ارشيف من : 2005-2008
امتحانات الشهادات الرسمية... أُنجزت : نتائج لافتة.. في ظروف استثنائية
الانتقاد / تحقيقات ـ 1120 ـ 29 تموز / يوليو 2005
تداخلت الأحداث على الساحة اللبنانية في هذه السنة منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري مروراً بتظاهرتي شهر آذار/مارس اللتين شكل الطلاب عنصراً فاعلاً فيهما.
وكان من الطبيعي ان يتأثر الجو الدراسي نتيجة لذلك، وخاصة بالنسبة لطلاب الشهادات الرسمية في البروفيه والبكالوريا، لأن تفاعل الأحداث وتراكمها ينعكس، بديهياً، على اهتمامات التلامذة، وسواء وافق طلاب الشهادات الرسمية أم أبوا، فقد دخلوا في خضم التشتت الحاصل لتطغى قضايا الوطن المستجدة على اهتمامهم بتحصيلهم العلمي.
وكشف هذا الأمر عن شكوك في نفوس الطلاب ترجمت نفسها أسئلة: هل ستجري الامتحانات الرسمية كالمعتاد؟ ومن يضمن هذا اذا استمر الواقع السياسي بأسر نظيره التربوي، وبرغم كل شيء، فإن الطلاب احتملوا انعكاسات الأحداث المتتابعة والاغتيالات عليهم، وامتُحنوا...
اعتاد طلاب شهادتي البروفيه والبكالوريا القلق على مصير امتحاناتهم، إن بسبب الاضرابات المتكررة، أو عندما تتوتر الأجواء بين الاساتذة والدولة.
وترقب الطلاب هذه السنة مواعيد امتحاناتهم التي تأخرت ثمانية أيام عن موعدها الأصلي في 15 حزيران لتبدأ في 23 منه، بعد قرار من مديرية التربية العامة بالتشاور مع الاساتذة في المدارس الرسمية والخاصة.
وبدأت الامتحانات في تاريخها المحدد. وأفرزت نتائجها فارقاً قليلاً عن نتائج السنة الماضية في ما يتعلق بنسب النجاح في البكالوريا بفروعها كافة، اضافة الى بعض الثغرات التي شهدتها الامتحانات.
محطات وارتباطات
لم ينفك الاساتذة في قسمي المتوسط والثانوي عن السعي الى ابقاء طلاب صفوف الشهادات في سلّم أولوياتهم، واللافت كان التنسيق المستمر بين روابط الاساتذة والمديرية العامة في وزارة التربية.
وبعد اسبوعين من استشهاد الرئيس الحريري تغيّر المناخ العام في لبنان، كما تأثرت المدرسة والثانوية، وانفعل التلامذة بالواقع السياسي الذي كاد يقضي على طموحهم، اذ يئسوا للوهلة الاولى من اجراء امتحانات في آخر العام.
ويقول الاستاذ حنّا غريب رئيس رابطة الاساتذة للتعليم الثانوي الرسمي: "حاولنا استدراك ذلك عبر الطلب الى مديرية التربية والمسؤولين في الوزارة الاسراع في الاعلان عن مواعيد الامتحانات لنضع التلامذة أمام أمر واقع بأنه توجد امتحانات، معاكسين مناخاً ساد طوال العام يوحي بغيابها، ومما حفّزنا لذلك التداخل الحاصل بين مواعيد الامتحانات والانتخابات النيابية، واستبقنا هذا الأمر قبل ان يخسر الطلاب حماستهم، وسعينا الى خلق حالة جدية في موضوع الامتحانات".
ويفيد غريب ان الامتحانات الرسمية هي محطة لتراكم الخبرة لدى اللجان الفاحصة التي تتولى الاشراف على وضع الأسئلة، وأيضاً محطة أخرى فيما يتعلق بتطبيق المناهج التعليمية الجديدة.
ولكن يظهر أن الاساتذة أنفسهم كانوا أكثر قلقاً من تلامذتهم، ويبرر ذلك تحركهم المستمر وقرعهم أبواب المسؤولين التربويين واتفاقهم مع دائرة الامتحانات في وزارة التربية لاعتماد مادة أساسية في كل يوم من أيام الامتحانات الرسمية، ما خفف الضغط على الطلاب، وخاصة في فرع "اجتماع واقتصاد" كما في فروع البكالوريا الأخرى: "علوم حياة"، "علوم عامة"، و"آداب وإنسانيات".
ويؤكد رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي على المعادلة التالية :"ليس صحيحاً أنه اذا اهتم الطالب بقضايا وطنه فسيكون ذلك على حساب دراسته، فكلما ارتفع مستوى وعيه لتلك القضايا سيعي واقعه الدراسي بشكل أكبر".
يضيف غريب "كان نصيب صفوف البروفيه والبكالوريا من العطل التي سادت من أجل تحركات ذات طابع وطني قليلاً، وكنا نستثني طلاب الشهادتين من تلك العطل، وطلبنا منهم الحضور الى مقاعد الدراسة في أيام الأعياد (عيد الفصح)، والأمر الايجابي هو أننا نبدأ في تدريس هذه الصفوف منذ 15 أيلول من كل سنة".
وتبين حرص الاساتذة على سياق الاعداد للامتحانات من خلال اعلان موعدها قبل ثلاثة أشهر من تاريخها، واعتمدت رابطة الاساتذة الثانويين الرسميين مبدأ المزايدة في التعليم الاضافي، مستثمرة خبرة الاساتذة في تقويم المنهاج الدراسي.
النسب والتوقعات
وجاءت نسب النجاح في امتحانات البكالوريا على الشكل التالي:
في فرع "اجتماع واقتصاد"، بلغت نسبة النجاح 60،29%، وفي "العلوم العامة" 81%، أما في "علوم الحياة وآداب وإنسانيات" فكانت 80،29% و 56،38%.
وتصبح النسبة العامة 69،5% بينما كانت في السنة السابقة 58،5% أي أنها ارتفعت نحو 11%.
وفي نتائج "البروفيه"، تدنت نسبة النجاح من 74% في السنة السابقة مسجلة 64% هذه السنة، ويعزو حنّا غريب ارتفاع نسب النجاح في شهادة البكالوريا الى موضوع المراقبة، وهو ما نقله تلامذة عن تسهيل واسع في عملية المراقبة في بعض المراكز ما شكل ظاهرة لافتة، ولم تكن هناك مفاجآت لجهة التوقعات فأتت هذه الأخيرة قريبة من الواقع".
وبالنسبة لمستوى الأسئلة: فلم تكن سهلة، وليست "تعجيزية".
تقويم مديرية التربية
أما المديرية العامة في وزارة التربية فتنظر الى الامتحانات ونتائجها بارتياح نسبي، آخذة في الاعتبار التعطيل الذي ناله الطلاب والتشتت الذهني الذي طالهم إثر صدمة الأحداث والاغتيالات.
ويشرح د. جورج نعمة مدير عام وزارة التربية الوطنية أنه ليس باستطاعة أحد نزع الطالب عن محيطه الاجتماعي والقول له "لا علاقة لك بما يجري في الساحة".
ويرفض نعمة استعمال كلمة "تساهل" في وضع الأسئلة مراعاة للطلاب وللضغوط التي شغلتهم خلال العام، "لكن لم نشدد عليهم كما في السنة الفائتة، فمثلاً اخترت للبروفيه في امتحان اللغة العربية نصاً عاشه كل الناس وهو لميخائيل نعيمة الذي يصف فيه بداية دخوله الى المدرسة"، ويختلف نعمة في تعليل ارتفاع نسبة النجاح في البكالوريا عن رئيس رابطة الاساتذة بقوله: "لا استطيع اعطاء اجابة الآن قبل اجتماعي الى اللجنة الفاحصة للتداول في هذا الموضوع، فربما يبين لي احدهم خطأ في استنتاجاتي، وكنت اعتقد أن نسبة النجاح في فرع "علوم عامة" ستكون 80%، فإذا هي 83%، واجمالاً كانت توقعاتي قريبة من النتائج الفعلية.
وبالعودة الى الخطوات التي اتخذتها مديرية التربية، فقد حددت يوم 23 حزيران/يونيو موعداً لبدء الامتحانات، مؤخرة إياه عن موعده الأصلي ثمانية أيام (15 حزيران/يونيو).
ولم ينفرد مدير عام التربية بتجديد الموعد، بل يؤكد انه تشاور مع مديرية التعليم الثانوي والمتوسط، واتصلت بتجمع المدارس الخاصة في لبنان الذي يضم 80% من تلك المدارس لأطلع على آرائهم في مواعيد الامتحانات، فلمست لديهم قبولاً، ووقعت المذكرة المحددة للموعد وذلك في 4 نيسان".
مع الطلاب
انتظر الطلاب اعلان مواعيد الامتحانات في فروعها كافة، لكن حضورهم الذهني في صفوف الدراسة بدا ضعيفاً. وهذا ما يكشفه جورج نعمة الذي اتصل ببعض مسؤولي المدارس الكبرى في لبنان فأكدوا له ان "التلميذ موجود جسداً في الصف لكن عقله منصرف الى ما يحدث خارجاً".
ويتابع نعمة "لم أترك الأمور على حالها حتى لا يدفع التلامذة ثمن أمر لم يرتكبوه، لذا طلبت الوضوح في النص المطروح في جميع المسابقات، بشكل لا يقبل التأويل منعاً لأن تتحول الأسئلة الى حزازير".
وكانت تظاهرات شهري شباط وآذار قد أخذت من عقول الطلاب الكثير فهم كانوا الحدث ذاته.
وفي ذلك يقول نعمة: "لم نستطع التغاضي عن هذا الأمر في الامتحانات الرسمية. واذا استمرت المشكلة (المصيبة) فسيؤدي ذلك الى المراوحة في مكاننا والى التراجع، لا يفترض بنا التعامل مع المشكلة بما يطور مسيرتنا مهما كان الحدث جللاً، لا ان نرزح تحت المصاب".
ثغرات
يتوافق رئيس رابطة الاساتذة الثانويين ومدير عام التربية على ثغرة "المراقبة"، ويوضح جورج نعمة انها موجودة منذ قدومه الى الوزارة عام 2002: "ليس مطلوباً وجود شرطي في الصف، وفي المقابل لا نريد مراقباً كأنه غير موجود، لأن التلميذ يميل بطبعه الى معرفة ما يدور حوله حتى لو كان يجيد الاجابة عن الأسئلة".
ويرى رئيس رابطة الاساتذة حنّا غريب وجوب الاعتراف بقلة شكاوى الطلاب من الامتحانات في هذه السنة كما كانت عليه سابقاً.
وبرزت شكوى من سؤال أساسي في مسابقة الكيمياء لفرع "اجتماع واقتصاد" يتناول اخر جزء من القسم الأخير في المادة وهو، بحسب غريب، "يُدرّس في ساعة واحدة لكنه أخذ حصة كبيرة من العلامة (10 من 20) ما اضطر الاساتذة الى اعادة توزيع العلامات بشكل عادل منعاً لأي ظلامه".
أما نعمة فيشدد على اتقان الاستاذ لمحتوى المنهج، وعليه ألا يجتهد من نفسه، ويدعو نعمة الاساتذة الى التأكد بواسطة المركز التربوي للبحوث والانماء في مثل هذه الأمور.
اختتم العام الدراسي المثقل بنكبات ألمّت بالوطن، وصمد الطلاب الى النهاية بفضل تضافر جهود الاساتذة ووزارة التربية.
والمهم أن الأمور سارت على ما يرام في الامتحانات، والنتائج أظهرت ذلك والشكاوى كانت في الاطار الطبيعي.
حسن زراقط
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018