ارشيف من : 2005-2008

البيان الوزاري "اخفاق رابع" للسياسة الاميركية في لبنان

البيان الوزاري "اخفاق رابع" للسياسة الاميركية في لبنان

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/يوليو 2005‏‏‏

‏‏

شكل البيان الوزاري للحكومة الجديدة الذي أقره مجلس الوزراء الاثنين الماضي بالاجماع في الجلسة التي ترأسها رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بحضور رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والذي احيل الى مجلس النواب لنيل الثقة على أساسه في الجلسة العامة التي بدأت أمس، شكل "الأرضية الصلبة" للمرحلة السياسية المقبلة التي سيجري الانطلاق نحوها بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب.‏‏‏

ومن هذا المنطلق استحوذت عملية صياغة هذا البيان على الوقت الكافي في اجتماعات اللجنة الوزارية التي كلفت صياغة هذا البيان، والتي استمرت لأيام عدة جرى خلالها طرح المسائل الجوهرية بدقة متناهية لتأتي الصيغة وفق الأسس التي يمكن أن تنطلق نحو تعزيز الوحدة الوطنية، وترضي مختلف الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة برغم الضغوط الأجنبية التي حاولت حرف البيان الوزاري عن مساره الوطني، وهو ما قامت به وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس خلال الزيارة المفاجئة التي قامت بها الاسبوع الماضي الى بيروت، لكنها لم تنجح في ذلك بعدما تضمن البيان الوزاري الموقف السياسي الواضح الداعم لخيار المقاومة، وكونه التعبير الصادق والطبيعي عن الحق الوطني في تحرير باقي الأراضي المحتلة والمعتقلين من السجون الصهيونية ومواجهة التهديدات والأطماع الصهيونية تجاه لبنان، كما ان البيان الوزاري اغفل ذكر القرار 1559 الذي أصرّت الولايات المتحدة وفرنسا على ضرورة التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذه لجهة نزع سلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية، وهو اغفال اعتبرته الأوساط السياسية ايجابياً لأنه يعني عدم الرضوخ للضغوط الاميركية، خصوصاً اذا جرى ربطه بالموقف المحتضن لخيار المقاومة في البيان الوزاري، وهي ترى ان عبارة احترام قرارات الشرعية الدولية التي وردت في البيان لا تعني الالتزام بها، وقد أدى تمسك البيان الوزاري بالثوابت الوطنية الى رد فعل اميركي وفرنسي غاضب، حيث أعربت المصادر الدبلوماسية الاميركية عن خيبة أملها لعدم تضمين البيان الوزاري للحكومة اللبنانية اشارة واضحة وصريحة تجاه الالتزام بالقرار 1559، وهو ما أعربت عن موقف مماثل له أوساط وزارة الخارجية الفرنسية التي أعربت عن استيائها وأعلنت ربط أي مساعدات اقتصادية للبنان بتنفيذ بنود هذا القرار.‏‏‏

الأوساط السياسية ترى أن مضمون البيان الوزاري الذي راعى التوازنات الداخلية وحرص على عدم الانزلاق تجاه أي ضغوط أجنبية شكل اخفاقاً جديداً للسياسة الاميركية في لبنان، وهو "الاخفاق الرابع" خلال بضعة أشهر، وهي تذكر بهذه الاخفاقات على الشكل التالي:‏‏‏

ـ الاخفاق الأول تمثل بالاستفتاء الشعبي العارم على خيار المقاومة والممانعة الذي أظهرته نتائج الانتخابات النيابية في الجنوب والبقاع، وهو ما لم تكن تتوقعه الادارة الاميركية بهذا الحجم الكبير من التأييد لنهج المقاومة وخياراتها السياسية.‏‏‏

ـ الاخفاق الثاني: تمثل بفشل المحاولات الاميركية والفرنسية بإحداث تغييرات على مستوى رئاسة مجلس النواب حيث جرى اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لهذا الموقع.‏‏‏

ـ الاخفاق الثالث تمثل بفشل الضغوط الاميركية وتدخلها في تركيبة التشكيلة الحكومية، خصوصاً وضع فيتو على تولي وزير مؤيد لتحالف حزب الله وحركة أمل لوزارة الخارجية، وبرغم شدة هذه الضغوط فقد انتهى الأمر الى تولي الوزير فوزي صلوخ المقرب من حزب الله وحركة أمل لمنصب وزارة الخارجية.‏‏‏

وجاء الاخفاق الرابع في فشل الولايات المتحدة في فرض املاءاتها على لبنان في قضية البيان الوزاري.‏‏‏

من هنا تلفت الأوساط السياسية الى أن الولايات المتحدة ليست عاجزة عن فرض ارادتها على الساحة اللبنانية، وهي لذلك رضخت للأمر الواقع فيما يختص بالبيان الوزاري، وهو ما عبرت عنه تصريحات وزيرة الخارجية الاميركية كونوليزا رايس خلال زيارتها الى لبنان.‏‏‏

المسألة السياسية الثانية البارزة في البيان الوزاري للحكومة هي ملف العلاقات بين لبنان وسوريا حيث اكد البيان على العلاقات الطبيعية والسليمة والمميزة مع سوريا بالاستناد الى ما ورد في اتفاق الطائف، وهو ما يعني ان الأزمة السياسية والاقتصادية بين البلدين وخصوصاً أزمة الحدود ستسير في الفترة المقبلة نحو الحل، وقد عبر عن هذا التوجه التحضيرات الجارية لقيام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بزيارة رسمية الى دمشق يجري خلالها اعادة صياغة العلاقات الثنائية بين البلدين على أسس الاحترام المتبادل وفق ما تقتضيه أواصر العلاقة التاريخية بين البلدين، وقد لاقت دمشق هذه الايجابية بإيجابية وردت على لسان وزير الخارجية فاروق الشرع الذي أعرب عن ترحيبه بما ورد في البيان الوزاري لجهة العلاقة المستقبلية مع سوريا.‏‏‏

في القضايا الداخلية فإن الاوساط السياسية تعرب عن الارتياح لما تضمنه البيان الوزاري من فقرات تشدد على اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية ومكافحة الهدر والفساد وغيرها من العناوين، لكن هذه الأوساط ترى ان العبرة تبقى في تنفيذ هذه البنود وليس بمجرد ايرادها ضمن البيان الوزاري للحكومة، وتوضح أنه لا يمكن الحكم في هذا المجال الا عندما تباشر الحكومة في اتخاذ القرارات العملية في هذا الاطار بعد نيلها الثقة من مجلس النواب.‏‏‏

هلال السلمان‏‏‏

2006-10-30