ارشيف من : 2005-2008
مستشفى دار الحكمة في بعلبك:واحة صحيّة لبلسمة الآلام و"قلب مفتوح" لخدمة المستضعفين
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1124 ـ 26 آب/أغسطس 2005
في صحراء الإهمال والحرمان الرسمي المزمن على مختلف الأصعدة، وفي ظل افتقار منطقة البقاع للمؤسسات الصحية كانت الانطلاقة المتواضعة التي تزامنت مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، أنشئت جمعية الإمام الخميني الخيرية الإسلامية لتكون واحة يؤمها الفقراء في البقاع لتبلسم جراحهم وتخفف عنهم آلامهم، ولتوفر لهم العناية الصحيّة، وتحولت لاحقاً إلى مستشفى الإمام الخميني، ثم مستشفى دار الحكمة. ومنذ البداية حتى هذه المرحلة كان الهدف رسالياً، وتمحور حول تخفيف الأعباء عن المواطن البقاعي الذي ينوء تحت أعباء الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، خصوصاً في ظل الغياب الرسمي عن تلك المنطقة.
منذ البداية، لم يتوانَ المشرفون على المستشفى عن السعي الجدي لتطويره، واستقدام أحدث التجهيزات لمواكبة أي تطور أو تقدم، وتمكن المستشفى من الوصول إلى مواقع متقدمة في التصنيف الرسمي، وسجل أرقاماً تعتبر قياسية في تقديم الخدمات الصحية منذ إنشائه في العام 1982، وكذلك المستوصفات التابعة له في مناطق مختلفة من منطقة البقاع.
يقول القيمون على المستشفى إن خدماته من العام 1982 حتى نهاية العام 1998 وصلت إلى نحو مليون وخمسمئة ألف حالة مرضية شملت مختلف الخدمات الصحية في مختلف الأقسام التابعة للمستشفى.
ومن اجل أن تكون الخدمات اشمل وأكبر ـ يتابع القيمون ـ لا بد للإخوة في جمعية الإمام الخميني أن يعملوا لتوسيع بقعة هذه الخدمات على صعيد منطقة البقاع، فكان مستشفى دار الحكمة بالإضافة إلى المستوصفات التابعة له من أقصى البقاع إلى أقصاه.
أما بالنسبة لمستشفى دار الحكمة فقد أصبح معدل المراجعين فيه إلى جميع الأقسام في العام 1999، 54696 مريضاً ومراجعاً.
ويضم المستشفى مئة سرير، وثلاث غرف عمليات، وتسعة أقسام، قسم الطوارئ، قسم الأشعة، قسم المختبر، قسم الجراحة (تسعة اختصاصات)، قسم الأمراض الداخلية، قسم العيادات، ويتضمن جميع الاختصاصات ضمن برامج لجميع الأطباء الاختصاصيين مع عيادات ومختبر أسنان، قسم العلاج الفيزيائي. إضافة إلى هذه الأقسام داخل المستشفى، هناك أيضاً المستوصفات الموزعة في تمنين التحتا، بريتال، البزالية، الهرمل، ومشغرة في البقاع الغربي.
وبلغت حصيلة عمل هذه المستوصفات من تقديم الخدمات الصحية خلال 14 سنة حوالى 700000 حالة مرضية عدا عن حملات التلقيح التي تقام بالتعاون بين المستشفى ووزارة الصحة واليونيسيف والهيئة الصحية الاسلامية.
وفي إطار مسيرة التطوير للخدمات وتوسيعها، افتتح مستشفى دار الحكمة قسم جراحة القلب المفتوح منذ العام 2002 بإشراف أشهر أطباء وجراحي القلب في لبنان، وأجري في هذا القسم العديد من العمليات.
ويتحدث رئيس قسم القلب المفتوح في المستشفى الدكتور عصام العزير عن ظروف إنشاء هذا القسم وإمكانياته فيقول: "من المتعارف عليه في الحقل الطبي، أن المستشفى الذي يضم قسما لجراحة القلب المفتوح يمثل مؤسسة طبية متقدمة، كذلك فإن القسم المشار إليه يجري تصنيفه في خانة الأقسام الطبية الاستثنائية نظراً لما يتطلبه من تكنولوجيا متطورة وخبرات تمريضية وتقنية طبية مميزة".
ويتابع الدكتور العزير "في مقدم عناصر تمايز مركز القلب المفتوح صلته المباشرة بالأخطار القاتلة التي تهدد حياة المرضى، وتعامله مع حالات صحية تكون عادة على تماس دقيق بين الحياة والموت ... لهذا كان ضرورياً أن يكون المركز المذكور على مقربة من الناس بحيث يوفر لهم فرص الحصول على العلاج في الوقت المناسب، وبالسرعة المطلوبة، ويحد من الآلية السائدة التي تترك المواطنين يواجهون مصائرهم المأساوية على الدروب البعيدة، وقد يكتسب هذا الكلام معناه العميق والمؤثر إذا تذكرنا ما تعانيه منطقة بعلبك ـ الهرمل من صعوبات مناخية أيام الشتاء تجعل عملية التنقل بطيئة وصعبة وأحياناً مستحيلة".
وأضاف "تحصين المستوى الطبي لأبناء منطقة البقاع، وتأمين مختلف أنواع الخدمات الطبية لهم، وكسر حاجز الضرورات الماسة أمامهم، جميعها شكلت هواجس مستشفى دار الحكمة في بعلبك، الذي انحاز منذ تأسيسه إلى بديهية التوازي مع مصالح الناس الصحية، والتزام الحرص على تقديم الخدمات الطبية بمختلف أنواعها لهم. ومن باب الهواجس المشروعة انبثق مركز جراحة القلب المفتوح في المستشفى".
واستناداً إلى رؤى واضحة، كان منطقياً أن يلجأ مستشفى دار الحكمة للاستفادة من خبرات طاقم جراحة القلب الذي يرأسه الدكتور عصام العزير، ومن تجربته المهنية المستندة إلى قرابة الألفي عملية جراحة في مجال القلب، لتكون المحصلة الواعدة قسماً لجراحة القلب، يضيء شمعة في منطقة بعلبك ـ الهرمل.
وجاء القسم المذكور رافداً حيوياً يلعب دوره إلى جانب الجسم الطبي في منطقة البقاع، للحد من هيمنة الاهمال المزمن المتفشي حتى بدا كما لو أنّه شأن طبيعي، وممارسة معتادة.
وباشر القسم المذكور إجراء أول عملية جراحية للقلب في منطقة بعلبك ـ الهرمل، وكان ذلك الحدث في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 2002 أي قبل ثلاث سنوات من يومنا هذا، ولكن ذلك جرى بصورة طبيعية دون أن يأخذ طابعاً دعائياً ترويجياً.
يتألف قسم جراحة القلب المفتوح في مستشفى دار الحكمة من غرفة عمليات مجهزة تجهيزاً كاملاً لإجراء مختلف أنواع عمليات القلب المفتوح، وقسم لتمييل وتوسيع شرايين القلب. كما أن غرفة العناية الفائقة مجهزة بكل أنواع الأجهزة التكنولوجية المتطورة التي تتيح مراقبة المرضى بدقة، إضافة إلى طاقم طبي وتمريضي جرى تدريبه في مستشفى الساحل.
ويوضح الدكتور العزير أن مستشفى دار الحكمة تحملت رواتب وتكاليف تدريب العاملين في القسم، وذلك بهدف توفير ما يحتاجه هذا القسم من كفاءة وخبرة.
واستكمالاً لمشروع التطوير، وتأمين أفضل خدمة للمستضعفين في ظل الظروف والأوضاع الصعبة التي تقف حائلاً أمام أبناء المنطقة لمتابعة دراستهم، كانت فكرة إنشاء المعهد العالي للشهيد السيد عباس الموسوي التقني في مدينة بعلبك عام 1996 بموجب علم وخبر رقم 11017 لتكون خدمة أهالي المنطقة بالطريقة العلمية والعملية، حيث أن هذا المعهد من ضمن المشاريع التي تقوم بها الجمعية، ويوفر اختصاصات رسمية، منها العناية التمريضية، التربية الحضانية، فني مختبر، فني أشعة، العلوم التجارية، برمجة الحاسبات الإلكترونية، تجميل داخلي، فنون الإعلان، علاج فيزيائي، مختبر أسنان، وعدد كبير من الإختصاصات الخاصة. أما مستويات المعهد فهي التكميلية المهنية BP ـ البكالوريا الفنية BT ـ الإمتياز الفني TS ـ الإجازة الجامعية LT.
وثمة مشاريع مستقبلية للجمعية، وقد بدأت بتنفيذ القسم الأول من مجمع الإمام الخميني الأكاديمي للعلوم الصحية.
عصام البستاني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018