ارشيف من : 2005-2008

كسروان جبيل: نسبة الاقتراع وصلت إلى 62،55% للمرة الأولى: أفول الزعامات التقليدية ... والناخب أعاد خلط الأوراق

كسروان جبيل: نسبة الاقتراع وصلت إلى 62،55% للمرة الأولى: أفول الزعامات التقليدية ... والناخب أعاد خلط الأوراق

العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005‏

حتى اللحظة لا يزال الكسروانيون والجبيليون يعكفون على دراسة الظاهرة التي حققها العماد ميشال عون في حصد ثمانية مقاعد من أصل ثمانية في دائرة جبيل وكسروان ـ الفتوح لمصلحة لائحة "الإصلاح والتغيير" التي ترأسها مع قوى وشخصيات غير معروفة لدى الناخب الكسرواني والجبيلي باستثناء نائبين على اللائحة هما نعمة الله أبي نصر وعباس هاشم، مقابل لائحة "وحدة المعارضة" التي تضم نواب قرنة شهوان، وهو ما دفع العديد من المحللين للوقوف عند هذه الظاهرة التي شكلت انقلاباً حقيقياً على كل البيوتات السياسية التقليدية القائمة في هذه الدائرة.‏

ومن تسنى له رصد العملية الانتخابية التي جرت في هذه الدائرة يظهر له بوضوح حجم الإقبال غير الاعتيادي الذي تحقق، حيث وصلت نسبة الاقتراع فيها إلى 62،55% وهي نسبة لم يسبق أن شهدتها هذه الدائرة منذ العام 1992، بالرغم من أن الناخبين هناك مسيّسون إلى درجة كبيرة، لا سيما في منطقة كسروان.‏

شكلت نتائج المعركة الانتخابية بين لائحة "الإصلاح والتغيير" بقيادة عون، ولائحة "وحدة المعارضة" التي تضم أقطاباً من نواب قرنة شهوان كفارس سعيد، ومنصور البون، وفريد هيكل الخازن، صدمة كبيرة، ليس عند الناخبين فقط، بل عند هذه القوى التي هالها هذا الفوز الذي حققه عون عليها، وخصوصاً أن الفارق بين آخر الفائزين على لائحة عون وأول الخاسرين على لائحة "وحدة المعارضة" يتجاوز 20 ألف صوت، ما يعني بعبارة أخرى أن الناخب في هذه الدائرة أعاد خلط الأوراق وفق روزنامة القادم من المنفى الباريسي.‏

القراءة الأولية لما جرى في دائرة جبيل ـ كسروان لخصها رئيس مركز بيروت للدراسات والاستشارات عبدو سعد لـ"الانتقاد" بقوله إن النتائج التي حققها العماد ميشال عون في جبل لبنان ومن ضمنها دائرة جبيل كسروان أظهرت أن لبنان دخل في طور تأسيس جمهورية جديدة، بعدما اعتبر فريق من المسيحيين أن جمهورية الطائف هي جهورية الميليشيات بكونها أتت أعقاب الحرب الأهلية، وباعتقاده أن النتيجة التي حققها عون في هذه الدائرة وغيرها ولدت زعامة جديدة عند المسيحيين، ليس من الموقع الرسمي، بل من موقع الخطاب اللاطائفي، على أن كل الزعامات المسيحية التي تناوبت في الفترة الماضية على الساحة المسيحية كانت تحمل في بنيتها خطاباً طائفياً بغية الامساك بالشارع المسيحي.‏

ويضيف: "صحيح أن بنية التيار العوني مارونية، لكن الواضح أيضاً أن خطاب الأخير يتطور باتجاه التركيز على موضوع الفساد ومحاسبة المسؤولين المفسدين بعدما كان خطابه قبل مجيئه يتركز بشكل كبير على الانسحاب السوري من لبنان".‏

ولعل الإقبال الكثيف الذي صب باتجاه لائحة الإصلاح والتغيير في دائرة جبيل كسروان وغيرها من دوائر جبل لبنان سببه ـ برأي سعد ـ قدرة عون على تظهير نفسه أمام جمهوره على أنه قادر على تسمية مرشحين من غير المسيحيين على لائحته أسوة ببعض زعماء الطوائف الأخرى في البلاد، وهو ما حرك المشاعر المكبوتة لدى الناخب الكسرواني والجبيلي وخلفه الناخب المسيحي الذي أعاد له الاعتبار بعدما شعر لفترة طويلة أن هناك من يريد اختزال طموحه السياسي.‏

وأيضاً من الأسباب الموضوعية التي دفعت الناخب المسيحي للاقتراع بقوة في هذه الدائرة هو شعوره المستمر بأن لا مرجعية مسيحية لديه بعد الحرب الأهلية، أي بعد الطائف، بل ان مرجعيته بقيت محصورة بالبطريركية المارونية المتمثلة بالبطريرك صفير، وأنه بمجيء عون شكل خشبة الخلاص لهم، وهذا يعني عملياً أن البطرك صفير سيتراجع تكتيكياً إلى داخل عتبة بكركي مفسحاً في المجال أمام "الزعيم الجديد" ليأخذ مكانه في الساحة المسيحية.‏

ويضيف سعد أن الناخب المسيحي في هذه الدائرة شعر بقوة معنى المعارضة الحقيقية المتمثلة بعون لا المعارضة المتمثلة بفارس سعيد ومنصور البون وفريد الخازن، القائمة على الوصولية لا على المبادىء الأساسية كالتي يخوضها عون، وخصوصاً أن هذه القوى السياسية كانت تخدر الشارع المسيحي ببعض "فتات" الخدمات لكي تبقى متزعمة هذا الشارع، غير أنها سقطت أمام مشروع عون السياسي الإصلاحي.‏

والمعروف أن كسروان كما جبيل التي حافظت خلال فترة طويلة على الزعامة التقليدية، لكنها لم تعد كذلك بعد 12 حزيران، ويقول سعد ان مجيء عون حطم هذه الزعامة وكسر بنيانها الأساسي، وقد لا تقوم لها قائمة بعد اليوم بعدما أظهرت هشاشتها أمام العائد من بوابة التغيير والإصلاح، ثم أن الأخير اثبت للمسيحيين أنه من أسس للانسحاب السوري من لبنان، فضلا عن القهر الذي لحق بتياره طيلة الـ15 سنة.‏

هذه الهالة التي أوجدها عون لنفسه على الساحة المسيحية من خلال الفوز الذي حققه في عدد من الدوائر الانتخابية ما كان ليكتب لها النجاح برأي سعد لو أن الأخير استمر في عقد صفقات مع أقطاب بارزين على الساحة لأنه سيجد نفسه مضطراً للدخول في لعبة الصفقات، وباعتقاده أن قوة عون تبرز عندما رشح في كسروان وجبيل أشخاصاً غير معروفين سوى في الأطر الضيقة جداً، وبالتالي تمكن من حملهم إلى المجلس النابي وبفارق أصوات كبيرة.‏

ويجزم سعد بالمحصلة بأن عون قضى على البيوتات السياسية المكونة للنسيج الكسرواني الجبيلي على خلفية أن الأخيرة لا تحمل برامج سياسية تدغدغ مشاعر المواطنين هناك، وفي الوقت الذي يصعد نجم عون فإن الآخرين في أفول تام، وان الأيام القادمة ستبرهن حقيقة الأمر، لكنه يستدرك بالقول ان هذا كله مرتبط بالأداء السياسي المستقبلي لعون.‏

حسين عواد‏

2006-10-30