ارشيف من : 2005-2008
مستقبل العلاقة اللبنانية السورية:قوى 14 شباط تعتمد التوتير وفق "الأجندة" الاميركية
يستمر الغموض مسيطراً على مستقبل العلاقات بين لبنان وسوريا في ظل المعطيات المتناقضة التي ظهرت بشأن هذا الملف خلال الأسابيع والأيام الماضية، سواء على الصعيد الداخلي اللبناني أو عبر البعدين الاقليمي والدولي، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عن الاتجاه الذي سيسلكه هذا الملف سلباً أو إيجاباً خلال المرحلة المقبلة، وذلك في ظل استمرار قوى الرابع عشر من شباط في ألاعيبها المزدوجة بين الإقرار من جهة بعلاقات مميزة مع سوريا على طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب، والإعداد من جهة ثانية لمشروع عداء وحرب معها عبر افتعال أزمات تلاقي وتنتظم تحت سقف عودة الضغوط الاميركية والفرنسية على سوريا، محاولة ترجمتها بقرارات تصدر عن مجلس الأمن، وتبرز وسط هذه الأجواء الزيارة المفاجئة التي قام بها إلى دمشق الأحد الماضي رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ويتساءل المراقبون عما إذا كانت نتائجها ستمهد الطريق لزيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى العاصمة السورية أم أن لهذه الزيارة سياقاً آخر، يضاف إلى ذلك إعلان السفير السوداني أحمد البخيت أن مستشار الرئيس السوداني محمد مصطفى عثمان قد يزور بيروت ودمشق نهاية الأسبوع ضمن إطار استئناف الجهود العربية لتحسين العلاقات بين بيروت ودمشق.
مصادر متابعة تستبعد اتجاه العلاقات بين لبنان وسوريا نحو التحسن قريباً، وتحديداً بين الأكثرية الحاكمة ودمشق، لأن قسماً واسعاً من اللبنانيين يرفض طريقة إدارة هذا الملف من قبل قوى الرابع عشر من شباط التي تعمل وفق "أجندة" أمنية، وتريد جعل لبنان ساحة للتآمر والعداء ضد سوريا، وهو ما يضر بمصالح البلدين. وبدا واضحاً أن هذا الفريق قد انقلب على نتائج مؤتمر الحوار الوطني بشأن بند العلاقات مع سوريا، وهو البند الذي جاء واضحاً في فقراته ونصوصه التي أكدت على إقامة علاقات مميزة وندية وقائمة على الاحترام المتبادل استناداً إلى اتفاق الطائف، اضافة إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في ظروف تكون قد عادت معها العلاقات إلى أسس الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك على القضايا الأساسية، وهو الأمر المتعارف عليه والمعتمد بين جميع دول العالم. لكن الذي فعلته قوى الرابع عشر من شباط، كان الانقلاب على روحية هذا البند، وافتعال العديد من الأزمات مع سوريا.
وتشير الأوساط المتابعة إلى أن سلوك قوى الرابع عشر من شباط تجاه العلاقة مع سوريا منذ إقرار بند العلاقات في مؤتمر الحوار وحتى الأيام الأخيرة استند إلى خطة مبرمجة مع "الأجندة" الاميركية الفرنسية في تصعيد الضغط على سوريا من خلال عدة خطوات:
أولاً: بدا أن جدول الأعمال الوحيد الذي يرغب بتحقيقه هذا الفريق هو الطلب من سوريا إقامة علاقات دبلوماسية بشكل فوري، والتوقيع على خرائط بشأن لبنانية مزارع شبعا، وقد وضع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة هذين الأمرين كأساس لجدول أعمال زيارته إلى دمشق التي لم يتحدد موعد لها لأن سوريا ترى أن الأمور يجب أن تبدأ من إعادة الثقة إلى العلاقة بين البلدين، ووقف الحملات العدائية ضدها، وهو ما لم تكن بوارد القيام به قوى الرابع عشر من شباط.
ثانياً: زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى واشنطن التي كانت لها أهداف مبيتة ضد سوريا، ترجمت بالتصريحات التي أدلى بها السنيورة أمام المسؤولين الأميركيين، وقال فيها إن الرئيس السوري بشار الأسد هدد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن ثم "فتح" المسؤولون الاميركيون قاعة مجلس الأمن لعقد جلسة خصصت فيها كلمة للرئيس السنيورة ركّز فيها على مطالبة سوريا بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وترسيم حدود مزارع شبعا، وطلبه مساعدة دولية في هذا الأمر، وهو ما شكل الأرضية وفق سيناريو معد سلفاً لبدء واشنطن وباريس الإعداد لقرار سيصدر عن مجلس الأمن يزيد من الضغوط على سوريا، ويطالبها بترسيم الحدود مع لبنان، وإقامة علاقات دبلوماسية معه.
وترى الأوساط المتابعة أن هذا السيناريو كان من أهم أسباب زيارة السنيورة إلى واشنطن والحفاوة التي لقيها هناك من قبل الرئيس الاميركي جورج بوش.
ثالثاً: زيارة وفد الإخوان المسلمين في سوريا إلى لبنان، ولقاؤه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في المختارة، إضافة إلى إجرائه لقاءات بعيدة عن الأضواء مع عدد من قادة قوى الرابع عشر من شباط، وإعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي استعداده لتقديم المساعدة للمعارضة السورية عندما ترى حاجة لذلك، وبرز في هذا السياق عدم اتخاذ الحكومة أي موقف يعارض هذه الزيارة، بل إن المعطيات تشير إلى رعاية معينة وتسهيلات لدخول الوفد عبر مطار بيروت.
رابعاً: افتعال مشكلة حدودية مع سوريا في منطقة عرسال، والحديث عن سواتر ترابية داخل الأراضي اللبنانية، وهي سواتر كانت موجودة منذ سنوات لمنع التهريب، والهدف من افتعال هذه المشكلة كان ملاقاة ما يجري في أروقة مجلس الأمن في سياق تحضير قرار جديد ضد سوريا، وهو ظهر من الضجة السياسية والإعلامية حول الأمر الذي جرى تطويقه فيما بعد من خلال التفاهم بين محافظ البقاع ومحافظ ريف دمشق في الاجتماع الذي جرى بينهما في بلودان بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، حيث جرى الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة تعمل على إزالة السواتر ومنع التهريب.
"بري في دمشق"
وسط هذا التوتير المبرمج من قبل قوى الرابع عشر من شباط للعلاقة مع سوريا جاءت الزيارة المفاجئة لرئيس مجلس النواب نبيه بري إلى دمشق الأحد الفائت، ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع، حيث أضفت هذه الزيارة "أجواءً من الارتياح على الساحة الداخلية، عكستها التصريحات التي صدرت عن أكثر من طرف سياسي، إلا أن نتائج هذه الزيارة بقيت طي الكتمان، وربما يفصح عنها الرئيس بري على طاولة الحوار خلال الجلسة المقبلة المقررة في السادس عشر من الشهر الجاري في مجلس النواب. ولم يظهر ما اذا كانت هذه الزيارة ستمهد الطريق أمام زيارة يقوم بها إلى دمشق رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، أم أن الأمر ما زال مستبعداً بانتظار الاتفاق بين الجانبين اللبناني والسوري على جدول أعمالها.
تذهب بعض المصادر إلى التكهن بأن زيارة السنيورة بمفرده إلى دمشق باتت غير مرغوبة من الجانب السوري، الذي يفضل اعادة ترميم العلاقات عبر المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي يجتمع برئاسة رئيسي الجمهورية في البلدين بشار الأسد وإميل لحود، بحضور رئيسي الوزراء والوزراء المختصين في الدولتين، وهنا تلفت المصادر إلى ما تضمنه بيان الرئيس بري عن زيارته إلى دمشق من أن الملف الدبلوماسي كان أثير بشكل ايجابي في اجتماع المجلس الأعلى اللبناني السوري في العام الماضي.
هلال السلمان
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018