ارشيف من : 2005-2008

هشاشة تقرير ميليس تخذل واشنطن "العقدة الروسية" في مواجهات الطموحات التدويلية

هشاشة تقرير ميليس تخذل واشنطن "العقدة الروسية" في مواجهات الطموحات التدويلية

الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏‏

التقرير الثاني لرئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري القاضي ديتليف ميليس لم يسعف مجلس الأمن في الانقضاض على سوريا وفرض عقوبات عليها. وما تسرب عن المشاورات المغلقة في أروقة مجلس الأمن بين مندوبي الدول الكبرى الدائمة العضوية يشير إلى تباينات كبيرة في تقويم التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية. فواشنطن وباريس ولندن ترى أن سوريا لم تتعاون، فيما ترى موسكو وبكين وممثل المجموعة العربية الجزائر عكس ذلك.‏‏

وأشارت التسريبات الأخيرة إلى وجود مسودات مشاريع عدة قدمت لم تحظَ بإجماع الأعضاء، وهو ما استدعى مزيداً من المداولات.‏‏

وبدا واضحاً من المداولات أن نقاط الخلاف ترتكز على ثلاثة نقاط:‏‏

ـ فرض العقوبات على سوريا بذريعة أنها لم تتعاون بشكل كامل مع لجنة التحقيق الدولية، وبالتالي عدم الاستجابة لتنفيذ القرار 1636.‏‏

ـ تشكيل المحكمة الدولية.‏‏

ـ توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري لتشمل كل محاولات الاغتيال والاغتيالات بدءاً من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وصولاً إلى اغتيال النائب جبران تويني، أو تشكيل لجان أخرى تتولى التحقيق في هذه الجرائم.‏‏

وتفيد أجواء المداولات أن الرفض الروسي يشكل مانعاً رئيسياً في فرض العقوبات على سوريا، وخصوصاً أن تقرير ميليس أورد إشارات مهمة حول التعاون السوري مع اللجنة، وتمثل هذا التعاون في استجواب الضباط السوريين في فيينا، وخصوصاً أن روسيا أدت دوراً مهماً في التوصل إلى "حل توفيقي" بين سوريا ولجنة التحقيق لاستجواب الضباط المذكورين.‏‏

وبيّنت أجواء المداولات حول موضوع المحكمة الدولية أن بعض أعضاء مجلس الأمن ـ وبينهم أوروبيون ـ غير متحمسين للمحكمة الدولية حيث قال أحد الأعضاء الأوروبيين إن تجربة المحاكم الدولية السابقة غير مشجعة، وليس هناك حاجة إلى إنشاء محكمة جديدة يكون مصيرها مشابهاً للمحاكم السابقة.‏‏

ويبدو أن الأوروبيين يلمسون دعماً روسياً قوياً لسوريا بهذا الشأن، وعبروا عن هذه القناعة في تصريحاتهم.‏‏

أما في ما يتعلق بموضوع توسيع عمل لجنة التحقيق أو تشكيل لجان جديدة للتحقيق في الجرائم التي وقعت مند الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2004 فهي بحاجة إلى محققين أو إضافتهم إلى اللجنة الحالية، ويبدو أن ثمة اتجاهاً لدى روسيا لرفضها.‏‏

ويبدو واضحاً أن القرار الجديد سيتضمن تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية مدة ستة أشهر جديدة قابلة للتمديد، ولا عقوبات على سوريا، وتضمين القرار الجديد إشارة إلى أخذ علم مجلس الأمن برسائل لبنان حول تشكيل محكمة دولية وتوسيع عمل لجنة التحقيق من دون أن يأخذ قراراً بذلك.‏‏

وكان مجلس الأمن عقد جلسة علنية تلا فيها القاضي ميليس ملخصاً عن تقريره الثاني تضمن إشارات لتأخير ومماطلة سورية في التعاون مع لجنته، وإلحاحاً على التعاون بشكل كامل، مع الإشارة إلى أهمية استجواب الضباط السوريين في فيينا. وكان لافتاً للانتباه أن ميليس أقحم اغتيال تويني في ملخصه في محاولة واضحة لاستغلال هذه الجريمة في مناقشات مجلس الأمن والتأثير على الأعضاء.‏‏

بدوره المندوب اللبناني تلا رسالة لبنان ومطالبه بتمديد عمل اللجنة والمطالبة بتشكيل محكمة دولية وتوسيع عمل لجنة التحقيق.‏‏

وأخيراً تحدث المندوب السوري مفنداً ما ورد في التقرير، وأكد رغبة سوريا في التعاون مع اللجنة في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى ملاحظات جوهرية حول التقرير منها:‏‏

ـ انسحاب الملاحظات حول التقرير الأول إلى التقرير الثاني لناحية التسييس والاستغلال.‏‏

ـ عدم المحافظة على سرية التحقيق من خلال التسريب المنظم إلى وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية.‏‏

ـ تعمد إغفال التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية وتجاهل لجنة التحقيق السورية واتهامها بعدم الحرفية والمهنية والشفافية على الرغم من أنها قدمت له كل ما يتوافر لديها من وثائق.‏‏

ـ انتهاك حقوق المشتبه بهم في التحقيق من خلال تقديم خلاصات لأقوالهم وعدم تدوينها بحرفيتها والتوقيع على هذه الإفادات باللغة الإنكليزية على الرغم من أن المشتبه بهم لا يتقنون اللغة الإنكليزية.‏‏

ـ أن الشاهد السوري هسام هسام حضر بصورة مفاجئة إلى سوريا وأدلى بتصريحاته بملء إرادته، وأنه كان بإمكان اللجنة استدعاؤه للمثول أمامها في فيينا ولا صحة لما أورده التقرير حول التلاعب به أو بأي من أقربائه.‏‏

وبدا واضحاً أن تقرير ميليس الثاني الذي توقع البعض منه أن يفجر قنابل في وجه سوريا وبعض المواقع اللبنانية جاء مخيباً لآمالهم، لا بل إن نتائج مداولات مجلس الأمن تشير إلى أن هذه القنابل ربما انفجرت بوجههم، إذ أن التقرير بدا ضعيفاً وفارغاً من أدلة مادية جديدة فضلاً عن سقوط مصداقية إفادات شهود سابقين لا سيما هسام هسام ومحمد زهير الصديق، وتمسك التقرير الثاني بـ"مصداقية" هذه الإفادات على الرغم من الشكوك التي تحوم حولها.‏‏

ويمكن إيراد الملاحظات التالية حول التقرير:‏‏

ـ اعتماد استراتيجية الدفاع عن إفادات الشهود بعد سقوط رواية الصديق ومن ثم هسام، وعدم إعادة النظر في هذه الشهادات، مع إيراد إشارات حول التدقيق ومراجعة إفادات دون أن يظهر أي تغيير في الاستنتاجات والخلاصات.‏‏

ـ محاولة إضفاء مصداقية على التقرير والتأكيد في أكثر من فقرة على واقعة التثبت والتدقيق والمقارنة مع إفادات أخرى. الحصول على إفادات 19 مشتبهاً بهم (الفقرة 19) ... ويجري مراجعة هذه الإفادات، مراجعة كل إفادات الشهود بهدف التثبت ومتابعة مسالك جديدة (الفقرة 21).‏‏

ـ وفي التحقق من رواية الصديق حول التخطيط للجريمة (الفقرة 28)، يشير التقرير إلى أن اللجنة حللت عينات من الحمض النووي للصديق وزوجته وأولاده "للتأكد من امكان وجود تطابق مع أدلة في شقة في ضاحية بيروت التي قال الصديق انه حضر فيها اجتماعات التخطيط أو مع أدلة أخذت من مسرح الجريمة. نتائج هذه المقارنات كانت سلبية.‏‏

ـ استمرار اعتماد التحقيق على الشهود والإفصاح عن شهود جدد "يملكون معلومات ذات مضمون خطير حول الاغتيال ...يجري التدقيق في هذه المعلومات"(الفقرة 31)، ويؤكد في الفقرة التي تليها أن أحد الشهود "قدم إفادات متماسكة ومفهومة تتعلق بالتخطيط".‏‏

أما في الشق المتعلق بالتحقق من آلية التفعيل (الفقرة 39) والحديث وجود أجزاء الكترونية قرب موقع الانفجار، يستخلص التقرير "لم يكن يمكننا تحديد أصل الجزئين الإلكترونيين الآخرين ووظيفتهما لأنهما كانا متضررين بقوة. أية استنتاجات لم يكن يمكننا التوصل إليها حول علاقتهما بآلية تفعيل التفجير".‏‏

وفي تتبع مسار حركة شاحنة الميتسوبيشي المسروقة من اليابان تؤكد الفقرة 42 "أن هذا المسار من التحقيق في مراحله الأولى"،‏‏

كما أشار التقرير إلى الاتصالات الهاتفية والحاجة إلى وقت لاستكمال مراجعتها، إضافة إلى عدم اتساع الوقت للإجابة عن العديد من الأسئلة التي هي بحاجة للإجابة. هذه الملاحظات الأولية إضافة إلى ملاحظات أخرى أوهنت التقرير وكانت السبب الرئيسي لما شهده مجلس الأمن من مداولات أشارت إلى ملامح القرار الذي لن يرضي رغبة واشنطن والمتحالفين معها الذين لن يكفوا عن ممارسة الضغط وإن بأساليب أخرى.‏‏

2006-10-30