول من يتصدى للمسؤولية في هذا التيار.
أما عن المخاوف من تداعيات إحياء المنافسة والصراع على الزعامة، فيشير المصدر إلى أن لكلا التيارين قواعدهما، وإذا بقي الأداء في إطار المنافسة فهذا لا يدعو إلى الخوف، اما إذا انتقل إلى سلوك آخر فسوف تتكرر الكارثة على المجتمع المسيحي في هذه الحالة.
ويشير المصدر إياه إلى أن التداعيات ليست محصورة بين القوات والتيار العوني، إنما هناك أطراف ومرجعيات أخرى ستتأثر أيضاً بهذا الخروج، ومنها البطركية المارونية التي ملأت في المرحلة السابقة الشغور في الزعامة المارونية.
ويخلص المصدر إلى استنتاج أنه من المبكر الحديث عن التوجهات الحقيقية لجعجع في المرحلة المقبلة، وبالتالي لـ"القوات"، وتداعيات ذلك على الشارع المسيحي خاصة واللبناني عامة، وعلينا أن ننتظر مواقفه من القضايا المطروحة وتأكيد ثوابته ومقارنتها مع الثوابت التي توافق عليها اللبنانيون.
مروان عبد الساتر
الانتقاد/ محليات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018