ارشيف من : 2005-2008
"معاريف": المؤسسة الأمنية شجعت عملاءها على العودة إلى لبنان!
الانتقاد/ ملف "العملاء اداة إسرائيلية" ـ العدد 1121 ـ 5 آب/أغسطس 2005
أن يتم العفو عما جرى ارتكابه خلال الحرب الأهلية في لبنان... أمر يمكن تفهمه أو فهم بعض من موجباته، لكن أن يدعى إلى تعميم العفو ليشمل عملاء "إسرائيل"، تحت عنوان المصالحة الوطنية، أمر يستفز المشاعر ويهين العقول ويجرح المشاعر بالوطنية ويضر بأصل المصالحة الوطنية.. كما انه يدفع بأسوأ التصورات، التي تفسر وتحلل خلفيات أصحاب بعض الشعارات البراقة، بأن لا تكون ضرباً من ضروب الظنون ومحاكمة للنيات، وانما تعبير عن حقيقة مرة مفادها أن بعض ما تُغلف به طروحات السيادة والاستقلال والحرية، ليس سوى عملية خداع وتضليل.
إن تزايد وتيرة الحديث في الأيام الأخيرة عن العفو عن عملاء "اسرائيل"، الذين فروا الى داخل كيان العدو مع دحر قواته من لبنان في ايار/مايو العام 2000، والذين كانوا يؤطرون عملهم الخياني والعدواني ضمن ما كان يُعرف بـ "جيش لبنان الجنوبي"، سواء بشكل مباشر او بما يؤدي الى هذه النتيجة، يفرض علينا التطرق إلى احوال ودور ما يقوم به العملاء داخل كيان العدو، بعدما خبر اللبنانيون ما قام به هؤلاء بحق شعبهم وأبناء وطنهم، فضلا عن توقيت هذا الطرح وأبعاده المرتبطة بمستقبل الوضع على الساحة اللبنانية.
من الصعب عدم رد توقيت إثارة "العفو عن العملاء" الى المستجدات السياسية التي شهدها لبنان خلال الأشهر الماضية، وهو ما يعبر عن الرؤية التي تختزنها بعض القوى السياسية في لبنان الى هذا الواقع المستجد، والى نظرتها وفهمها لموقع لبنان ودوره الذي لا يمكن فصله عن هويته والفضاء الحضاري الذي ينتمي اليه.
اضافة إلى أن هذا الطرح، يوضح بشكل لا لبس فيه، جانباً من المعاني التي تنطوي عليها الشعارات التي رفعها البعض من حرية وسيادة واستقلال، فضلا عن محاولة استغلال وتوجيه الزخم السياسي الذي أحدثته التطورات السياسية التي شهدها لبنان، باتجاه المسارات التي لا تنسجم مع الخطوط السياسية الجامعة لكل التيارات الوطنية في لبنان... على اختلاف وتعدد وتنوع رؤاها ومواقفها.
فالدعوة الى العفو عن العملاء هي من جهة تقليص وتعمية للمفهوم العام المتعلق بالخيانة والوطنية، ومن جهة أخرى يطرح جملة من التساؤلات المشروعة التي توجب على أصحاب هذا الطرح أن يجيبوا عن السؤال التالي: كيف لنا أن نفسر اعتبار العفو عن العملاء امتدادا للمصالحة الوطنية؟ وأن لا فرق بين الحروب الداخلية في لبنان وبين مواجهة "إسرائيل" وعملائها؟! وبالتالي، يبقى علينا إما أن نعتبر بعض من في الداخل اللبناني كـ"إسرائيل"... أو أن نعتبر "اسرائيل" كأي قوة محلية فيه؟!
لعل الخطأ الذي وقع فيه من طرح وأيد هذا النوع من المبادرات، أنه لم يدرك إلى الآن كامل الصورة الشاملة لحقيقة الواقع السياسي في لبنان، وبأن لديه مشكلة إدراك وفهم للمتغيرات وحجمها وقوتها، سبق أن أوقعه وأوقع غيره أيضا، في العديد من الأوهام المرتكزة على حدود قوة الولايات المتحدة في لبنان، وهي التي تُحدَّد واقعا بما تملكه من أوراق على الساحة اللبنانية، وليس بما تملكه في مخازنها من دبابات وحاملات طائرات ومدافع.. وهو خطأ إدراكي خطر على المصلحة اللبنانية قد يدفع بهؤلاء في حال مواصلتهم في ما هم عليه الى مزيد من الدعوات الأخرى التي قد تهدد اصل المصالحة الوطنية والاستقرار الداخلي.
ما هو واقع ودور عملاء انطوان لحد داخل كيان العدو
سنحاول أن نستند لتكوين صورة ولو جزئية عن واقع عصابات انطوان لحد داخل كيان العدو، من خلال ما ورد في وسائل إعلامه، والتي بالتأكيد لا تعكس سوى جزء يسير من حقيقة الصورة والدور الذي يقوم به هؤلاء العملاء.. والخافي اعظم.
أول ما يلفت النظر في هذا المجال هو الدور الذي قامت وتقوم به المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في معالجة أوضاع هؤلاء، إذ "يهتم قسم تأهيل المصادر (الأمنية) في جهاز الشاباك - فقط - بأفراد جهاز الأمن التابع لجيش لبنان الجنوبي، وبلبنانيين آخرين ممن ساعدوا "إسرائيل" في مجال الاستخبارات، إضافة إلى ضباط الجيش الجنوبي بمستوى آمر سرية وما فوق"(هآرتس/11/1/2002). وعليه كان من الطبيعي ان يُثمر هذا التأهيل الذي أداه جهاز الشاباك، على سبيل المثال لا الحصر، بأن "يحظى عناصر ما كان يُعرف بجيش لبنان الجنوبي أخيراً بفرصة الاندماج في المنظومة الأمنية الإسرائيلية. فقد اتفقت المحافل الأمنية.. مع وزارة المواصلات ومديرية مساعدة جيش لبنان الجنوبي في وزارة الاستيعاب، على دمج مقاتلي جيش لبنان الجنوبي سابقاً في جهاز حماية المواصلات العامة في شمال البلاد... وسيتم تجهيز خريجي الدورة بمسدسات، وسيُسمح لهم بتفتيش أجساد المسافرين وتوقيف المشتبه بهم، وبحسب كلام مسؤولين في وزارة الاستيعاب فإن معرفة اللغة العربية والخبرة في الاحتكاك مع السكان العرب ستساعدهم في وظيفتهم الجديدة" (معاريف 26/6/2003).
هذا فضلا عن بعض التقارير التي ترددت في اكثر من مناسبة عن دور معيّن يقوم به هؤلاء العملاء إلى جانب جيش العدو في مواجهة الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
نتيجة لاستمرار الدور، لم يعد من المفاجئ اعتبار معاقي "جيش لبنان الجنوبي جزءاً من معاقي الجيش الإسرائيلي، حيث أعطيت الأوامر لشعبة التأهيل، وبدأت عملية ضم معاقي جيش لبنان الجنوبي الى شعبة التأهيل في لواء الشمال، بعدما كان يُعرَّف معاقو الجنوبي على انهم معاقو أعمال عدائية، ويتلقون مستحقاتهم ومكافآتهم عبر التأمين الوطني (خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي) وكان يُرفض طلبهم للاعتراف بهم كمعاقي الجيش الإسرائيلي إلى ما قبل الانسحاب ـ عام 2000ـ ..." (معاريف 26/5/2001).
علماً انه من المفيد الاشارة الى ان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عملت وشجعت عناصر جيش لبنان الجنوبي المقيمين في "اسرائيل" على العودة الى لبنان، ووصل الأمر إلى أنها اقترحت عليهم تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة من اجل ذلك.. وكان جهاز الشاباك ممن تولى القيام بهذه المهمة!" (صحيفة معاريف 15/9/2000). فهل من متعظ؟!
في سياق الحديث عن العفو عن العملاء، وعودتهم الى لبنان، قد يكون من المفيد ايضا إيراد بعض ما سبق أن أدلى به زعيم العملاء انطوان لحد الى القناة الأولى (العبرية) في التلفزيون الإسرائيلي (26/5/2001)، والذي أجاب فيه على سؤال "إن كان يمر في ذهنه فكرة العودة الى لبنان يوما ما"؟ فقال: "(انه يعود).. عندما يصبح هناك حكومة لبنانيّة زمام أمرها بيَدها"... وحول ان كان على استعداد للمثول امام المحكمة اللبنانية أجاب لحد انه: "لا لزوم لذلك، عندما تعود الأمور إلى طبيعتها فلا لزوم للمحكمة".
على ضوء اقوال انطوان لحد، وعطفاً على الدعوات للعفو عنه وعن زمرته، فهل نحن في الزمن الذي أمله وعبر عنه العملاء في اكثر من مناسبة؟!.. لعل تاريخ انطوان لحد المليء بالأخطاء لا يفيده ولا يقدم له عبراً، ولعل الآخرين أيضا قد انضموا هذه المرة الى خطأ هذه الحسابات في دعوتهم للعفو عنه.
قد يقول قائل بأن هؤلاء مواطنون لبنانيون وعلينا إنقاذهم، أو على الأقل إنقاذ عائلاتهم، وبهذا الصدد لا بد من توضيح التالي:
لم يسبق للمقاومة، لا قبل التحرير ولا بعده، ان انتقمت من عميل عبر المس بأحد من عائلته، كما أن هناك العديد من العوائل التي كانت داخل كيان العدو، ولكنها عادت الى لبنان عبر الصليب الأحمر الدولي ولم يتعرض لها احد، إضافة الى أن العملاء الذين عادوا وجرى تسليمهم للجيش اللبناني، وبالتالي للقضاء اللبناني، صدرت بحقهم أحكام لا تتناسب مع أحجام ما ارتكبوه، والكثير منهم قضى فترة محكوميته وأطلق سراحه. ولو كان لدى العملاء، الذين ما زالوا موجودين في "اسرائيل"، أي اهتمام بحماية عائلاتهم من "الانصهار" في المجتمع الإسرائيلي، فلديهم القدرة على أن يرسلوا عائلاتهم الى لبنان، اذ ليس في لبنان من يحاسب الأطفال والنساء بجرم الآباء والأزواج.
المضحك المبكي في هذا المجال، أن بعض الدول الأوروبية رفضت طلبات لجوء بعض هؤلاء العملاء الفارين إلى كيان العدو، نظراً لبشاعة الجرائم التي ارتكبوها، والتي هي وفقاً لرؤية هذه الدول، جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، كونهم ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في الجنوب وفي المعتقلات التي كانوا يتولون المسؤولية والإشراف عليها، بما يشمل عمليات التعذيب التي وصل صداها الى كل أصقاع الأرض..
كيف يقبل بعض السياسيين في هذا البلد أن يجري العفو عن هؤلاء، في وقت ترفض دول أوروبية وغربية إعطاءهم اللجوء السياسي لبشاعة أعمالهم.
علي حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018