ارشيف من : 2005-2008

أسير ما زال على سفر

أسير ما زال على سفر

الانتقاد/ ملف "العملاء أداة اسرائيلية "ـ العدد1121 ـ 5 آب/ أغسطس 2005‏

أخي رضا‏

الحمد لله والشكر أنك لست مقيماً عندنا في لبنان هذه الأيام بين جهابذة الاصلاح والتغيير حتى لا يصيبك ما أصابنا من لوعة ودهشة جعلت شفاهنا تنتفخ بما يصبح بطن الضفدعة، وعيوننا تجحظ وتتسع حدقاتها كحدقة المومياء، وقد فغرت أفواهنا مثل فم ذلك الوحش الرابض فوق احدى تلال الجنوب والمعروف بمعتقل الخيام.‏

كل ذلك بسبب ما أطلقته مجموعة من أساطين العهر السياسي الذين يدعون امتلاكهم لناصية الخطاب الوطني والنص الالهي لدرجة أنهم أصيبوا بحالة من الهذيان والهلوسة جراء تناولهم لحبوب مهيّجة من عيار 1559.‏

لقد قرروا القاء القبض على الذاكرة لدينا وخنقها والبدء بتنفيذ مشروع عفو تاريخي من أجل انتاج ثقافة بمفعول رجعي تعيد بناء المجتمع على أساس مختلف من القيم والمبادئ.‏

بدءاً من الغاء كل الحليب الذي أرضعته لنا امهاتنا واستبداله بحليب الرؤية العالمية الاميركي ذي النكهة الصهيونية، وصولاً الى مشروع العفو عن العملاء اللحديين من حملة الجنسية الاسرائيلية وبعض الذين لم يتسنّ لهم حملها بعد.‏

ويا رضا.. ما أدراك؟‏

ربما يبدأون بعدها بمشروع العفو عن يزيد قاتل الامام الحسين (ع) بدعوى أن الامام الثائر وقف بوجه شياطين الطغيان ومصالح القتلة الذين يمثلهم يزيد الذي و"لظروفه الخاصة" دافع عن تلك المصالح بالقتل. وربما يعودون الى الانجيل المقدس ليحذفوا قصة خيانة يهوذا الاسخريوطي للسيد المسيح (ع) وتسليمه لليهود بنصف درهم بحجة أن المؤمن بهذه القصة هو شخص معادٍ للسامية اللبنانية الجديدة وأحفاد عشتار وقدموس.‏

مروراً بإصدار عفو عام وتاريخي عن الحقبة العثمانية واعادة الاعتبار لجمال باشا السفاح واسقاط حكم التاريخ بحقه، كذلك مشروع عفو عن آرييل شارون نكاية بهذا "العدو" كما يجب أن يسميه أحد ممثلي مصالح العملاء في البرلمان اللبناني الجديد جداً.‏

ربما أيضاً يسعون لإصدار عفو بقانون معجل مكرر عن القاتل المحتمل وبشكل مسبق للرئيس الشهيد رفيق الحريري بحجة ان القاتل أبدع في عمله وتماهى معهم في قدرته على تجهيز السيارات المفخخة فكانت النتيجة الايجابية بالنسبة لهم عودتهم لتبوؤ المناصب واحتلال صالات الشرف.‏

ويا رضا.. هذه المصالحة التاريخية التي يسعون الى تحقيقها من أجل كتابة تاريخ واحد للبنان يسجلون فيه أن الوحدة الوطنية ولدت منذ بداية التاريخ، وأن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يتعرض شعبه للقتل يوماً، ولم تشن عليه أية حرب، ولم تطأ أرضه أقدام غاصب محتل، وأن الحرب الأهلية التي وقعت فيه وكانوا من بين أبرز قادتها، ما هي إلا وهم كاذب كالحمل الكاذب الذي تشعر به المرأة العاقر حين ينتفخ بطنها عند الشبع فتظن انها حامل.‏

كل ذلك من أجل العفو عن أنفسهم اذ لا يعفو عن القاتل الا شبيهه، وكلا الشبيهين يعرج.‏

حمداً لله انك لست هنا فربما يضيفون الى مشروع العفو عن العملاء اقامة حفل تكريمي لهم في معتقل الخيام بعد أن يطلقوا على ساحات التعذيب فيه أسماء جديدة للهو على اعتبار انه في لغتهم يصبح التعذيب كلمة مشتقة أصلاً من معاني العذوبة، فيعتلي المعتقل انطوان لحد المنصة يحيط به جلادو المعتقل ومسؤولو أجهزة أمن العملاء في البلدات والقرى الذين تولوا سابقاً مسؤولية أمن الاحتلال، وفي خلفية المنصة شعارات وصور لكل المجرمين والقتلة الذين أمعنوا ظلماً ووحشية بحق الشعب اللبناني، وربما يدخل ضمن مقترح التكريم نزع أعمدة التعذيب من ساحات المعتقل تأكيداً على محو الذاكرة الجماعية، وخوفاً من أن تؤدي مرارة المشهد لتلك الأعمدة لأن تدب الحياة فيها فتنتفض وتبصق بوجه من حضر.‏

ولكن يا رضا...‏

ان قررت العودة الى لبنان ستجدنا باقين على ايماننا بعناية الله في وجه من يطلب عون الشيطان، فنحن الذين قررنا منذ الولادة أن نبقى مرفوعي الرؤوس لن نهدأ أو نستكين... بالأمس زرت تلك المرأة العجوز فوجدتها تلطم وجهها وتصرخ حين رأتني: هل ابنتي التي أسرت ذات يوم وقد أبكى عذابها وعذابنا الحجر والبشر تنتمي الى قوم ووطن لا ينتمون اليه، هل نام ضميرهم حينها ولما استفاق تحرك للعفو على جلاديها بعد أن وجدوا رياح التغيير قد أقبلت فباض حمامهم على الوتد، وتطاولت حميرهم محاولة ركوب ظهور السباع، فأين الرجال؟‏

أجبتها: "نحن الذين ما تعودنا الانحناء الا للصلاة أو زرع سنبلة، او لنضع في طريق العدو قنبلة لم نرض ان يتولى البعض بيع عذاباتنا ودموع أمهاتنا في سوق العم سام والعم مناحيم"، فنرجو أن تصل الرسالة هذه اليهم لعلّهم يتعظون، وان تصل اليك يا رضا حتى ترى ما في الأمر من مهزلة فتقرر.‏

ديغول أبو طاس ـ أسير محرر‏

2006-10-30