ارشيف من : 2005-2008

انتخابات دائرة البقاع الغربي راشيا: معارك سياسية بين تقليديين وتجديديين!

انتخابات دائرة البقاع الغربي راشيا: معارك سياسية بين تقليديين وتجديديين!

العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005‏

وحدها دائرة البقاع الغربي راشيا دون سائر المناطق اللبنانية الأخرى، "تخلصت" من معظم نوابها دفعة واحدة في الانتخابات النيابية التي جرت يوم الأحد الفائت، فأبدلت ثوب تمثيلها بوجوه جديدة ومغمورة في العمل السياسي بعدما كان نوابها السابقون من المجيدين في تكييف أنفسهم على مسرح السياسية الداخلية، وهم اقترعوا ضد انفسهم بتوزّعهم في لائحتين متناحرتين لم تستطيعا أن تقفا في وجه المدّ الشعبي النابع من تحالف ودعم تيار "المستقبل" و"حزب الله" وحركة" أمل" والحزب التقدمي الاشتراكي، ولو لم يتدارك النائب روبير غانم الأمر في اللحظة الحرجة لسار في ركب الخاسرين الذين فرّقت المصالح الشخصية بينهم وهم: محمود أبو حمدان، وفيصل الداوود، وإيلي الفرزلي، وعبد الرحيم مراد، وسامي الخطيب، ووصل تشبيه ما حصل بالاستئصال المتعمد، وكأن دور هؤلاء الذين أتوا منذ أول انتخابات بعد اتفاق الطائف قد انتهى، وكأن نجمهم أفل، وخصوصاً أنّ المعركة خرجت عن الحدّ المرسوم لها وبلغت ذروتها في التشطيب المتبادل بين أعضاء اللوائح الثلاث المتنافسة.‏

وقد خيضت المعركة هناك تحت عناوين مختلفة كان التجييش السمة البارزة حتى ضمن الطائفة الواحدة، وكان أحد وجوهها الإلغاء وتصفية الحسابات وإقصاء بين مرشحين وتيارات سياسية، ومع ذلك فهي كانت معركة سياسية بامتياز بين وجوه تقليدية لم تستطع ان تحافظ على حيويتها، وأحزاب راغبة بالتغيير والتجديد.‏

وقد تميزت الانتخابات في البقاع الغربي وراشيا بالمشاهد التالية:‏

أولاً: سيطرت الأحزاب على التمثيل السياسي والشعبي في هذه المنطقة، من خلال انتقال مرشحيها إلى الندوة البرلمانية على حساب أشخاص كان بعضهم يتحرّك لفترة من الزمن، ضمن الأحزاب ثم انفصل عنها مثل أبو حمدان ومراد، ما يعني ان الاحزاب استعادت دورها بعدما كادت تفقده او هي شعرت بخروجه من يدها ولو لمدة زمنية وجيزة.‏

ثانياً: إطاحة تيار "المستقبل" بالمرشح لدخول "نادي رؤساء الحكومات" النائب مراد الذي كاد أن يعرف طريق السلطة التنفيذية، لو لم تتمّ محاربته على أساس أنّ مرجعيته هي سورية، وعلى خلفية مواقفه السياسية المغايرة لما كان يريده الرئيس رفيق الحريري بعدما كان حليفه الرئيسي في هذه المنطقة.‏

وإخراج مراد من المسرح النيابي مدة أربع سنوات على الأقل، يقلّل من حظوظه في الوصول إلى رئاسة الحكومة. وقد لعب الإعلام دوراً بارزاً في إقصاء مراد موقتاً، وقد جمع 15543 صوتاً أي أقل بـ10224 صوتاً عن مرشح "المستقبل" الاول المحامي احمد فتوح، و10139 صوتاً عن المرشح الثاني جمال الجراح، وهي نسبة عالية لا يمكن التهاون إزاءها.‏

ثالثاً: تمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري من إقصاء محمود أبو حمدان "لخروجه عن طاعته"، وإبعاده عن ميدان البقاع الغربي. وقد كسب بري نائباً جديداً في كتلته هو ناصر نصر الله ليعوّض ما فقده بعد خروج أبو حمدان من كتلته.‏

رابعاً: وحده النائب روبير غانم من المرشحين الدائمين للرئاسة الأولى أعلن ولاءه المبكر لتيار الحريري فحافظ عليه كسلاح محتمل عند الضرورة لمعركة رئاسة الجمهورية، بينما هناك مرشحون سقطوا أو عزفوا عن المشاركة كالنائب فارس بويز، أو وجدوا صعوبة في الترشح وفي الدخول في اللوائح فانصرفوا إلى اعمالهم الخاصة مثل النائب جان عبيد.‏

خامساً: غنم النائب وليد جنبلاط المقعد الدرزي الذي كان حكراً على عائلتي الداوود والعريان ليزيد من حصته النيابية.‏

سادساً: على الرغم من أنّ النائب جنبلاط يكره العسكر على حد تعبيره في غير مناسبة، إلا انه تمسك بضرورة وجود اللواء السابق في الجيش اللبناني انطوان سعد ابن بلدة راشيا على حساب محافظ بيروت السابق عضو تيار "المستقبل" نقولا سابا، واستطاع إقناع مسؤولي التيار بالتخلي عن الأخير لمصلحة مرشحه لضرورات انتخابية أملتها في الدرجة الاولى معرفة الأهالي هناك بسعد، بينما سابا آتٍ من زحلة أي من خارج المنطقة، وهو ما سبّب انزعاجاً لدى بعض المؤيدين الذين أوصلوا رسالة بهذا المعنى لجنبلاط لتدارك الوضع وتمتين اللائحة بعنصر مرغوب به وليس مرفوضاً، فكان ان كسب جنبلاط نائباً لم يكن يتوقع في يوم من الأيام أن يكون في كتلته النيابية كما هي حال مرشحه الحزبي وائل ابو فاعور، وخصوصاً أن هذه الدائرة الانتخابية خارج سيطرته الطائفية، غير أنّ اتكاله على الأصوات السنية والشيعية سمح له بتحقيق ما لم يكن في الحسبان.‏

سابعاً: لا يزال الوجود الفعلي للتيارات الاسلامية السنية غير فاعل، وأدّى تشتّتها إلى توزع أصوات ناخبيهم في غير اتجاه ولائحة.‏

ثامناً: كما كان متوقعاً لم يخل التنافس الحاد بين المرشحين من اصطدام مناصريهم، ولم تخل هذه الانتخابات من إشكالات أمنية ووقوع إصابات، ما اضطر الجيش للتعامل معها بحزم، كما حصل في بلدة كامد اللوز حيث تعارك مناصرو تيار "المستقبل" ومؤيدو النائب مراد بالأيدي، ما أدى إلى سقوط أربعة جرحى.‏

ودارت حرب من نوع آخر بين أعضاء اللوائح ومريديهم يمكن وصفها بحرب الشائعات المتبادلة حول المال الانتخابي والسياسي، ولكن احداً لم يستطع ان يقدم دليلاً واحداً على صحته، وإن كانت ثمة معلومات تحدثت بشكل واضح عن دفع ثمن الصوت الواحد مئتي دولار اميركي ولا سيما قبل إقفال صناديق الاقتراع بساعات قليلة بغية سدّ أي عجز غير متوقع وغير محتمل في صندوق هذه القرية او تلك.‏

علي الموسوي‏

2006-10-30