ارشيف من : 2005-2008
جاسوسية ساترفيلد لمصلحة "إسرائيل":أحاسيس اللبنانيين تسبق القضاء الأميركي.. وذاكرتهم الحَكم
الانتقاد/ تعليقات ـ العدد 1124 ـ 26/8/2005
غالباً ما كان ينتاب اللبنانيين إحساس داهم بعد سماعهم تصريحات المسؤولين الأميركيين بأن هؤلاء ليسوا إلا إسرائيليين يرون بالعين الإسرائيلية وينطقون بلسان الكيان الصهيوني، ولا هم لهم إلا كسب رضا "تل أبيب".. وفي بعض الأحيان كان هؤلاء يظهرون ملكيين أكثر من الملك!
هذا الإحساس يبدو أنه تحول إلى حقيقة مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد الذي كان سفيراً في لبنان من الفترة الممتدة من أيلول/ سبتمبر 1998 حتى حزيران/ يونيو 2001. فقد أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الأخير "هو أحد المسؤولين الحكوميين الذين وردت أسماؤهم في لائحة اتهام صدرت في 4 آب/ أغسطس الحالي حول قضية تجسس لمصلحة "إسرائيل"، تتناول تسريب معلومات مصنفة سرية الى موظف في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك"، أُشير إليه برمز USGO-2. وأضافت الصحيفة أنه في مطلع العام 2002 ناقش USGO-2 مسائل سرية تتصل بالأمن القومي في اجتماعين مع المدير السابق لشؤون السياسة الخارجية في "إيباك" ستيفن روزين، الذي وُجهت إليه اتهامات في القضية.
وأكدت الصحيفة أن ساترفيلد ليس أول مسؤول حكومي رفيع المستوى يُتهم في القضية التي ما زالت التحقيقات جارية حولها. كما أوضحت لائحة الاتهام "أن روزين التقى USGO-2 في 18 كانون الثاني 2002 و12 آذار 2002"، وعرضت لتفاصيل قليلة عن الاجتماعين.. لكن لم تحدد بدقة الأنشطة التي قام بها ساترفيلد وطبيعة المعلومات السرية التي بحثها مع روزين.
وسواء بُرّئ ساترفيلد من التهم المنسوبة إليه أم لا، تبقى أحاسيس اللبنانيين تجاه المسؤولين في محلها، وهي تجد في كل مرة مصداقاً إضافياً يعززها، خصوصاً أن هذه القضية ليست الأولى من نوعها في الإدارة الأميركية ولن تكون الأخيرة في هذه القضية أو القضايا التي لم يُكشف عنها بعد. وهي في كل الأحوال تعزز لدى اللبنانيين خصوصاً مزيداً من الشكوك والهواجس التي لطالما عبروا عنها في مناسبات عدة مع هذا المسؤول بالذات، حين كان سفيراً لبلاده في بيروت وأثارت تصريحاته في كثير من الأحيان مشاعر اللبنانيين واستفزتهم إلى درجة إصدار البيانات التي تدين مواقفه المنحازة إلى جانب الكيان الصهيوني، وتدخلاته السافرة في الشؤون اللبنانية، وجرأته في زيارته الأخيرة إلى لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كمساعد لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، والجهر بوقاحة وصلافة بمشروعية التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية وتحديد أولويات تلك المرحلة في لحظة احتدام التجاذب السياسي بين اللبنانيين، التي ووجهت في حينه بتكرار التظاهرات الشبابية أمام سفارة بلاده في عوكر، وإصراره الدائم على التحريض على المقاومة عندما كان برتبة سفير أو برتبة سفير فوق العادة كمبعوث لبلاده إلى الشرق الأوسط.
هذه الواقعة مع السفير الأسبق في لبنان لا تثير شبهة اللبنانيين وغيرهم من الشعوب حول الشخص المذكور فحسب، بل حول مجمل الطاقم الدبلوماسي الأميركي العامل في شتى أقطار الأرض، وداخل وزارة الخارجية المرتهنة للّوبي اليهودي بشكل علني من خلال مراكز الأبحاث المعروفة بارتباطها الكامل مع الكيان الصهيوني، والتي تزودها بالدراسات والأبحاث وتكون الأداة الرئيسية لتحديد الخيارات والقرارات السياسية حيال العديد من القضايا المتعلقة بالمنطقة وغيرها.
هذه الشبهة القانونية بالنسبة الى القضاء الأميركي الذي يعمل على استجلاء حقيقة جاسوسية ساترفيلد لمصلحة "إسرائيل"، تثير عدة أسئلة لدى غالبية اللبنانيين المستريبين أصلاً من الأداء الأميركي في لبنان، خصوصاً في هذه المرحلة التي يشهد فيها لبنان تنامياً كبيراً لهذا الدور منذ إصدار القرار 1559 وغيره من القرارات الدولية التي لا تصب إلا في مصلحة العدو الصهيوني وإضعاف لبنان ووضعه حكماً تحت الهيمنة الأميركية في إطار المشروع الأميركي لترتيب المنطقة، الذي بات لبنان يحتل فيه درجة متقدمة كنقطة ارتكاز وقاعدة للانطلاق إلى محيطه عبر وسائل وأساليب ظاهرها الديمقراطية والتنمية وتطوير القدرات عبر تعزيز التفاعل مع مختلف الهيئات الأهلية والنقابية والشعبية من خلال مؤسسات الإدارة الأميركية الرسمية والأهلية.
ولعل أبرز وأحدث دليل على استرابة اللبنانيين من التوجهات الأميركية هو السجال الذي دار حول الاتفاق الذي وقعته نقابة المعلمين في المدارس الخاصة مع الاتحاد الأميركي للمعلمين لإقامة دورة تدريبية للمعلمين اللبنانيين الشهر المقبل في بيروت، والتي انتهت بوضع لجنة التربية النيابية يدها على الموضوع ووضع الدورة تحت إشراف وزارة التربية وإيقاف الشق الثاني من الاتفاق المتعلق بمشروع التدريب الإقليمي للمعلمين في بيروت لصلته بمشروع الشراكة الشرق أوسطية الذي تموله وزارة الخارجية الأميركية.
ويضاف إلى ذلك بعض الوقائع والتصريحات التي تؤكد عمق التوجس اللبناني، وهو ما عبر عنه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في حديثه عن الاهتمام الأميركي بحاجات الجيش اللبناني وحديثه عن محاولاتهم تغيير عقيدته القتالية، تمهيداً لوضع لبنان في الفلك الغربي بعيداً عن انتمائه الحقيقي لمحيطه العروبي.. هذا فضلاً عن التحركات المشبوهة لأركان السفارة الأميركية هنا وهناك وتدخلاتهم في الفترة الماضية في تفاصيل العمل النقابي وما إلى ذلك..
مجمل هذه الوقائع تكتسب معاني جديدة أكثر مصداقية من ذي قبل مع قضية ساترفيلد، وهذه الحقيقة يعلمها معظم اللبنانيين وذاكرتهم حافلة بمآثر الجواسيس الذين يلبسون لباس الدبلوماسية لمصلحة "إسرائيل" وغيرها.
سعد حميّه
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018