ارشيف من : 2005-2008
العفو عن الخونة خرق للدستور وانتهاك للقانون
الانمتقاد / ملف "العملاء اداة اسرائيلية " ـ العدد 1121 ـ 5 آب/أغسطس 2005
أثار موضوع المطالبة بالعفو عن العملاء اللحديين حفيظة اللبنانيين وردود فعل سياسية قاطعة وحاسمة برفض هذه المطالبة، وخصوصاً ان المُطالَب بالعفو عنهم قد اختاروا عن سبق الاصرار والتعمد الاستمرار في الخيانة، المقالة الآتية هي دراسة قانونية لموضوع العفو عن العملاء، وهي تخلص الى أن هذه المطالبة خرق للدستور، وانتهاك لنصوص القانون، في الوقت الذي يجمع معظم اللبنانيين على تطبيق الدستور والقانون!
المحامي سلمان بركات يتناول الباب الثاني من قانون العقوبات اللبناني، الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي، لما لذلك من أهمية في ما تمارسه الدولة من الحفاظ على ما لها وللأفراد من مصالح وقيم وحقوق، والذود عنها لارتباط كيان الدولة ونظامها وسيادتها، كما الأرض والاستقلال بها.
وهذه الحقوق الأساسية مشروعة ومحقة فيما تقوم به الدولة من صراع ونضال، ورد اعتداء ومنع الغير من التدخل في شؤونها.
وهذا المبدأ بدأ منذ زمن بعيد بدءاً بالرومان ومروراً بالاسلام، وهو لا يزال حتى اليوم، حيث تمارس الدولة حقوقها، خاصة الجزائية منها، في هذا المجال، بصفتها شخصاً من أشخاص القانون الدولي لجهة ما تواجهه على أرضها من اعتداء من الخارج، أو ما تصطدم به في الداخل.
والجرائم التي تقع على أمن الدولة خاصة الخارجي، تستهدف وجود الدولة وكيانها، وخطورة هذه الأفعال تستلزم عادة انتباهاً أكثر من الدولة وسهراً ورقابة على كل التحركات المشبوهة التي تمارس في هذا الميدان.
كما تقتضي على الصعيد القضائي شدة في الملاحقة وقسوة في العقوبة، ليكون ما قد حصل أو يحصل منها أمثولة ليس للدولة المعتدية وحسب، بل لكل دولة تحسب هذا الحساب، وليس للفاعل المرتكب وحده بل لكل من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الأفعال الجرمية مستقبلاً.
وهذا التوجه القانوني لم يسلكه المشروع اللبناني لوحده، بل ماشته فيه أو سبقته اليه العديد من التشريعات الأوروبية والعربية كفرنسا وبلجيكا والمانيا والنمسا والبرتغال وايطاليا وسويسرا والدانمارك وهولندا واليونان، وسوريا وغيرها من الدول الأخرى.
ومن الجرائم التي تدخل في باب الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي وفقاً لقانون العقوبات اللبناني، جرائم الخيانة، ويقع تحت هذا التوصيف الجرمي، جرائم حمل السلاح مع العدو، ودس الدسائس لديه، والإضرار بوسائل الدفاع الوطني، والاعتداء على الأرض اللبنانية، وهذا ما نصت عليه المواد 273 و274و275و276و277و278 من قانون العقوبات.
وتُقسم جرائم الخيانة وفقاً للتشريعات المختلفة في العالم ولا سيما الاوروبية منها الى خيانة عسكرية تتناول حمل السلاح في صفوف العدو ضد الوطن، والدسائس والاتصالات لدى العدو لتأمين فوز قواته، وخيانة سياسية وتتناول جميع الأفعال التي تحدث اضراراً بمركز الدولة المعتدى عليها بين الدول سياسياً، وخيانة وطنية تلحق الضرر بالثقة الدولية تجاه هيبة الدولة والوطن.
وما تجدر الاشارة اليه في هذا المقام، هو أن المشرع اللبناني لا يحمي الدولة اللبنانية وحدها من الجرائم الواقعة على أمنها الخارجي، بل يحمي كل دولة حليفة وصديقة للبنان، اذ فرضت المادة 279 من قانون العقوبات، العقوبات نفسها المنصوص عليها في المواد التي تتحدث عن جرائم الخيانة، في حال وقع الفعل الجرمي نفسه على دولة تربطها بلبنان معاهدة تحالف.
وتدخل ضمن الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي أيضاً جرائم الصلات غير المشروعة بالعدو، والجرائم الماسة بالقانون الدولي كتعريض لبنان لخطر أعمال عدائية وتجنيد جنود للقتال في سبيل العدو. وهناك جرائم تقع على أمن الدولة الداخلي كالجنايات التي تقع على الدستور، ومنها محاولة سلخ جزء من الارض اللبنانية عن سيادة الدولة، والعصيان المسلح ضد السلطات القائمة، واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية، والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة، وهي ما نص عليها قانون العقوبات اللبناني في الفصل الثاني من الكتاب الثاني منه.
وكل هذه الجرائم، كما سبق وأسلفنا، تعتبر من الجرائم الخطرة على الدولة، لذا تتشدد الدول بملاحقتها، كما تتشدد في فرض العقوبات على مرتكبيها بحيث ان عقوبتها تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤقتة والإعدام.
واذا ما استعرضنا الأفعال التي ارتكبت من قبل عملاء اسرائيل في منطقة الشريط الحدودي سابقاً ـ ميليشيا انطوان لحد ـ لوجدناهم جميعاً قد ارتكبوا أفعالاً جرمية تنطبق عليها الأوصاف الجنائية المعروضة أعلاه، فمن منهم لم يرتكب الخيانة أو الاتصال بالعدو الاسرائيلي أو لم يتجند في صفوفه، ومن منهم لم ينل من هيبة الدولة، ونسأل ألم تشكل أعمال هؤلاء منفردين ومجتمعين اغتصاباً للسلطة السياسية والمدنية والعسكرية في المنطقة التي كانوا يتواجدون فيها إبان فترة الاحتلال. ألم تنل أعمالهم من الوحدة الوطنية وتعكر الصفاء بين عناصر الأمة، ألم يرتكب هؤلاء أفعال القتل والايذاء والهدم والتخريب الواقعة على نفوس وأموال وممتلكات الناس وغصبها، ناهيك عن الإضرار بأملاك الدولة، وجرائم التهديد وخرق حرمات المنازل وحرمات الحرية والاجهاض، والاعتداء على العرض والاغتصاب والفحشاء، والخطف وغيرها من الجرائم المعاقب عليها قانوناً، سواء في قانون العقوبات أو في قانون القضاء أو العقوبات العسكري.
ألا يستحق هؤلاء عقاباً على ما ارتكبوه خاصة بعد فرارهم مع العدو الى داخل كيانه، ما يؤكد اصرارهم على العلاقة به، وتفانيهم في سبيل خدمته، بل انهم قبلوا بجنسيته متنكرين لتاريخهم وأمتهم وأرضهم وأهلهم، متخلين عن كل ما يربطهم بوطنهم، وهم بفعلتهم هذه يرتكبون جرائم مستمرة ومتمادية بحق وطنهم وأمتهم، فهل يستحقون على ذلك العفو والصفح، أم أنهم أهلٌ للعقاب الواجب انزاله بهم كي يكونوا عبرة لغيرهم في المستقبل، ورادعاً في كل حين.
ان الجرائم التي ارتكبها العملاء والتي سبق ذكرها أعلاه، منصوص عليها في القانون، والحقوق التي تتناولها مصونة بنص الدستور اللبناني، وإن أية مطالبة بالعفو عن هؤلاء تشكل تمهيداً لخرق الدستور وانتهاك نصوص القانون.
ونرى في هذه المرحلة ان معظم القوى والتيارات السياسية ومكونات المجتمع اللبناني، تطالب وتتشدد جميعها باحترام الدستور وتطبيق نصوص القانون، فكيف يطالب البعض منها بالعفو عن مجرمين يصنفون من أشد المجرمين خطورة على أمن لبنان الخارجي والداخلي، فهل يعقل ذلك، أم أن ما يجري يدخل ضمن مفهوم الفوضى المنظمة التي كما يبدو تشجع على أعمال الخيانة والتجسس والنيل من أمن الدولة وهيبتها، وتشجع على التشدد فيما يتعلق بالجنح والجرائم غير القصدية وذات الدافع الشريف.
ان مجرد المطالبة بالعفو عن العملاء، يشكل بحد ذاته تعكيراً للصفاء بين عناصر الأمة، ونيلاً من الوحدة الوطنية، ونوعاً من أنواع التحريض على العمالة أو دفاعاً لارتكابها في المستقبل لا سمح الله.
ايها السادة، اتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم، فالمصالحة الوطنية لا تبنى بمكافأة العميل، ومحاولة محاصرة المقاوم الشريف الذي بذل الدم والروح في سبيل الأمة.
الوحدة الوطنية تكون بما يوحد من طروحات، لا بما يخلف أو يفرق بين عناصر الأمة وشعبها.
سلمان بركات ـ محام بالاستناف
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018