ارشيف من : 2005-2008
زحلة: لا منافس لزعيم الكاثوليك وجنرال الموارنة
العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005
لم تكن الشعارات التي رفعت في تلك القرية الواقعة في سلسلة جبال لبنان الشرقية والتي كتب بعضها على صدور وظهور شباب، وصدر بعضها الآخر من أفواه شباب آخرين، إلا تعبيراً عن التوتر الذي ساد المعركة القاسية التي شهدتها دائرة زحلة الانتخابية يوم الأحد الماضي، والتي أسفرت عن نتائج كانت إلى حد ما خارج إطار المتوقع.
فأن يكون اللون البرتقالي مطرزاً بكلمات من نوع: "خللي الإصلاح قدّامك.. والفساد وراك" فهذا يعتبر أمراً مثيراً بحد ذاته، غير أن تنطلق شعارات من "لابسي الكنزات البيضاء" تقول : "إيه ويلا وعون يطلع برّا" فإن هذا رفع نسبة الإثارة في المعركة إلى حدودها القصوى، وهذا ما عبر عنه التناحر في السعي إلى الأصوات والذي ترجم نفسه منافسة انتخابية حامية لم تخلُ من مفاجآت وهنّات خرجت عن إمكانية حصرها.
الانتخابات الـ"فوق مناطقية" التي شهدتها زحلة كانت تقوم بين تيارات تعمل على مساحة الوطن، مستندة في الوقت نفسه إلى قوى سياسية محلية فاعلة أعلنت ولاءها ـ أو تحالفها ـ لهذا التيار أو ذاك من اجل الحفاظ على المكتسبات المرتبطة بمصلحة القضاء والمدينة.
ومع الصراع المرير الذي يخوضه تيار المستقبل في وجه التيار العوني، كان صراع آخر يدور بين "المدينة" و"السهل" وصراع ثالث بين الزعامة الزحلاوية الكاثوليكية والمدى السني في القرى والبلدات المنتشرة من السلسلة الغربية إلى السلسلة الشرقية مروراً بالقرى الموزعة على طريق بيروت الدولية.
وهكذا شهد قضاء زحلة تجمعاً لكل مفردات الصراع على الساحة المحلية: الصراع السياسي "الوطني" والصراع المحلي "الزعاماتي"، والصراع بين الطوائف، والصراع داخل الطوائف نفسها، والصراع بين "ابن المدينة" و"الغريب"، ومع كل ذلك كان لافتاً "التراث الزحلاوي" المتمثل بلعب المال السياسي دوراً بارزاً ـ فوق الطاولة ـ في تحديد خيارات الناخبين.
ومع احتدام هذه الصراعات المتنوعة كان المتوقع أن لا تنتهي المسائل "على خير"، فجاء أوان إعلان النتائج لتتأرجح أرقام الفائزين، ومعها شخصياتهم بهذا الاتجاه أو ذاك، إن لم يكن على كل المقاعد التي اتضح الذين حظوا بمعظمها منذ البداية، فعلى المقعد الكاثوليكي الثاني الذي كان من المفترض أن يحظى به المرشح على لائحة الكتلة الشعبية فؤاد الترك، لتأتي النتائج بما لا يشتهيه السفير المتقاعد، وليذهب المقعد إلى الحليف ـ العدو للنائب الياس سكاف، الوزير السابق والنائب نقولا فتوش، والذي كان قد انفصل عن اللائحة السكافية قبل أيام فقط من المعركة الانتخابية ليتحول إلى الغطاء الكاثوليكي الحيوي للائحة الأخرى التي ألّفها تيار المستقبل.
الاختراق "الفتوشي" أثار الكثير من الإشكالات التي ستنعكس في الأيام المقبلة طعناً بالنتائج أمام المجلس الدستوري نظراً إلى ما يقول مؤيدو اللائحة السكافية إنه تلاعب حصل في صناديق بلدة الدلهمية تمثل في اقتراع المئات بعد انتهاء موعد الاقتراع ووصول ظروف الصناديق منزوع عنها الشمع الأحمر وإلى ما هنالك من مخالفات كان لها الدور البارز في تغليب كفة النائب فتوش على السفير الترك.
إلا أنه وباستثناء هذا الخرق يمكن القول إن لائحة الإرادة الشعبية التي شكلها سكاف بالتضامن والتكافل مع التيار الوطني الحر قد حققت فوزاً أشبه بالزلزال الذي انعكس كارثة على تيار المستقبل الذي خسر ثلاثة من المرشحين المتوقعين للانضمام إلى كتلته النيابة الكبيرة، كما خسر ـ بشكل مميز ـ رمزه في منطقة البقاع الوزير السابق محسن دلول الذي كان مطروحاً لمواقع عليا على مستوى المجلس النيابي.
وهكذا فاز عن المقعد الشيعي في الدائرة حسن محمد يعقوب بدلاً من الوزير دلول، وبفارق ثلاثة آلاف صوت، فيما فاز عن المقعد السني عاصم عراجي المرشح على لائحة الإرادة الشعبية بدل خالد الساروط مرشح المستقبل، كما فاز عن المقعد الأرمني الأرثوذكسي النائب جورج قصارجي بدلا من مرشح المستقبل الآخر انطوان نشاناقيان.
وكما خسر المستقبل في زحلة كذلك خسرت الحركة الإصلاحية الكتائبية مرشحها عن المقعد الماروني إيلي ماروني فيما كان فوز التيار الوطني الحر بهذا المقعد مجلياً واحتله سليم عون بفارق عن منافسه زاد على الأربعة عشر ألف صوت، ما شكّل تعبيراً حقيقياً عن قوة التيار في زحلة وجوارها.
ومع فوز كميل المعلوف من لائحة الإرادة الشعبية على منافسه ونسيبه النائب يوسف المعلوف عن المقعد الأرثوذكسي، بقي الفوز الحقيقي لالياس سكاف نفسه الذي أثبت مجدداً أنه زعيم عاصمة الكثلكة في الشرق بلا منازع، وأن كل المحاولات التي بذلت لـ"غزوه" في عقر داره باءت بالفشل.
"تاراتاتا.. جنرال"، الساعة السادسة تماماً من مساء الأحد، لم ينتظر "البرتقاليون" بدء عملية الفرز ليقولوا إنهم موجودون، وباتوا يجاهرون بهذا الوجود على امتداد لبنان من جبله إلى بقاعه، وبالتأكيد غداً في أقصى الشمال.
محمود ريا
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018