ارشيف من : 2005-2008
أزمة الكهرباء تنتظر الخصخصة.. والغاز السوري رهن تعديل الاتفاقية بين البلدين
الانتقاد/العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005
إلى متى سيبقى سيف التعتيم مصلتاً على رقاب المواطنين؟
وإلى متى سيبقى المواطن يعيش الاستهتار الرسمي في أدنى مقومات حياته، ألا وهي الكهرباء؟
في كل مرة المعزوفة ذاتها، وسبب انقطاع التيار الكهربائي "نقص المخزون النفطي، لأن الشركات المستوردة تأخرت في التمويل لأسباب تتعلق بالمستحقات التي لا تزال عالقة عند مؤسسة كهرباء لبنان!"..
ومن الأسباب أيضاً "هناك من يريد استغلال الوضع المعيش ليحقق المزيد من الربح على خلفية ارتفاع أسعار النفط عالمياً!"..
القصة ذاتها مع بداية كل صيف وشتاء، وفي عزّ الامتحانات الرسمية، وفي بداية موسم الاصطياف!
ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه الأزمة الحالية بالأزمات السابقة، وكأن الزمن عند اللبناني لا يتوقف إلا عند الأزمات!
التقنين الأخير في التيار الكهربائي طال معظم المناطق اللبنانية باستثناء بيروت الإدارية، والبعض رد السبب إلى أن مواصفات الفيول الذي تنقله الباخرة المتوقفة في عرض البحر لا تتطابق والمواصفات المطلوبة، الأمر الذي دفع المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك لإبداء تحفظه قبل السماح لها بإفراغ حمولتها في معمل الزوق، هذا عدا الأعطال المستمرة في معامل الإنتاج، لا سيما معملي الحريشة والزهراني، حيث أوقفت في الفترة الأخيرة مجموعتان غازيتان في الزهراني تمهيداً لإجراء أعمال الصيانة عليهما، ما خفض كمية الطاقة الكهربائية المنتجة حالياً إلى 1000 ميغاوات، في حين يحتاج لبنان إلى 1700 ميغاوات، لا سيما في فصل الصيف.
إذاً مرة جديدة ـ وفي الفترة عينها من كل عام ـ يغرق لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بالعتمة، حيث وصل التقنين في بعض المناطق إلى 15 ساعة، كما هي الحال في طرابلس، ويزيد عن عشر ساعات في مناطق الضاحية الجنوبية وفي البقاع، وفي بعض قرى الجنوب تتراوح فترة التقنين بين4 و6 ساعات!
الأضرار باتت معلومة، سواء بالنسبة الى المواطنين أو أصحاب المحلات التجارية والسياحية، أو الطلبة الذين يخضعون هذه الفترة لامتحانات رسمية.. مع محاولات استغلال هذه "المصيبة المتكررة موسمياً" من أصحاب المولدات الكهربائية الذين يرفعون من قيمة اشتراكاتهم عندما يشتمّون رائحة تقنين أو عطل، لتصل هذه المرة في بعض المناطق إلى خمسين دولاراً وأحياناً الى مئة دولار!
والحل كما في كل مرة وعود جديدة وحل مؤقت قريب، وهو ما فعله وزير الطاقة والمياه بسام يمين الذي وعد المواطن بأن أزمة التيار الكهربائي ستحل قريباً بمجرد وصول باخرة المشتقات النفطية من روسيا، إضافة إلى باخرة أخرى أفرغت أمس حمولتها ليصل مجموع المخزون إلى 54 ألف طن.
وهذا المخزون يوفر تغذية بالتيار حتى أواخر آب/ أغسطس، وبالتالي فإن الموعد الأولي للأزمة المقبلة بات معروفاً، والحل لا يعدو كونه مجرد مسكّن وفق تقديرات الخبراء.
واللافت أن الحلول الواجب اعتمادها لدرء هذه الأزمة وغيرها من الأزمات المقبلة، لم تدرج بعد على أجندة السياسيين وأصحاب الحل والربط، خصوصاً أن هناك من يربط هذا الملف بالتطورات السياسية الداخلية وعلى قاعدة المناكفة السياسية!
من هنا يجزم مصدر متابع لـ"الانتقاد" بأنه عند كل تطور سياسي داخلي تبرز مشكلة الكهرباء في لبنان، وذلك بهدف تسجيل نقطة في مرمى الخصم السياسي.
ويروي المصدر كيف دار سجال حاد بين الوزير يمين ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان على خلفية رفض الأخير إدخال الباخرة المحملة بالفيول أويل وتأخير تفريغ حمولتها في معمل الذوق أياماً عدة، بحجة أن هناك خطأً في الاعتماد المفتوح لشراء الفيول، وأن الحمولة لا تتطابق والمواصفات المطلوبة، برغم أن الوزير أمّن لحايك التغطية اللازمة من الوزارة ومن رئيس الوزراء بالذات.
وفي الجانب الآخر من الأزمة، هناك رفض شركات الاستيراد تزويد خزانات المنشآت النفطية بمادّتي الفيول أويل والمازوت بعدما أُفشلت المناقصات التي أبرمتها مؤسسة كهرباء لبنان معها، وذلك على خلفية المستحقات العائدة لها والتي تبلغ نحو 178 مليون دولار، وهو أمر يتحمله حسب المصدر وزير الكهرباء السابق موريس صحناوي الذي عمد إلى دفع المستحقات العائدة للمستوردين الجدد دون المستوردين القدامى، وهو ما أوجد حالاً من الامتعاض لدى هؤلاء انعكس سلباً على مجمل حركة المستوردين الجدد والقدامى وأوقع البلاد في الظلمة!
لكن ما هو واضح حسب رأي المصدر، أن الوزير صحناوي ووزير المالية السابق إلياس سابا كانا أعدا قراراً لتسديد 90 مليار ليرة من مجمل هذه المستحقات عبر سندات خزينة، لكن الوزير سابا لم يتسنَّ له تنفيذ القرار بفعل استقالة الحكومة يومها.. وعندما شرع وزير المالية الحالي دميانوس قطار بدراسة الملف، تبين أنه ليس باستطاعته دفع المستحقات باعتبارها غير ملحوظة في الموازنة، وبالتالي لا يحق له تسديدها إلا بموجب إجازة من قبل المجلس النيابي الذي بدا قسرياً في حالة تعطيل تشريعي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويتابع المصدر: "هناك معلومات تتحدث عن أن جزءاً من هذه المستحقات قد دُفع بالفعل إلى أصحابها، غير أن هؤلاء يتحججون من خلال مطالبتهم وزير الطاقة بتعديل تواريخ الاعتمادين المفتوحين للباخرتين المنتظرتين ـ أُدخلتا أمس وأول من أمس ـ وتنفيذ قرار سابق يقضي بتسديد 90 مليار ليرة، وذلك بهدف المماطلة من أجل أن يحققوا أرباحاً إضافية بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية، واستغلال الوضع القائم من أجل الحصول على مستحقاتهم كاملة ودفعة واحدة.
مصدر آخر مطّلع على كواليس مؤسسة كهرباء لبنان حمّل وزارة الطاقة والمؤسسة المسؤولية المترتبة عن الأزمة لكونهما تعاطيا بـ"استلشاق" مع المستحقات العائدة للمورّدين، ولكنه بالمقابل أنصف حايك لكونه تعاطى بحذر في موضوع إدخال الباخرة الواقفة منذ أكثر من أسبوع في عرض البحر، لأن الأخير "مستهدف" بالملاحقات القانونية، وبالتالي لا يمكنه أن يوافق على إدخالها بعدما تبين له أنها لا تطابق المواصفات المطلوبة، وإن طلب منه الوزير يمين في وقت سابق إدخالها لتفريغ حمولتها، لاسيما أن الأخير لديه مشروع تعديل المواصفات النفطية بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من مصادر النفط".
وأياً تكن الحلول الموضوعة على "مشرحة" المسؤولين، فإنها تبقى آنية، لكون المطلوب على حد قول المصدر خصخصة القطاع بالكامل أو جزء منه، وهو ما نادى به الوزير بسام يمين الذي سبق أن وضع خطة للخصخصة عرضها على مجلس الوزراء وتبناها المجلس الأعلى للخصخصة بعدما كان رفض مقولة ـ نظَّر لها الوزير السابق صحناوي ـ إعادة هيكلة المؤسسة قبل خصخصتها بهدف بيعها بسعر مغرٍ، إلا أن يمين وجد فيها مضيعة للوقت.
أما الأسباب التي دفعت الوزير يمين ومن قبله إلى الإسراع في الخصخصة، فهي الحالة المزرية التي وصلت إليها معامل إنتاج الطاقة الكهربائية بسبب عدم وجود صيانة دورية لها، هذا فضلاً عن الافتقار إلى الكادر البشري المطلوب، الذي أصبح في طريقه إلى التعاقد، إضافة إلى الهدر في الطاقة الإنتاجية التي تصل في بعض الأحيان إلى 30%، وصولاً إلى تحكم الشركات المستوردة بالبلاد والعباد، هذا عدا تفاصيل تبدو بأهمية العناوين الكبيرة التي ذكرناها.
إلى ذلك يطفو على السطح في ظل الأزمة القديمة ـ الجديدة، سؤال محوري حول مصير ضخ الغاز السوري إلى لبنان، خصوصاً أن الجانب اللبناني أنهى استعداداته اللوجستية وأجرى عملية اختبار لأنابيب الغاز الممتدة من الحدود السورية إلى معمل دير عمار في الشمال؟
يقول مدير شركة حاوي ـ الملتزم المشروع ـ سامي حاوي لـ"الانتقاد": "إننا رهن إشارة من الجانب اللبناني للبدء في عملية التشغيل.. علماً بأن الموعد المحدد للتشغيل كان في الخامس من حزيران الجاري، إلا أن هناك أسباباً أجهلها، ولا علم لي بأسباب التأخير".
غير أن مصدراً مطلعاً على آلية المشروع، أكد لـ"الانتقاد" أنه نتيجة الانسحاب السوري من لبنان ومطالبة بعض المسؤولين اللبنانيين بإعادة النظر في مجمل الاتفاقات المعقودة بين البلدين، حتّم على السوريين إعادة النظر في العقد المبرم بينهم وبين لبنان، ومن ضمنه مشروع ضخ الغاز السوري.. في حين تحدثت معلومات في وقت سابق عن إمكانية تزويد لبنان بأسعار خاصة للغاز، غير أن التوتر الناشئ مؤخراً بدّد هذه المعطيات.
حسين عوّاد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018