ارشيف من : 2005-2008

جلسة العفو لم تراع المصالحة الحقيقية:خروج جعجع يعيد إذكاء الصراع على الزعامة المارونية؟

جلسة العفو لم تراع المصالحة الحقيقية:خروج جعجع يعيد إذكاء الصراع على الزعامة المارونية؟

ردود فعل متباينة تركتها نتائج الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب التي عقدت يوم الاثنين الماضي، وجرى خلالها إقرار قانوني العفو عن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وموقوفي الضنية ومجدل عنجر، بأكثرية نيابية وصلت إلى نحو مئة نائب. وهي سيكون لها انعكاسات سياسية واضحة في المرحلة المقبلة. فمن ناحية ستسعى القوى السياسية التي أيدت إقرار القانونين إلى استثمار ما حصل على أكثر من صعيد، وبالمقابل فإن الأطراف الأخرى الرافضة أو المتحفظة على الأسلوب الذي تم به إقرار القانونين ترى أن إدارة البلد تسير بشكل خاطئ من قبل الأكثرية النيابية الجديدة لأنها تسير باتجاه تحقيق مكاسب سياسية على حساب المصالحة الوطنية الحقيقية، وترى هذه القوى أن ما جرى كان بعيداً كل البعد عن الشروع في إرساء دعائم مصالحة وطنية لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الجهة أو الجهات التي كانت ضحية للأفعال التي ارتكبها جعجع، وحوكم بسببها، وتحديداً آل كرامي الذين لم يجر الأخذ بمطالبهم أو بموقفهم تجاه هذه القضية.‏

وفي هذا السياق جاء الموقف الواضح والصريح لكتلة الوفاء للمقاومة التي قرر أعضاؤها مغادرة الجلسة التشريعية لمجلس النواب، وقد لخص رئيس الكتلة النائب محمد رعد الموقف في بيان أصدره وقال فيه: "… نظراً لقناعتنا بأن الضرورة الوطنية والأخلاقية تقتضي الأخذ بعين الاعتبار جملة مقدمات منها له علاقة بعائلة الشهيد رشيد كرامي الرئيس الأسبق لمجلس وزراء لبنان، فضلنا مغادرة الجلسة التشريعية التي خصصت للتصويت المقررة نتيجته مسبقاً، وأن ننأى بأنفسنا عن هذا الملف الذي كنا ولا زلنا نعتقد أنه يحتاج إلى حكمة ودقة مميزتين، ونأمل أن يتم تدارك الثغرات التي خلفتها طريقة المعالجة، متمنين الخير لكل اللبنانيين".‏

الموقف الذي عبّر عنه حزب الله من خلال كتلة الوفاء للمقاومة عبّر عن موقف مماثل له الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي غادر نائباه أسعد حردان ومروان فارس الجلسة التي جرى خلالها إقرار قانوني العفو، ورأى الحزب "أن ما حصل يعد مخالفة لأبسط القواعد التي يجب أن تتم على أساسها المصالحات الوطنية بما يؤدي إلى طي ملف الحرب الأهلية بكل فصولها وضحاياها". ويعتبر الحزب القومي أن شطب الأحكام المبرمة الصادرة بحق جعجع من دون إعادة محاكمة ومن دون صفح من قبل عائلة الرئيس الشهيد رشيد كرامي يضع العفو في خانة التشريع الانتقائي والاستنسابي الذي لا يخدم المصالحة الوطنية المطلوبة التي ينادي بها الجميع.‏

على أن رد الفعل الأقصى صدر عن عائلة الرئيس الشهيد رشيد كرامي التي تحدثت بمرارة عما حصل، واعتبرت أن الحديث عن مصالحة هو كذبة كبيرة، وأن العفو عن جعجع جاء لتمرير غايات سياسية وانتخابية لأطراف الأغلبية النيابية، مؤكدة أن التاريخ سيبقى يذكر أن قاتل الرئيس الشهيد كرامي هو سمير جعجع الذي صدر عليه حكم مبرم في هذه القضية.‏

أما على صعيد الجبهة التي صوتت للعفو عن سمير جعجع فإن الأوساط السياسية ترى أنه لكل طرف هدفه في هذا الأمر. فعلى صعيد كتلة التنمية والتحرير فإن الأمر له علاقة بتجاوز الورقة البيضاء من جانب الكتل المسيحية في انتخابات رئاسة المجلس، لكن أوساط حركة أمل تشعر بالمرارة للطريقة التي "شكرتها" بها القوات اللبنانية على هذا الموقف المؤيد للعفو عن جعجع، حيث جاء هذا الشكر عبر سقوط ضحية من الحركة هو بلال سيف الدين وعدد آخر من الجرحى في الشياح برصاص أنصار القوات اللبنانية في عين الرمانة.‏

أما كتلة اللقاء الديموقراطي فقد كانت من أشد المتحمسين للعفو عن جعجع لأن رئيسها النائب وليد جنبلاط يرى في خروج الأخير من السجن الخيار الوحيد الممكن للحد من اجتياح العماد ميشال عون للساحة المسيحية، ويرى أن عودة جعجع إلى الساحة السياسية تعيد التوازن المسيحي وننهي أحادية الزعامة المارونية التي كسبها خصمه عون في الانتخابات النيابية الأخيرة على حساب حلفائه في "لقاء قرنة شهوان".‏

وينسحب موقف كتلة جنبلاط في هذه القضية على موقف كتلة تيار "المستقبل" برئاسة سعد الحريري، لكن كتلة الحريري تواجه إشكالية في هذا المجال، كون الهم الأكبر لها كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بينما تقوم بالمقابل بالمساهمة في الإفراج عن شخص ارتكب جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي، والسؤال الذي يطرح هنا هل ستوافق في يوم من الأيام على العفو عن قتلة الرئيس الحريري إذا تمت معرفتهم ومحاكمتهم.‏

أما موقف كتلة الإصلاح والتغيير التي يرأسها العماد ميشال عون فإنه لم يكن يتوقع أن يكون غير التأييد لخروج جعجع من السجن برغم أن جميع الأنظار ستتجه بعد خروج جعجع من السجن إلى نوع العلاقة التي ستنشأ بينه وبين الجنرال عون، وهما الخصمان اللدودان اللذان تواجها في معركة ضروس أثناء الحرب الأهلية، وبقي الخلاف السياسي بين تياري عون والقوات مستحكماً برغم الحصار السياسي الذي تعرضا له معاً طوال السنوات الخمس عشرة الماضية.‏

وفي هذا السياق تكثر التكهنات عن نوع العلاقة التي ستنشأ بين عون وجعجع، وهل سيحافظ الأخير على نوع التحالفات التي صاغتها القوات خلال الانتخابات النيابية، أي التحالف مع الحزب الاشتراكي وتيار المستقبل في مواجهة التيار الوطني الحر؟‏

بعض المراقبين يرون أن جعجع قد يتجه نحو إعادة النظر في التحالفات التي حصلت أثناء الانتخابات النيابية، وإقامة تحالف سياسي مع عون قريب من النموذج القائم على الساحة الشيعية بين حزب الله وحركة أمل، لكن أوساطاً سياسية أخرى تستبعد هذا المنحى، ولا ترى أي مؤشر لهذا التوجه، وترى أن الأرجح هو محافظة جعجع على التحالفات التي حصلت، وخصوصاً أنه هو الذي قام بهندستها من داخل زنزانته في اليرزة، وعليه تتوقع هذه الأوساط دخول الساحة المسيحية والمارونية تحديداً في المرحلة المقبلة في "حرب باردة" بين عون وجعجع، ما يساعد في ترجيح هذا المنحى هو دخول القوات اللبنانية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى جانب حلفائها في لقاء البريستول، وبقاء التيار الوطني الحر خارجها، وهو يستعد ليخوض معارضة فاعلة تجاهها، ولن تستثني مفاعيل هذه المعارضة القوات اللبنانية.‏

هلال السلمان‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

التزكية تطبع انتخاب أعضاء اللجان النيابية‏

استبق المجلس النيابي جلسة إقرار قانوني العفو بجلسة انتخاب أعضاء اللجان النيابية السبع عشرة، وقد جرت هذه الانتخابات بأجواء من التزكية باستثناء لجنة الصحة وذلك مرده إلى التفاهمات المسبقة حول توزيع أعضاء اللجان بين الكتل النيابية، وبعد أن انتخبت هذه اللجان رؤساءها ومقرريها بات المطبخ التشريعي جاهزاً لمناقشة وإعداد المشاريع واقتراحات القوانين تمهيداً لرفعها إلى الهيئة العامة لإقرارها، وبات المجلس النيابي الجديد بعد اكتمال هيئاته الرسمية ينتظر مهامَّ صعبة في المرحلة المقبلة سيكون من أهمها إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية الخانقة وإقرار المشاريع الإصلاحية وتلك التي تهم مصالح اللبنانيين، فضلاً عن إعداد الاقتراحات اللازمة لمتابعة تطبيق اتفاق الطائف، ومن بينها مقاربة إلغاء الطائفية السياسية، وإعداد قانون عادل للانتخابات، وقانون اللامركزية الإدارية.‏

هلال السلمان‏

الانتقاد / محليات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو2005‏

2006-10-30