ارشيف من : 2005-2008
حوارات المنتدى الاستراتيجي بين "إسرائيل" والولايات المتحدة: الالتفاف على المقاومة في لبنان عبر الضغط على سوريا
الانتقاد/ محليات ـ العدد 1139ـ 9/12/2005
لعل من أبرز ما تميزت به التطورات السياسية على الساحة اللبنانية أنه أصبح من الصعوبة بمكان وضع اليد على الحد الفاصل بين ما يُفترض أنه شأن داخلي وما هو دولي، سواء من زاوية الجهة (الدولية) التي تتناول هذه المسألة أو تلك تقييما وموقفا وتوجيها، أو من زاوية نتائجها ودلالاتها ذات الصلة المباشرة بالاستراتيجية الكبرى التي تؤطر الحركة السياسية في لبنان وإزاءه.
لكن الطامة الكبرى في هذا المجال أنه في الكثير من الأحيان تجري محاولة إسباغ الصفة المحلية والوطنية الحصرية على الكثير من المواقف والخطوات، إلى درجة تدفع المرء للتساؤل إذا ما كان يقف أمام جهات لا تعي حقيقة المخاطر المحدقة بلبنان والمنطقة! وهل هذه الجهات ليست مطلعة على الأولويات الأميركية وعلاقتها بالأولويات الإسرائيلية إزاء المنطقة؟ هل هذه الجهات تحاول التذاكي وتغليف هذه الأبعاد بهذا الطابع بهدف تمريرها؟ أم أنها تعي كل ذلك، ولكنها غير مبالية بما سيتمخض عن هذا النهج السياسي وما ينطوي عليه من طروحات ونتائج على هذا الصعيد؟..
يتواصل الاهتمام الإسرائيلي في هذه الأيام على مراقبة الحراك السياسي في لبنان ومقاربته من زاوية آثاره على أمن واستقرار كيانه، ومن زاوية علاقته بمخططاته وأولوياته على الساحتين اللبنانية والسورية، تمهيدا لبلورة الموقف الذي يخدم دفع هذا المسار قدما ومحاولة تثميره بالمقدار الذي يقدّر بأن المرحلة تسمح به.
ربما من الطبيعي أن يكون للعدو رؤيته واستشرافه للمستقبل الذي يبني عليه مواقفه والخطوات الواجب اتخاذها، إلا أن اللافت أن "إسرائيل" تشخص الوضع السياسي الحالي في لبنان على أنه نضج إلى درجة أضحى ملائما لدفع الحكومة اللبنانية للانطلاق في تنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559.
هذه الرؤية كشفت عنها نقاشات ما يسمى منتدى الحوار الاستراتيجي بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية للتشاور والتنسيق في القضايا التي تهم البلدين.. إذ طلب رئيس الوفد الإسرائيلي الوزير تساحي هنغبي من الولايات المتحدة خلال الاجتماع "الضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ ما تبقى من قرار مجلس الأمن 1559، خصوصاً تلك التي تتعلق بنشر الجيش اللبناني في الجنوب وتجريد حزب الله والميليشيات الفلسطينية من السلاح ..." (هآرتس/ ألوف بن 5/12/2005).
قد يبدو هذا التشخيص خارجا عن اللحظة السياسية الملائمة ومفاجئاً للوهلة الأولى، لكنه عندما يقترن مع تشخيص آخر متساوق معه يزول الاستغراب. والتشخيص الآخر هو "ان حزب الله في وضع ضعيف، وكل الاتجاهات ضده ويطالبونه بنزع سلاحه وإيقاف الكفاح المسلح، ويطلبون منه أن يركز على السياسة".. (التلفزيون الإسرائيلي/ قناة الكنيست/ يواف شتيرن/ برنامج الأمن القومي 30/11/2005).
وعلى ضوء التشخيصين يمكن فهم التمادي الإسرائيلي في انتهاك السيادة اللبنانية والخروق الجوية المتكررة التي تميزت من الناحيتين الكمية والنوعية في الفترة الأخيرة. وعليه لن يكون غريبا أن تقترن هذه القراءة السياسية للتطورات الداخلية بأن تجعل العدو يفكر بالمبادرة أو العودة إلى سياسة الاغتيالات واستهداف قادة حزب الله.. "ان أداة التصفية موجودة ويجب الاعتقاد بأنها موجودة في ترسانة ردّنا.. الجمود ليس دائما عنصر قوة". (ايهود ياتوم/ المصدر السابق). لكن الصحافي يواف شتيرن لم يقبل بأن يبقى كلام "ياتوم" غامضا، فأقدم على شرح ما أدلى به في حضوره: "ما قاله عضو الكنيست ياتوم مرتين على الهواء أنه يجب تصفية (السيد) حسن نصر الله، هو لم يقل أسماء، وإنما قال المساس بالزعامة وبنموذج (السيد عباس) الموسوي".
هذه القراءة الإسرائيلية الخاطئة للوضع اللبناني ولهامش حركة حزب الله، مستمدة على ما يبدو من مواقف بعض السياسيين التي بلغت مستوى دفع العدو إلى المراهنة على تداعيات المسار الذي ينتهجونه على الساحة اللبنانية، ما يوجب التنبه الى ما قد تقدم عليه "إسرائيل" من حماقات مستفيدة من تباينات وتناقضات الساحة المحلية.
ولعل المواجهة الأخيرة التي شهدتها قرية الغجر عشية عيد الاستقلال وضراوة الفعل المقاوم قد بدد هذه الأوهام، وأفهم العدو أنه أياً كانت التطورات السياسية الداخلية في لبنان فلن تمنع المقاومة من أداء واجبها في مواجهة احتلاله واعتداءاته. وإذا لم يصحُ العدو من أوهامه وتملكه شعور بالقدرة على المبادرة إلى قلب الأوضاع رأسا على عقب، فإن المقاومة ستفهمه بطريقة أبلغ أو بالمستوى البلاغي نفسه إن لم يكن أكثر.
وفي مقابل الطرح والطلب الإسرائيليين من الإدارة الأميركية بالضغط على لبنان بخصوص القرار 1559، كان للإدارة الأميركية أيضا رؤيتها وموقفها الذي أبلغه الوفد الاميركي الى نظيره الإسرائيلي خلال اجتماع منتدى الحوار المذكور، بأن "التوقيت للقيام بضغوط على لبنان ـ لتحقيق ما طلبته "إسرائيل" ـ غير ملائم الآن" (هآرتس/ الوف بن 5/12/2005).
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أوضح الأميركيون للوفد الإسرائيلي استراتيجيتهم لتحقيق هذه الأهداف، إذ اعتبروا ان "من المهم الآن تركيز المساعي للضغط على سوريا بخصوص التحقيق في عملية قتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، ودفع عملية الدمقرطة والتطور الاقتصادي في لبنان قدما، وعدم الإثقال على حكومة لبنان".
وتبدو الاستراتيجية الأميركية هنا واضحة في مواجهة المقاومة الإسلامية، وهي تقوم على الالتفاف عليها من البوابة السورية.. لكن الإسرائيليين حذروا من أن أي نظام بديل للنظام السوري القائم سيكون إشكاليا كسابقه، فالخيارات المحتملة محصورة بين ثلاثة بدائل: "إما دخول سوريا في فوضى شاملة وحرب أهلية، أو ان يكون خليفة الأسد متشددا مثله، أو أن يستلم الإسلاميون المتطرفون السلطة".. (جيروزاليم بوست نتان غوتمان 4/ 12/ 2005).
وتختلف الرؤية الأميركية لمستقبل سوريا عن الرؤية الإسرائيلية، إذ عبر الأميركيون خلال اللقاء بأن "سوريا ستدخل بعد الرئيس (بشار) الأسد في مرحلة تطور كالتي خبرها لبنان، وستتحول إلى مجتمع سياسي حر.. مستندة إلى "التجربة الإيجابية في لبنان، وعلى قوى محددة مؤيدة للإصلاح ناشطة الآن في سوريا". (المصدر السابق).
لكن هذا الحوار حول "اليوم التالي" في سوريا لا يعني ـ بحسب ما نقله غوتمان في "جيروزاليم بوست" ـ أن الولايات المتحدة لديها خطة لتغيير النظام في سوريا. وبحسب المصادر المطلعة على هذه المحادثات، فإن هذا الحوار كان جزءاً من محاولة إسرائيلية أميركية لوضع خريطة للأهداف بعيدة المدى لكلا البلدين في المنطقة، ومناقشة الاحتمالات المستقبلية".
لكن في الوقت الذي تباينت فيه النظرة إلى مستقبل سوريا، كان هناك توافق حول وضعها الحالي، إذ أكد الوفد الأميركي للإسرائيليين "أن موضوع الحدود العراقية هو واحد من الملفات التي تتعامل بها الإدارة الأميركية مع (الرئيس) الأسد، وأن على الأسد أن يتعامل مع عدة مواضيع، من بينها الحدود العراقية ووقف دعم الإرهاب ووقف التدخل في لبنان".
ولكن هل ستقف "إسرائيل" مكتوفة اليدين بانتظار ما ستسفر عنه الخطة الأميركية في مواجهة المقاومة؟ الواضح مما رشح من وسائل الإعلام الصهيونية أن هناك مساراً موازياً ستعمل عليه الحكومة الإسرائيلية، وقد لمّح مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية رون فروشاور الى أن "إسرائيل ستعمل ضد تمديد مهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني خلال بداية السنة المقبلة، لأن هذه القوة تسمح لحزب الله بالعمل من دون أي إزعاج".
ويُمكن ان نستخلص مما تقدم أن "إسرائيل" ستعمل على تغيير صلاحيات ومهام قوات الطوارئ الدولية والضغط باتجاه تحويلها إلى قوات حرس حدود لها تمارس نشاطا عسكريا في مواجهة المقاومة. وضمن هذا السياق ذكرت مصادر سياسية إسرائيلية "ان على قوات الأمم المتحدة أن تمنع المس بالمدنيين الإسرائيليين بدلا من تعداد تحليق طائرات سلاح الجو كل يوم في سماء لبنان". (هآرتس/ يوآف شتيرن 5/12/2005).
واللافت أن الأمم المتحدة تتحرك على المسار المجسد للاستراتيجية الأميركية، حيث ذكرت مصادر في الأمم المتحدة لصحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي، أنه تجري اتصالات مع "جهات إقليمية تقدم ـ بشكل عام ـ مساعدة لحزب الله، وهي اليوم آخذة بالضعف".. وتتابع المصادر: "وعلى ما يبدو يُقصد من هذا الكلام سوريا التي هي اليوم بؤرة تركيز التحقيق في مقتل الحريري، الذي تهدد نتائجه كبار مسؤولي النظام".
ويختم "شتيرن" فقرته أنه بناء على هذا الأساس، "يبدو أن الأمم المتحدة تأمل بأن يؤدي الضغط على سوريا إلى المساعدة في تفكيك الميليشيات (اللبنانية والفلسطينية)".
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018