ارشيف من : 2005-2008
رؤية إسرائيلية: استبعاد إمكانية الانسحاب من مزارع شبعا
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1141 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005
مع كل محطة يمر بها الوضع السياسي في لبنان، تثار قضية توثيق لبنانية مزارع شبعا بأسلوب يهدف إلى خدمة مواقف سياسية تندرج ضمن قواعد حركة الواقع السياسي بتشعباتها الدولية والمحلية. وللكيان الإسرائيلي نصيبه في هذا المجال باعتباره طرفا مباشرا ومعنيا في هذه القضية.. إلا أن الأمر اللافت الذي تنبغي الإشارة إليه، هو محاولة تأجيج مسألة توثيق لبنانية المزارع على المستوى السياسي أو الإعلامي، إلى درجة أصبح يغطي على الاحتلال الإسرائيلي لها، وكأنه محاولة للإيحاء بأن المشكلة هي في الموقف السوري وليس في احتلال العدو لها.
في هذا السياق نقل المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" (ألوف بن) عن مصادر إسرائيلية، وصول معلومات في الآونة الأخيرة تفيد بأن "سوريا تدرس فكرة نقل "مزارع شبعا" إلى السيادة اللبنانية، من خلال التوقيع على اتفاق جديد للحدود مع لبنان". ويبدو أن الاهتمام الإسرائيلي مؤطر بمعطيات متوافرة لديه، فضلا عن تقديرات ومواقف تخدم أهدافه مجمل المسار السياسي والأمني الذي ينتهجه مع الساحتين اللبنانية والسورية.
ـ وفقا للتقدير الإسرائيلي الذي نقله (ألوف بن)، يسعى السوريون من خلال هذه الخطوة المشار إليها للتخفيف من الضغط الدبلوماسي الذي يتعرضون له، ولـ"نقل الكرة الى الملعب الإسرائيلي".. في حين انه سبق للمعلق الإسرائيلي للشؤون العربية في "هآرتس" أيضا (تسافي برئيل) قبل عدة أيام، أن رأى أن "سوريا لن تسارع للتوصل إلى اتفاق كهذا، لكونها تريد ضمه إلى اتفاق يشمل انتهاء التحقيق حول مقتل رفيق الحريري واستئناف العلاقات السوية مع الولايات المتحدة. إذ ما الذي يدفع بسوريا إلى تقديم تنازل قبل ان يتضح لديها الثمن الذي ستقدمه من التحقيق حول مقتل الحريري؟".
ـ اما بخصوص خلفية وأهداف الموقف اللبناني وفقا للتقدير الإسرائيلي، فإن لبنان ينظر إلى توثيق الإقرار السوري بلبنانية المزارع كخطوة تمهد الطريق للضغط الدبلوماسي على "إسرائيل" للانسحاب من شبعا، وبالتالي "تزال الحجة التي يعتمد عليها حزب الله لمواصلة الاحتفاظ بسلاحه.. وهكذا تُفتح الطريق أمام نزع سلاحه". وينقل (برئيل) عما يسميه مصادر لبنانية، ان هناك "ضرورة لمنح حزب الله مقابلا نوعيا لنزع سلاحه، وإلا فسنواصل مواجهته"!.
ـ بين هذين الموقفين يعتبر (برئيل) ان الإدارة الأميركية "لا تريد منح سوريا مخرجا مشرفا في هذه القضية عبر ترسيم حدود جديدة مع لبنان، ستفرض على الولايات المتحدة الانضمام إلى مطالبة الأمم المتحدة لـ"إسرائيل" بالانسحاب من مزارع شبعا". ولعل ما نقله (برئيل) عن الرهانات السائدة في الأمم المتحدة، يُفسر إلى حد كبير الموقف الأميركي، إذ إنهم "واثقون هناك (الأمم المتحدة) ـ من دون سبب واضح للعيان بهذه الثقة ـ بأن سلاح حزب الله سيُنزع في نهاية المطاف، حتى لو اقتضى ذلك عاما إضافياً، استنادا إلى فرضية ان الضغط الأميركي على سوريا سيُحقق هذه النتيجة".. لكن (برئيل) يُعقب على هذا التقدير بأن فيه نوعا من السذاجة في ظل الاستحقاقات الإقليمية الماثلة أمام الولايات المتحدة في كل من العراق وفلسطين.
في كل الأحوال، فالحقيقة التي لا يمكن الفرار منها وإنكارها هي أن توثيق لبنانية مزارع شبعا لا تحررها، ولم ننسَ حتى الآن الأراضي اللبنانية المحررة التي استمرت "إسرائيل" في احتلالها أكثر من عشرين سنة برغم وجود القرار 425، ولم تكن لتنسحب منها لولا المقاومة العسكرية الفاعلة والجدية والمتواصلة.
الحقيقة الأخرى هي ان الكرة في الملعب الإسرائيلي الذي ليس أمامه إلا الانسحاب من هذه المزارع من دون أي أثمان سياسية أو أمنية، وهذا ما اعتبره (تسافي برئيل) "غير مطروح على جدول الأعمال" الإسرائيلي.
هذا الاستبعاد الذي نقله المعلق الإسرائيلي يتساوق مع الرهانات السائدة في الأمم المتحدة (الضغط على سوريا وتثميره في لبنان)، ويتعزز بالرسالة التي "بعث بها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الأسبوع الماضي الى رئيس الوزراء "آرييل شارون"، وكرر فيها القول ان "اسرائيل" انسحبت من كل الأراضي اللبنانية"، ردا على رسالة بعث بها شارون إلى عنان "في أعقاب هجوم حزب الله الأخير في قرية الغجر في نهاية الشهر الماضي، طلب فيها نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود، كما ورد في القرار 425 لمجلس الأمن. فرد عليه عنان أن "اسرائيل" أوفت بالتزاماتها بموجب القرار!".. "هآرتس"/ (ألوف بن)/20/12/2005).
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018