ارشيف من : 2005-2008

عجلة العمل الحكومي تنطلق والسنيورة يترأس جلسة ماراتونية:بداية واعدة لوضع نقاط البيان الوزاري على حروف العمل التنفيذي

عجلة العمل الحكومي تنطلق  والسنيورة يترأس جلسة ماراتونية:بداية واعدة لوضع نقاط البيان الوزاري على حروف العمل التنفيذي

الانتقاد/لبنانيات ـ العدد 1122ـ12آب/أغسطس 2005‏

سجّلت حكومة فؤاد السنيورة نقطة مهمة في سجلها مع أول جلسة عمل لها في السراي الحكومي باعتراف المؤيدين والمعارضين لها، وذلك على خلفية البنود التي ناقشتها على طاولة مجلس الوزراء والتي تعدّت الـ52 بنداً، وبالأخص تلك التي جاءت من خارج جدول الأعمال وتناولت موضوع تشكيل الهيئة الوطنية لإقرار قانون انتخاب جديد، والوضع الأمني، وأزمة الشاحنات على الحدود اللبنانية السورية، حيث شكلت هذه "الأقانيم" الثلاثة مواد مثيرة للاهتمام من قبل المتابعين نظراً لدقة المرحلة التي يمر بها لبنان، إن على الصعيد الداخلي أو الخارجي.‏

الجلسة الأولى برئاسة السنيورة في السرايا الكبير امتدت نحو خمس ساعات، واعتُبرت غنية ومنتجة لكونها لامست مسائل أساسية ومصيرية تهم المواطن اللبناني بالدرجة الأولى، وإن بدت بالشكل كأنها لم تخرج بحلول جذرية كتلك التي تتعلق بأزمة الشاحنات التي عادت مجدداً إلى الواجهة، ومسألة التعيينات في المواقع الإدارية والأمنية التي أرجِئت إلى إشعار آخر بغية التوافق على آلية محددة يتفق عليها الجميع.. إلا أنه يمكن القول إن الجلسة كانت بداية ملموسة لوضع نقاط البيان الوزاري على حروف العمل التنفيذي لمجلس الوزراء، وهو انطباع تكوّن لدى الأطراف السياسية عامة، سواء داخل الحكومة أو خارجها.‏

يقول مصدر وزاري لـ"لانتقاد" إن محضر الجلسة وإن بدا عادياً، لكنه تمّيز بإثارة مواضيع من خارج جدول الأعمال كانت في غاية الأهمية، ما حتّم نقاشات طويلة داخل مجلس الوزراء شاركت فيها الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة كافة، وتوصلت إلى قرارات إيجابية".‏

وما يمكن استنتاجه من هذه الجلسة وفق ما يقول المصدر، ان اللبنانيين يمكن أن يناقشوا قضايا في غاية الحساسية، ويمكن أن يصلوا أيضاً إلى تفاهم حولها، وهذا ما حصل بالنسبة إلى التوافق على تشكيل هيئة وطنية لإقرار قانون انتخاب جديد معاصر يضمن صحة التمثيل النيابي.. مع العلم بأن هذا الموضوع كان مثار جدل وخلاف عند أولى الحكومات التي كانت تتشكل بعد الانتخابات النيابية، حيث كانت الحكومات السابقة تعد بوضع قانون انتخاب جديد، إلا أن هذه الوعود كانت تتلاشى وتتبخر مع الوقت.‏

لكن السؤال الذي بدا ملحاً عند القوى السياسية المتابعة لأداء الحكومة العتيدة هو: إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الخطوة جديّة؟ يرد المصدر الوزاري بالقول: "إن الحكومة أخذت على عاتقها تنفيذ ما وعدت به في البيان الوزاري، والذي على أساسه نالت ثقة المجلس النيابي، وبالتالي مجرد أن وافقت على هذا المشروع في فترة قياسية، فمعنى ذلك أن هناك بداية مهمة على مستوى القرار والعزيمة والإرادة، وهذا ما تُرجم من خلال تشكيل هيئة من الأكاديميين والقانونيين المشهود لهم في البلاد بغية الشروع في وضع قانون يرضي كل اللبنانيين، ويكون نتاج حوار في ما بينهم".‏

ويؤكد المصدر عينه أن الحكومة بدت أكثر شفافية في مناقشة بنود الجلسة، على خلفية أن هناك تحديات داخلية وخارجية يجب أن تواجهها"، وهو ما يتطلب منا جميعاً كلبنانيين أن نكون متحدين أكثر وجديين في تناول قضايانا المصيرية.. ولا ننسى أننا شعب تعرض لأكبر صعوبتين في العالم: الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي، فإذا لم نتعلم من تجاربنا فماذا يمكن أن نتعلمه؟‏

والمقولة التي راجت إلى وقت أن أعضاء المجلس الوزاري غير منسجمين، وأن كل طرف سياسي فيها يتمترس خلف قناعات لا يريد التنازل عنها، سقطت برأي المصدر.. "فقد أثبتنا أننا نستطيع أن نناقش أصعب القضايا، وأن نصل إلى نتائج جيدة تحفظ الحد الأدنى من التوازن السياسي".‏

مصدر نيابي من كتلة "الإصلاح والتغيير" وجد في قرارات المجلس الوزاري الأخير ما يمكن التوقف عنده، خاصة فيما يتعلق بإنشاء هيئة استشارية لإقرار قانون انتخاب جديد وإعادة الاعتبار إلى قانون الجمعيات الصادر في العام 1909، ولكن تبقى العبرة برأيه في التنفيذ. ويقول في هذا المجال: " لا نستطيع إلا أن نشير إلى بعض الإيجابيات وإن بدت هذه بدائية وشكلية، إلا أننا نعتقد أنه بدأ العد العكسي لتنفيذ البيان الوزاري الذي وضعته الحكومة ضمن مهلة الأشهر الخمسة في ما خص الخروج بقانون انتخاب جديد، وقانون الجمعيات الذي كان من نقاط الخلاف في الفترات السابقة".‏

هذا "التقييم المؤقت" لعمل الحكومة مرهون برأي المصدر بالأيام المقبلة، خصوصاً أن "الكتلة" تتوجس من مخاطر التسييس الذي يمكن أن يطبع موضوع التعيينات الذي وُضع على نار حامية.‏

ويقول المصدر: "نحن سبق أن حذرنا من دخول لعبة المزرعة التي كانت قائمة في الماضي، وبالتالي ندعو إلى اعتماد معايير صحيحة وسليمة في مسألة التعيينات بهدف تطوير إدارات الدولة، لا أن نكون أمام حراس لمصالح الأحزاب والتيارات السياسية المتنافسة".‏

ويتابع المصدر عينه: إن البلد بحاجة إلى إدارة موحدة ومتطورة، فمن دونها لن يكون هناك إصلاح، ونحن خائفون أن نبقى بالعقلية والذهنية نفسها التي كانت سائدة من قبل، وبالتالي ندخل لعبة المحاصصة الطائفية والولاء الأعمى، بحيث يسقط مفهوم الكفاءة والنزاهة الذي يتحدثون عنه" .‏

ويأخذ المصدر على جلسة السراي عدم تعيين الحكومة عضوين في المجلس الدستوري، علماً بأن تعميم رئيس المجلس بتوقف الأعضاء المنتهية ولايتهم عن أداء مهامهم لحث الحكومة على تعيين بدائل عنهم جرى قبل ساعات عدة من انعقاد الجلسة، معتبراً أن ذلك "دليل خطير على أن هناك محاولات لشل عمله وإلغائه والاستئثار في السلطة".‏

إلا أن بعض من واكب عمل مجلس الوزراء أخذ على الحكومة عدم إعلانها خطوات عملية أكثر وضوحاً في مسألة أزمة الشاحنات، لأن المسألة ليست عائدة إلى الأزمة المستجدة فحسب، وإنما تتعلق بجو سياسي غير صحي في العلاقات اللبنانية السورية.‏

ويرى المصدر المواكب أنه كان يفترض على الحكومة اللبنانية أن تقبل أكثر فأكثر على الإخوان السوريين للبحث في القضايا العالقة، وأن يكون هناك نوع من الاطمئنان المتبادل في العديد من القضايا السياسية، خاصة بعد الانسحاب السوري من لبنان". وقال: "إذا كان هناك فئة من اللبنانيين تُعد من خصوم سوريا، فمن الغباء أن تظهر بشكل معادٍ لها بعد انسحابها من لبنان.. فالسوريون انسحبوا، إذاً ما هو مبرر الهجوم بعد على سوريا سوى صب الزيت على النار؟ وهذا يقودنا إلى سؤال كبير هو: لماذا لا يصار إلى عقد قمة لبنانية سورية تناقش كل الأمور العالقة؟ ألا تستحق كل هذه التطورات بدءاً من القرار 1559 وصولاً إلى أزمة الحدود عقد مثل هذه القمة؟!‏

الواضح أن عجلة العمل الحكومي بدأت، وستظهر الأيام المقبلة مدى الجديّة في الأداء. وثمة محطات مهمة ستكون محط أنظار ومتابعة الجميع، بدءاً من المواطن وصولاً إلى الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، أو تلك التي في خارجها. وكل المؤشرات تؤكد أن ميزان المحاسبة سيكون صارماً نتيجة عدة عوامل داخلية أو خارجية. ولعل أول الاستحقاقات هو التعيينات الإدارية التي ستحدد ما إذا كان ثمة نَفَس جديد في التعاطي والأداء الحكوميين بعيداً عن المحاصصة التي طبعت الحكومات السابقة.‏

حسين عواد‏

2006-10-30