ارشيف من : 2005-2008
جلسة الثقة بلورت الفرز السياسي:مطلب العفو عن العملاء تلجمه أربع كتل نيابية
الانتقاد / محليات ـ العدد 1121 ـ 5 آب / أغسطس 2005
تميزت جلسة منح الثقة لحكومة "الإصلاح والنهوض" برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة التي عقدت أيام الخميس والجمعة والسبت الماضية، والتي انتهت فصولها على ثقة إثنين وتسعين نائباً ومعارضة أربعة عشر آخرين، وامتناع إثنين عن التصويت، ببروز العناوين السياسية الكبيرة في معظم المداخلات النيابية التي ألقيت، وبلغت سبعاً وأربعين مداخلة.
أظهرت هذه العناوين السياسية فرزاً بين الكتل البرلمانية حول النظرة المستقبلية للبلد، وبرز بشكل واضح وللمرة الأولى تحت قبة البرلمان أن هناك بعض القوى السياسية تريد السير بلبنان وفق الروزنامة الأجنبية والاميركية تحديداً من خلال طريقة المقاربة السياسية للقرار 1559 دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان العليا، التي في أولى أولوياتها أن يكون محصناً وقوياً بوجه التهديدات الصهيونية الدائمة تجاهه، ولم يقتصر الأمر عند إثارة قضية المقاومة، بل وصل مع كتلة العماد ميشال عون الى وضع "بند جديد" على طاولة النقاش يتعلق بالدعوة الى العفو عن العملاء الذين ارتكبوا جرائم ومجازر بحق الوطن قبل ان يفروا الى فلسطين المحتلة مع العدو الذي انهزم أمام المقاومة في الخامس والعشرين من أيار عام ألفين.
إثارة هذه المسألة بدأها العماد ميشال عون في مداخلته التي وصف فيها العملاء بأنهم "لاجئون في فلسطين المحتلة"، مطالباً بالعفو عنهم، وهو "قام بعملية تشويه لحقائق التاريخ" حسب رد أحد النواب عليه عندما برر للعملاء خيانتهم وتعاملهم مع العدو، ورميه المسؤولية على ما وصفه بتقصير الدولة تجاه المنطقة الحدودية.
ما بدأه عون في هذا الموضوع أكمله نواب كتلته في طريقة ممنهجة ومعدة سلفاً، وكان البارز الإضافي ما ساقه عضو كتلة عون ابراهيم كنعان الذي وصل به الأمر الى تحميل قيادة المقاومة مسؤولية فرار هؤلاء العملاء زاعماً صدور تصريحات عنها قبل التحرير أدت الى ما حصل.
الموقف العوني المتباكي على العملاء في جلسة الثقة جوبه برد قاس وحاسم من قبل أربع كتل نيابية كبيرة في مجلس النواب هي "الوفاء للمقاومة" والتنمية والتحرير"، "اللقاء الديمقراطي"، و"كتلة تيار المستقبل". وقد أدت هذه الردود الى "لجم" هذه الاندفاعة العونية الخارجية عن السياق الوطني.
ومن بين الردود اللافتة كانت مداخلة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار رداً على كلام النائب ابراهيم كنعان، حيث رفض بشدة التطاول على قيادة المقاومة ورمزية الأمين العام لحزب الله حجة الاسلام سماحة السيد حسن نصرالله. وأضاف: كأن رياح المحدلة الأميركية الصهيونية في العراق وفلسطين بدأت تطل برأسها على لبنان... وكأن هناك من يريد من المقاومة أن تقدم فعل الندامة على الأسلوب الذي اتبعته يوم التحرير بعدم الاقتصاص مباشرة من العملاء، وتركها الأمر للقضاء اللبناني.
رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، حدد بدوره الموقف من مسألة العملاء بالقول
"إن أهلنا في الشريط الذي كان محتلاً لم تتعامل معهم المقاومة الا باعتبار أنهم مواطنون شرفاء مسيحيين ومسلمين، وإن صمودهم المشرف كان وجهاً من وجوه المقاومة ضد الاحتلال، أما البعض القليل من الأفراد الذين تعاملوا مع الاحتلال فهؤلاء الذين أحيلوا الى القضاء، وكانت الاحكام ضدهم مخففة الى حد كبير، وبقي أفراد آخرون آثروا الرحيل مع العدو، ومنهم من هو قاتل متورط بدم المقاومين والمدنيين، وهؤلاء يجب أن يسلموا أنفسهم للقضاء من أجل محاكمتهم".
موقف كتلة التنمية والتحرير من مسألة العملاء والفارين عبّر عنه النائب أنور الخليل في مداخلته التي ألقاها باسم الكتلة وقال: "يعتقد الكثيرون أن العملاء ينتمون الى طائفة معينة، والحقيقة على عكس ذلك تماماً، فهؤلاء ينتمون لجميع الطوائف بنسبة أكبر من الطوائف التي يعتقدون أنهم ينتمون اليها، وهؤلاء لم يكونوا مع طائفة ضد طائفة، بل كانوا جميعاً ضد الوطن، وبالتالي فإن العميل لا وطن له، وليس من المعقول أو المقبول أن يُغفر عنهم خارج دائرة العدالة والمحاكم اللبنانية".
وكان للقاء الديمقراطي موقف حاسم من مسألة العملاء عبّر عنه النائب وائل أبو فاعور في مداخلته المميزة التي رد فيها على مداخلة العماد ميشال عون وقال "من الخطأ تحويل حالة العملاء الى قضية طائفية، ومن الخطيئة ان توسم طائفة معينة أو فريق معين بأن هذه المسألة تخصها كما أوحى البعض في مداخلته، وتحويل هذه المسألة الى مطلب مسيحي هو إهانة للمسيحيين. وأساساً من بقي من العملاء في لبنان حصل على أحكام مخففة عندما تدخلت مراجع عليا ومقامات رسمية عليا لدى المحاكم العسكرية للحصول على صكوك براءة". واستغرب أبو فاعور هذا الشغف الذي يعطف اليوم على جلادي سجن الخيام متسائلاً "من يعوّض على الوطنيين الذين هجروا وسجنوا وعذبوا أو قتلوا وأبعدوا وهم من كل الطوائف، وأية مواطنية وأي إصلاح هذا الذي يريد المساواة بين العميل والوطني".
بدورها كتلة تيار المستقبل كان لها موقف واضح رافض للعفو عن العملاء عبّر عنه أكثر من نائب في المداخلات التي ألقيت، ومنها مداخلة النائب محمد قباني التي قال فيها: "انه لا يمكن أن يتم العفو عن العملاء الذين فروا الى فلسطين المحتلة لأنهم تعاملوا مع العدو برضاهم، وهؤلاء حتماً مدانون بجميع المقاييس، ويجب أن يحاكموا أمام القضاء". ونوّه قباني بالموقف الانساني للمقاومة وحزب الله مع سكان الشريط الحدودي إثر التحرير.
مصادر متابعة لمجريات المداخلات النيابية في جلسة الثقة اعتبرت أن المواقف الرافضة للعفو عن العملاء من قبل أربع كتل كبيرة ستشكل سداً مانعاً لأي محاولة لتسويق فكرة قانون بهذا الشأن من قبل الأطراف التي أثارت هذا الموضوع، كما أن هذه المصادر تعتقد أن إثارة ملف العملاء من قبل الكتلة العونية له جانب يتعلق بحسابات على الساحة المسيحية، منها تحقيق مزيد من الشعبية، والايحاء من قبل هذا التيار بأنه يحمل القضايا المسيحية ويدافع عنها في مواجهة خصومه على هذه الساحة الذين شاركوا في الحكومة.
الموضوع الآخر الذي أخذ حيزاً كبيراً في مداخلات النواب هو موضوع المقاومة الذي أكد البيان الوزاري أنها حق طبيعي للشعب اللبناني لاستكمال تحرير أرضه واستعادة أسراه ومواجهة التهديدات الصهيونية، وهذه المبادئ التي وردت في البيان الوزاري أكدت عليها المداخلات النيابية لكتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التنمية والتحرير واللقاء الديمقراطي وكتلة تيار المستقبل، فيما برزت تساؤلات من قبل العماد ميشال عون عن الدول العربية التي سنتضامن معها في الصراع ضد "اسرائيل"، وإن كان اشار الى حق المقاومة في تحرير الأرض.
كذلك برزت تساؤلات من قبل العديد من النواب المسيحيين عن الموقف من القرار 1559 والمدى الذي ستذهب اليه المقاومة في عملها، وتساؤلات عن لبنانية مزارع شبعا، ومسألة تثبيتها بوثائق رسمية ليتسنى للبنان حمل القضية الى المحافل الدولية، كل هذه الإشارات بقيت تحت سقف حق المقاومة، لكن مداخلة نيابية واحدة جاهرت بتأييد القرار 1559 ونزع سلاح المقاومة، وشكرت الدول التي ساهمت في انجاز هذا القرارن وهذه المداخلة كانت للنائب جبران تويني، اذ ان الأخير لم يجب بصراحة عندما سأله رئيس مجلس النواب نبيه بري عما اذا كان شكره يشمل "اسرائيل"، وهي التي تفاخر بأنها تقف وراء انجاز هذا القرار.
هلال السلمان
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018