ارشيف من : 2005-2008
عون يقصي نسيب لحود و"القرنة" و" القوات" في المتن الشمالي
العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005
خرجت الزعامة المارونية في قضاء المتن الشمالي نهائياً من دار آل الجميّل في بكفيا إلى حضن العماد ميشال عون، بعدما مرّت مدة خمسة عشر عاماً بدار الأرثوذكسي الرئيس ميشال المر الذي كان يؤلّف بمفرده اللائحة الأقوى ويختار النواب الموارنة ويفوز، وهو ما ظهر بشكل واضح منذ أول دورة انتخابية جرت بعد اتفاق الطائف في العام 1992.
فقد تمكّن تحالف عون والمر وحزب "الطاشناق" الأرمني من اكتساح سبعة مقاعد من أصل ثمانية موزعة بين أربعة للموارنة واثنين للأرثوذكس وواحد للكاثوليك وواحد للأرمن الأرثوذكس، وموجّهاً ضربة قاسية ومؤلمة لحلفاء "البريستول" الذين كانوا يتوجسون خيفة من هذه الموقعة، بعدما أيقنوا أنّ الشارع المسيحي بات يمجّ شعاراتهم الانتخابية.
وفي قراءة أولية للنتائج الرسمية للانتخابات النيابية في المتن الشمالي، تبرز جملة أمور ومتغيرات في المشهد السياسي والتمثيلي والشعبي هناك، لا بدّ من التوقّف عندها بسبب ما تحمله في طياتها من مدلولات مهمة على الساحة السياسية اللبنانية، وهي:
أولاً: قضى عون على النائب نسيب لحود الذي كان مرشحاً بقوة لرئاسة الجمهورية، ولا سيما أن أسهمه وحظوظه ارتفعت بشكل ملحوظ بعد اجتماعه المفاجئ بعديله ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، وذلك لما للمملكة العربية السعودية في الوقت الراهن من حضور فعال في "إدارة" الملفّ اللبناني، فأسقطه نيابياً وطيّر حلم الرئاسة من يديه، وأجّله إلى العام 2013 إذا ما قدر له العودة إلى الندوة البرلمانية في العام 2009. على أن هذا مشروط بعدم تقليص عمر المجلس النيابي الذي يتألف حالياً، باعتبار أن من يسقط في النيابة لا يمكنه أن يترشح للرئاسة الأولى، تماماً مثلما حصل في الهجمة القوية التي تعرض لها عدد من الوزراء في حكومة الرئيس عمر كرامي الثانية، حيث قيل إنهم رسبوا في امتحان النيابة في الدورات الانتخابية السابقة، وهو صحيح، فكيف يديرون الوزارات وشؤون البلاد والعباد؟!
ثانياً: نجا النائب بيار الجميّل من السقوط ليس بفعل شعبيته التي يبدو أنها تدنت عما كانت عليه عند ترشّحه في المرة الأولى في العام 2000، وإنما بسبب ترك العماد عون مقعداً شاغراً في لائحته، لأنه يرفض إقفال البيوت السياسية كما عبّرت أوساطه، ولو أنّه سمّى أي شخص لهذا المقعد لكان الجميّل حكماً خارجه، فأي مرشح من عون كان قابلاً للفوز من دون أي منافسة، والدليل هو الفارق الكبير الذي حصل عليه مرشحو تحالف عون والمر وحزب "الطاشناق" الأرمني، مقابل مجموع ما ناله الجميّل. فالمحامي إبراهيم كنعان نال ضعفي ما ناله الجميّل والنائب الخاسر نسيب لحود، (56840 لكنعان مقابل 29421 للجميّل و27565 للحود).
ثالثاً: أقفل عون أبواب التجمع السياسي المتناقض الأفكار في لقاء" قرنة شهوان" وأسقطه في عقر داره، ما يدلّ على هشاشة البنيان الذي كان قائماً عليه هذا اللقاء، وهو ما سعى راعيه البطريرك الماروني بطرس صفير مراراً إلى تدعيمه لئلا ينهار.. غير أنّ العماد عون عرف كيف يتعاطى معه، وخصوصاً أن أعضاءه كانوا يرفضون عودة عون إلى لبنان من منفاه الباريسي، ووجّه له الضربة القاضية في هذه الانتخابات وأسقطه من الجولة الأولى، حيث خسر مرشحوه لحود وغبريال المر ورافي ماديان نجل زوجة الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي، وإدي أبي اللمع.
رابعاً: سقوط تيار "القوات اللبنانية" بشكل مدوِّ في أول مشاركة فعلية له في هذه الانتخابات، ما يؤشر الى انخفاض معدل المؤيدين للقوات مقابل تنامي شعبية "التيار الوطني الحر" الذي يرئسه العماد عون. ولم يستطع مرشحها ماجد إدي أبي اللمع أن يجمع سوى 24217 صوتاً، أي أقل من الجميّل بـ 5204 أصوات، وهذا يعني أنّ "حلقة" تشطيب واسعة جرت بينهما إضافة إلى لحود، أي بين حلفاء الصف الواحد، وذلك من أجل اللحاق بركب الفائزين واغتنام الفرصة الذهبية بوجود مقعد شاغر والحلول فيه.
خامساً: حافظ حزب "الطاشناق" على موقعه كلاعب مهمّ في ترجيح كفّة فلان على فلان بسبب حجمه الشعبي القائم على نحو ثلاثين ألف ناخب، وهو رمى بثقله ليؤكد أنّ استبعاده من الانتخابات النيابية في بيروت لمصلحة حزب "الرامغفار" الصغير قياساً به، ألحق به ظلماً كبيراً، وأن إخراجه منها قسراً لم يكن في محله، باعثاً برسالة صغيرة إلى سعد الدين الحريري مفادها أنه الممثل الحقيقي الأول والأخير للأرمن، وأنه اقترع لمصلحة المر وعون في مواجهة معظم المجنّسين الذين أرسلهم تيار "المستقبل" للتصويت لمصلحة لحود، كما فعل في الانتخابات النيابية في دائرة زحلة، حيث أسقط تحالفه مع إلياس سكاف وعون مرشحي تيار "المستقبل" الثلاثة: محسن دلول وخالد الساروط وأنطوان نشاناقيان.
سادساً: استعاد النائب غسان مخيبر "مصداقية" نيابته بعدما عيّره بعض أطراف المعارضة المسيحية بأن المجلس الدستوري أحله مكان غبريال المر في الانتخابات الفرعية التي أقيمت في العام 2002 بعد وفاة النائب ألبير مخيبر، وهو نال رقماً قياسياً بلغ 56906 أصوات، فحلّ في المرتبة الأولى بين جميع الفائزين.
سابعاً: أثبت ميشال المر حنكة عالية في التعاطي الانتخابي، فتمكن من فك الحصار عنه لكونه مقرباً من رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، ومتّن تحالفه مع الأرمن المقترعين الأساسيين في تلك المنطقة، وعاد إلى الندوة البرلمانية بشخصه، وإن كان خسر كتلته النيابية، لكنه كان يدرك في قرارة نفسه أن إقدامه على تشكيل لائحة برئاسته دونه مجازفة كبيرة برصيده وبشعبيته، وهدية ثمينة لمعارضيه الدائمين هناك، فضحى برفاقه المؤقتين لئلا يفقد حصانته النيابية.
وسجل المراقبون الدوليون للانتخابات على المرّ مخالفته للقانون عند الاقتراع بعدم الدخول خلف الستارة لوضع ورقته في الظرف المعطى له، فوضعها فوراً في صندوق الاقتراع، ورفض الانصياع لتعليمات رئيس قلم الاقتراع، وهي طريقة قديمة لا يزال مواظباً على فعلها في كل دورة انتخابية.
ولم يغب المال الانتخابي عن المتن الشمالي، حيث اتهم أحد المرشحين المتموّلين بدفع رشى انتخابية للمواطنين من أجل التصويت له، وهو ما تجلى بوضوح بورود اسمه في عدد كبير نسبياً من أوراق الاقتراع، ومع ذلك لم يحالفه الحظ في الفوز.
لقد تميزت انتخابات المتن الشمالي بالحماسة المرتفعة والمنافسة الشديدة حتى وصلت نسبة الاقتراع إلى 50.9%، وأثبتت أن الشعب يساند من يقف معه، لا مع من يريد أن يقف عليه.
علي الموسوي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018