ارشيف من : 2005-2008

"الكربجة السياسية" تنسحب على أعمال مجلس النواب

"الكربجة السياسية" تنسحب على أعمال مجلس النواب

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول / سبتمبر 2005‏

الترقب السياسي العام لمجريات التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتقرير النهائي الذي سيعده المحقق الدولي دتليف ميليس في هذا المجال، يرخي بظله على كل مجريات الحياة السياسية وغير السياسية في البلاد، وهو انعكس شللاً واضحاً وكبيراً على عمل المؤسسات، خصوصاً مؤسستي مجلس الوزراء ومجلس النواب، حيث ان الجميع بات ينتظر ما سيصدر عن هذا التقرير، لأنه سيؤسس لمرحلة جديدة لها ما قبلها ما بعدها على أكثر من صعيد.‏

على أن الكثير من الملاحظات يرصدها المراقبون في ما يتعلق بالمجلس النيابي الجديد وعمله في المرحلتين الراهنة والمقبلة على خلفية الوضع السياسي الحاصل وغيره من الاعتبارات.‏

الأوساط المتابعة تلفت الى ان المجلس النيابي الجديد يعاني نوعاً من "التصحر" على الصعيد السياسي، خصوصاً مع الوقائع الحاصلة في هذا الإطار، اذ يقتصر الأمر على الجلسات العامة التي تُعقد على مدى فترات متباعدة زمنياً، بينما الأمر كان يختلف بالكامل سابقاً. ويعود المراقبون بالذاكرة الى المجلس السابق، حيث كان مركزاً للعمل السياسي في البلد، ومؤشراً لطبيعة العلاقة الحاصلة بين الرؤساء. وكانت تظهر تلك المؤشرات من خلال لقاء الأربعاء النيابي الأسبوعي "الذي كان يُعقد بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وحشد كبير من النواب يمثلون العديد من الكتل النيابية. وكان هذا اللقاء يعقب اللقاء الأسبوعي بين رئيس المجلس ورئيس الجمهورية في القصر الجمهوري، وهو اللقاء الذي غاب أيضاً في هذه المرحلة.‏

وكان لقاء الأربعاء النيابي محل متابعة من قبل الصحافة والإعلام لرصد مستوى العلاقة بين الرؤساء ومواقفهم من القضايا المطروحة على أكثر من صعيد.‏

هذا "الديوان السياسي" غاب عن المجلس النيابي الحالي، اذ قرر رئيس المجلس نبيه بري المداومة في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة بشكل متواصل لأسباب عدة، في مقدمتها السبب الأمني، لكنه ليس بعيداً عنها البعد السياسي المرتبط بالتركيبة الجديدة للمجلس النيابي.‏

وفي المجال التشريعي، فإن المجلس النيابي الجديد لم يعقد حتى تاريخه سوى جلسة تشريعية واحدة أقرّ خلالها عدداً من المشاريع معظمها متراكمة من أيام الحكومات السابقة، وبالتالي فإن الانطلاقة التي كانت متوقعة على هذا الصعيد لم تتبلور الى واقع. وهنا تنحو أوساط الرئاسة الثانية باللائمة على الحكومة التي يبدو أنها لم تدخل بعد مرحلة الإنتاجية، ولم تنطلق في عملها الانطلاقة الطبيعية بسبب الخلافات الحاصلة داخل الحكومة، وهو ما ينعكس سلباً لجهة تأخير وإحالة المشاريع المطلوبة على المجلس النيابي.‏

كما تأخذ مصادر الرئاسة الثانية على الرئاسة الثالثة غياب التشاور والتنسيق بين الجانبين، وهو أمر ترى أنه مطلوب على أكثر من صعيد في سياق تعاون السلطات، لا سيما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما كان معتمداً في سياق عمل الحكومات السابقة، لكنه غائب عن الحكومة الحالية.‏

وفي السياق نفسه، فإن حالة الجمود و"الكربجة" الموجودة تنعكس بشكل واضح على عمل اللجان النيابية التي لم تدخل بعد في مناقشة المشاريع والاقتراحات المهمة التي لها علاقة باستكمال تطبيق بنود اتفاق الطائف وغيرها من المشاريع الإصلاحية، وتلك التي لها علاقة بمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. كما ان عمل هذه اللجان تراجع كثيراً في الأسبوعين الأخيرين نتيجة "الجمود والترقب السياسيين"، فضلاً عن أنها لم تنطلق الانطلاقة التي كانت متوقعة.‏

وعلى سبيل المثال لم تتمكن اللجان النيابية المشتركة من عقد جلستها التي كانت مقررة الثلاثاء الماضي وكان على جدول أعمالها عدد من المشاريع والاقتراحات، وذلك بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة. كذلك أُرجئت جلسة الإدارة والعدل التي كانت مقررة أمس الأربعاء لبحث اقتراح القانون الرامي الى تعديل قانون المجلس الدستوري، وهو اقتراح حساس، ويدور جدل واسع بشأنه، وتختلف عليه الآراء بين الكتل النيابية الكبيرة.‏

إلا أن بعض المصادر ترى ان الجمود الحاصل في العمل التشريعي في مجلس النواب في المرحلة الراهنة هو أمر طبيعي، لأن شهر آب كان يُعتمد في السنوات السابقة عطلة رسمية للمجلس النيابي، وهو ما لم يحصل بشكل رسمي هذا العام، لكن آثاره كانت موجودة.‏

ومن ملاحظات المراقبين على المجلس النيابي الجديد دخول عدد كبير من النواب الجدد البعيدين كل البعد عن المقدرة على التشريع على حساب غياب وجوه ضليعة في هذا المجال، فضلاً عن كون عدد كبير من النواب الجدد ما زالوا مبتدئين في مجال العمل السياسي، وليسوا ضليعين في لعبة المواجهة السياسية تحت قبة البرلمان. وقد ظهر هذا الأمر جلياً في جلسة منح الثقة للحكومة، حين هاجم أحد النواب تياراً سياسياً له كتلة نيابية كبيرة، لكنه لم يواجَه برد مباشر من هذه الكتلة التي كان معظم نوابها الجدد حاضرين في القاعة العامة.‏

هلال السلمان‏

2006-10-30