ارشيف من : 2005-2008
بعلبك ـ الهرمل بعد الجنوب تصفع واشنطن: نسبة المشاركة تتجاوز 52% والفارق بين اللائحتين 45.000 صوت
العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005
صفعة ثانية تلقتها واشنطن ومن يقف وراءها عندما أقفلت صناديق الاقتراع في انتخابات دائرة بعلبك ـ الهرمل، بعد الصفعة الأولى التي تلقتها في انتخابات الجنوب بدائرتيه الأولى والثانية.
وبرزت بشكل واضح بوادر هذه الصفعة قبل البدء بفرز أقلام الاقتراع، لا بل منذ أن بدأ الناخبون يحتشدون أمام مراكز الاقتراع مع ساعات الصباح الأولى. فسرعان ما تحول الاقتراع إلى استفتاء على خيار المقاومة استجابة لدعوة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي أطلقها خلال المهرجان الكبير بذكرى الانتصار والتحرير في مرجة رأس العين.
ومع بدء الفرز وتوالي نتائج فرز الأقلام أعلن نائب الأمين العام عن الصفعة في مؤتمر صحافي، حيث سجلت كثافة الاقتراع نسبة 52 في المئة أولاً، وبفارق أصوات بين آخر الفائزين وأول الخاسرين تجاوز أربعين ألفاً ثانياً، ونسبة الالتزام باللائحة كاملة ثالثاً، فكانت النعم المدوية للمقاومة من أهل بعلبك ـ الهرمل الذين جددوا العهد والولاء للمقاومة مرة أخرى برغم المحاولات الحثيثة لتحميل حزب الله مسؤولية الحرمان والإهمال اللاحق بهذه المنطقة، ومحاولة تدفيعه ثمن تقصير المقصرين. ولكن وعي الناخب كان الفيصل في تحديد خياراته برغم صعوبته، فكان تصويته سياسياً بامتياز.
في دائرة بعلبك ـ الهرمل للانتصار طعم آخر، إذ أكدت النتائج التي حصلت عليها لائحة بعلبك ـ الهرمل المدعومة من حزب الله، أن هذه المنطقة وفية كل الوفاء للمقاومة من دون مقابل.. فإذا صح القول ان التصويت في الجنوب كان للمقاومة والإنماء، فهو في بعلبك ـ الهرمل للمقاومة فقط، وهنا أهمية ما حصل في 12 حزيران/ يونيو الماضي، فأهالي المنطقة كانوا على قدر المسؤولية ولم ينزلقوا في فخ الوعود الإنمائية التي تطل عليهم كل موسم انتخابي، وهذه المرة لم تكن بريئة، إذ إنهم تجاوزوا الحرمان والإهمال الذي عاشوه طول السنوات الماضية وما زالوا، لحساب حماية كل الوطن ولو على حسابهم.
وبالتدقيق في طبيعة هذه المنطقة ونتائج الانتخابات في الدورات السابقة، يمكن القول إن الفوز الذي تحقق لم يكن مفاجئاً، لا بل كان محققاً، إذ إن الماكينة الانتخابية التابعة لحزب الله في منطقة بعلبك ـ الهرمل قبل أسابيع من الانتخابات كانت تعمل لتحقيق انتصار بتسجيل نسبة مشاركة عالية وحصول اللائحة المدعومة من قبل الحزب على نسبة عالية من الأصوات، تعبر عن تمسك جزء كبير من اللبنانيين بخيار المقاومة.
وبرغم أن الانتخابات في بعلبك ـ الهرمل تجاذبها عنوانان: الأول يحمل شعار حماية المقاومة أولاً من دون أن يهمل الموضوع الإنمائي، والثاني يحمل شعار الإنماء أولاً مع مناداته بحماية المقاومة، إلا أن الأهالي اختاروا الأول، وإن كان للثاني جاذبية في ظل ما تعيشه المنطقة من حرمان مزمن وإهمال.
الشعور الكبير بالمسؤولية تمخض مفاجأة بنسبة اقتراع مرتفعة فاجأت المراقبين وليس حزب الله، حيث توقع مسؤول الماكينة الانتخابية في منطقة بعلبك ـ الهرمل حسين النمر في حديث لـ"الانتقاد" في العدد السابق، أن تتجاوز نسبة الاقتراع خمسين في المئة.
وانطلاقاً من الأرقام، عدد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مؤتمر صحافي عقده في بعلبك، دلالات هذا الانتصار قبل اكتمال عمليات الفرز، وقدم مقارنة بين انتخابات عام 2005 وانتخابات عام 2000 فقال:
أولاً في ما يخص تجيير الأصوات، إن الفرق كان قليلاً جداً في العام 2005 بين أول وآخر الفائزين، في حين كان الفارق 22 ألفاً عام 2000، ما يعني أنه لم يكن هناك تشطيب، وكان هناك التزام دقيق باللائحة المدعومة من حزب الله.
ثانياً: في سنة 2000 كان الفارق بين أول الخاسرين وآخر الفائزين 2250 صوتاً، بينما الفارق في انتخابات 2005 تجاوز 45 ألف صوت، ما يدل على مزيد من التأييد للائحة المدعومة من حزب الله.
ثالثاً: نسبة التصويت كانت عام 2000 أقل من 45%، بينما هي تجاوزت الـ50% في مختلف مناطق دائرة بعلبك ـ الهرمل. وهذه الزيادة مهمة جداً، لأنها ستنعكس على عدد الأصوات، إذ اقترع 113600 مقترع، وبالتالي حصل أول الفائزين على ما يقارب تسعين ألف صوت، في حين حصل عام 2000 على 57 ألفاً.. وأقل الفائزين على 35 ألفاً، بينما حصل أقل الفائزين في العام 2005 على ما يقارب 79.000 ألف صوت. وهنا رأى الشيخ قاسم أن الفوز هذه المرة مضاعف بعدد الأصوات، وأن هذه ملاحظة مهمة.
واعتبر الشيخ قاسم أن ما حصل في بعلبك ـ الهرمل هو استفتاء حقيقي من أهل الوفاء والجهاد والشهادة. وقال: "عندما أعلنا النتائج مساء الأحد الماضي في الجنوب خرج الناطق الرسمي الأميركي في اليوم الثاني، ويبدو أنه سهر الليل متابعاً النتائج، ليعلن أن هذه النتائج لا تعني بالنسبة اليه شيئاً، وأن حزب الله على لائحة الإرهاب! وفاته أننا كنا ننتظر هذا الوسام من ناحية، ومن ناحية ثانية تلك الفضيحة لأميركا عندما تتحدث عن الديمقراطية ولا تعير الالتفاف الشعبي بالاً.. وأظن اليوم أن الصفعة الثانية لأميركا هي بسبب هذا الاستفتاء الثاني الذي قام به أهلنا في بعلبك ـ الهرمل".
وثمة عوامل عدة تركت آثارها على مجريات العملية الانتخابية يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
ـ استطاع حزب الله أن يُخرج المعركة من الزواريب الضيقة والتنافس العائلي للمرشحين ويضعها في مكانها الطبيعي وفي خانة المعركة ضد الاستهدافات الأميركية للمقاومة ومن وراءها لبنان, وكان لهذا الأمر الأثر البالغ في نفوس المواطنين أظهرته نسبة الإقبال المرتفعة جداً.
ثانياً: خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة الذي سبق الانتخابات خلال مهرجان البيعة والوفاء للمقاومة، والذي أوضح خلاله السيد نصر الله وجهة هذه المعركة وما تستهدفه واشنطن من ورائها، وبالتالي ساهم هذا المهرجان في حسم نتائج الانتخابات قبل موعدها من خلال الجموع الكبيرة التي غصت بها مرجة رأس العين والشوارع المحيطة، التي قُدرت بحوالى 35 ألف مواطن جلّهم من القاطنين في المنطقة، وليسوا من الوافدين إليها من بيروت والضاحية.
ثالثاً: العاطفة الجياشة التي يكنها أهالي المنطقة للمقاومة وولاؤهم لها، خصوصاً أن المقاومة انطلقت في عام 1982 من تلك المنطقة وكانوا أول الحاضنين لها ولم يبخلوا عليها لا بالدم ولا بالمال، وهم عبروا عن هذه العاطفة يوم الانتخابات من خلال الاقتراع لها بالدم وليس بالحبر.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال وجود منافسة بين اللوائح والمرشحين، كان لها دور في تحفيز الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع وعدم التراخي.
أما معاني الانتصار فيمكن إيجازها بنقاط عدة:
- توجيه صفعة للسياسة الأميركية في لبنان بعد رهانها على أن خيار المقاومة قد تراجع لمصلحة شعارات أكثر بريقاً وجاذبية، وأن الناس تعبوا من التضحيات, وبالتالي فإن خيار المقاومة ما زال قوياً وحاضراً، ولا يمكن الاستهانة به.
- نعي القرار 1559 والتأكيد أن باقي بنوده لا يمكن أن تنفذ بأدوات لبنانية، لأنها مكلفة جداً، وأي خطوة من هذا القبيل ستؤدي بالبلد إلى الفتنة.
- يحتم هذا الانتصار على المطالبين بنزع سلاح المقاومة ـ سواء الإدارة الأميركية أو الأمم المتحدة أو أي جهة محلية أو دولية أخرى، الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المقاومة تحظى بشعبية عالية جداً في لبنان، وأن من شأن المضي في هذا الخيار خراب البلد.
- التأكيد أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين ما زالوا مستعدين للتضحية من أجل حفظ كرامة وقوة بلدهم في وجه أي عدوان، سواء كان أميركياً أو إسرائيلياً.
- لما كانت المعركة سياسية فإن النتائج سياسية بدورها أيضاً وهي موجهة إلى الخارج قبل الداخل، وبالتحديد إلى الولايات المتحدة الأميركية لتقول إن تدخلها في لبنان مرفوض حتى لو كان تحت شعار الإنماء وما شابه.
- تأكيد أن جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني يحمل من الوعي والنضج السياسي ما يخوله حماية لبنان والنهوض به لمواجهة الأخطار المحدقة، وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات في الجنوب والبقاع على حد سواء.
مروان عبد الساتر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018