ارشيف من : 2005-2008

رايس في بيروت:تكريس الحضور في توقيت مريب

رايس في بيروت:تكريس الحضور في توقيت مريب

الانتقاد / مقالات ـ العدد 1120 ـ 29 تموز / يوليو 2005‏

بعد اسبوعين على زيارة نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط إليزابيث ديبل، زارت وزيرة الخارجية الأميركية غوندوليزا رايس بيروت في زيارة خاطفة لم تكن مدرجة على جدول أعمالها، وتزامنت مع زيارة وفد من الكونغرس الأميركي.‏

وثمة معلومات تتحدث عن زيارة مرتقبة لنائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط إليزابيث تشيني بعد نيل الحكومة الثقة، هذا طبعاً من دون أن ننسى الوجود "الفعال" للسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان، وكذلك زيارات مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية في أوقات سابقة في ذروة الاحتدام السياسي وتظاهرات الساحات المتقابلة في آذار/ مارس الماضي، ثم حضور عناصر من "الأف بي أي" لمعاينة مسرحي جريمتي اغتيال الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي والصحافي سمير قصير، إضافة إلى حضور بعض جنرالات الجيش الأميركي لمتابعة حاجات الجيش اللبناني للقيام بمهامه الأمنية وتثبيت الاستقرار أكثر من مرة خلال الفترة الماضية.‏

هذا التعداد للوفود الأميركية الوافدة باتجاه لبنان، يظهر مدى الاهتمام الأميركي بالمسألة اللبنانية، وهو ما تحرص الإدارة الأميركية على إظهاره بشكل دائم وفي مناسبات مختارة بدقة تهدف إلى إيصال رسائل معينة إلى من يعنيهم الأمر على الساحة اللبنانية وخارجها.‏

والزيارة الأخيرة لرايس تندرج في السياق المذكور، سواء لناحية التوقيت وشكل الزيارة، ومضمون المواقف المعلنة أمام وسائل الإعلام أو المواقف التي أبلغت للمسؤولين اللبنانيين في الاجتماعات المغلقة.‏

وعلى الرغم من أن الزيارة بدت مفاجئة للبعض كونها غير مدرجة على جدول أعمال الجولة الثالثة لرايس إلى المنطقة منذ توليها مسؤولياتها، إلا أن معلومات تحدثت عن معرفة عدد محدود من المسؤولين بأن لبنان مدرج على جدول الجولة، وربطت المعلومات بين زيارة ديبل قبل أسبوعين وزيارة رايس، واعتبرت أن الأولى كانت تمهيداً للثانية، وأن إخراج قطع زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدوم إلى بيروت مباشرة ليس إلا لتسليط مزيد من الأضواء وبعث رسائل تتجاوز الساحة المحلية في توقيت حساس له دلالاته وأبعاده.‏

فالتوقيت جاء متزامناً مع الشروع بصياغة البيان الوزاري من قبل اللجنة الوزارية المكلفة، وقبل الانتهاء من صياغته بيوم واحد قبل تأجيل إقراره في مجلس الوزراء من السبت إلى الإثنين، وبالتالي المشاركة في كتابة سطر واحد من البيان يتعلق باستكمال تنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559، وربط الحصول على الدعم الأميركي ودعم المجتمع الدولي بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومحاولة التأثير في رسم العلاقات اللبنانية السورية، وخصوصاً أن البيان الوزاري الحالي ذو ميزة تأسيسية في الحياة السياسية اللبنانية على الصعيدين الداخلي والخارجي.‏

وإذ كانت رايس واضحة في إعلان هدف الزيارة ووضعها في إطار التهنئة للبنانيين على إصرارهم بالمضي قدماً على طريق الديمقراطية، ودعم "لبنان الجديد" بما يحمل هذا المعنى من مضامين تأمل رئيسة الديبلوماسية الأميركية أن تتحقق، كان لافتاً إبداء دعمها للحكومة اللبنانية عقب الحملة التي قادها الناطقون باسم هذه الإدارة ضد حزب الله وممثله في الحكومة والإعلان عن "حرمانه" من الاتصال معه بحجة أن القانون الأميركي يحظر ذلك، ما يظهر مدى انزعاج واشنطن وارتباكها، خصوصاً أن مساعي ديبل أثناء تشكيل الحكومة باءت بالفشل وأديرت لها الأذن الصماء، ولم تتمكن من ابعاد حزب الله عن التشكيلة الحكومية وتحقيق مطالبه في توزيع الحقائب.‏

وثمة من يرى أن مسارعة رايس إلى زيارة بيروت بهذا الشكل، ما هي إلا محاولة جديدة لاستدراك الفشل الذي حصل خلال تشكيل الحكومة، ومحاولة واضحة للتعويض عنه بالتأثير على مضمون البيان الوزاري، خصوصاً في ما يتعلق بالقرار 1559 الذي لم يتم التطرق إليه بصورة مباشرة على خلاف ما كانت ترغب به واشنطن حيث عبرت رايس عن هذه الرغبة خلال مناقشاتها مع المسؤولين اللبنانيين، إلا أن النتيجة كانت امتعاضاً جديداً عبّر عنه مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية حين اعتبر ان "واشنطن تعمل على تحليل البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الذي اغفل ذكر القرار 1559"، وهو ما يناقض ما أظهرته رايس من تفهم للمطالب اللبنانية، والذي فسره البعض بأنه إعطاء فسحة من الوقت لإيجاد الحلول اللازمة لتنفيذ باقي بنود القرار 1559 عبر الحوار فيما بين اللبنانيين، وبما يتناسب ومصلحة لبنان، والحفاظ على استقراره، وبمعنى آخر اعتبار هذه المسألة لبنانية تخضع لإرادة اللبنانيين وخصوصية الوضع اللبناني وحساسيته تجاه هذا الموضوع بالذات، وهو ما عبرت عنه رايس بـ"عملية سياسية" لبنانية لتطبيق القرار الدولي، ولكن ذلك وفق مصادر أخرى لا يعني "أن تفهم خصوصية الوضع اللبناني لا يجب أن يؤدي إلى إهمال هذا الأمر، ويجب ان لا يكون التأخير طويلاً"!‏

في كل الأحوال يبدو أن زيارة رايس لم تلب طموحات إدارتها في إدراج تنفيذ القرار 1559 ضمن البيان الوزاري، وإن تضمن هذا البيان نصاً على احترام القرارات الدولية، ولكن الزيارة في جوانب أخرى كان لها رسائلها المتعددة لا سيما على الصعيد الداخلي. فمن ناحية الشكل لم تخل من مخالفة بروتوكولية مقصودة إذ استهلت رايس زيارتها بقصر قريطم حيث التقت رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري في رسالة واضحة تؤكد مرجعية الأخير في السياسة اللبنانية وموقعيته المتقدمة بالنسبة لواشنطن مقابل المواقع الأخرى، وإن حاولت التعويض عن هذه المخالفة بتخصيص رئيس الجمهورية بزيارة هي الأولى من نوعها منذ التمديد له في أيلول/ سبتمبر المنصرم بما ينهي ما سمي المقاطعة الأميركية لرئاسة الجمهورية، من دون أن تدلي بأي تصريح في القصر الجمهوري، واكتفائها بمؤتمر صحافي في السراي الحكومي بعد لقائها السنيورة حيث نقلت مصادر إعلامية كلاماً عن مسؤول في الوفد المرافق لرايس "أن رئيس الوزراء يمثل لبنان الجديد بينما رئيس الجمهورية يمثل لبنان القديم"؟‏

إضافة إلى ذلك توقف المتابعون عند لقاء رايس مع رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الذي يتخذ موقع المعارض للحكومة، ووضع البعض هذا اللقاء في سياق الدعم للحكومة وتحذير الأخير من مغبة عرقلة عملها والوقوع في خطأ التقدير، بينما لوحظ الغياب الصارخ لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عن برنامج رايس، ربما بسبب مواقفه الأخيرة التي تشدد على الثوابت اللبنانية وحماية المقاومة وسلاحها ورفض القرار 1559.‏

سعد حميه‏

2006-10-30