ارشيف من : 2005-2008
العدد السنوي // الاقتصاد اللبناني... الدين العام يبقى معضلة حقيقية وتراجع في الأداء بسبب التحديات السياسية والأمنية
عام الاثنين في المئة, هذا أقل ما أطلق على عام 2005 الذي واجه لبنان فيه جملة تحديات كبيرة أدت إلى تراجع أدائه الاقتصادي الى 2 في المئة، بعدما كان في العام 2004 حقق أفضل أداء بنمو بلغت نسبته 5 في المئة. وجاء مسح لمنظمة الاسكوا ليؤكد أن معدلات التضخم سنة 2004 بلغت في لبنان 2,16 في المئة بعدما كانت نسبته في العام 2003 نحو 3,04 في المئة.
من الواضح وفق العديد من الدراسات الاقتصادية المحلية والدولية أن الدين العام الذي يتجاوز الأربعين مليار دولار يبقى المعضلة الحقيقية في لبنان حيث تضطر الحكومة اللبنانية، بسبب الارتفاع المستمر في مستوياته الى توجيه الكثير من انفاقها نحو خدمته، وبالتالي المزيد من التفاقم في الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
بعثة البنك الدولي التي زارت لبنان مؤخرا تلتقي مع هذا الرأي حيث اعتبرت أن مشكلة المديونية العامة هي مشكلة معقدة وتنحصر في التوجه الكبير للقطاعات المصرفية نحو الدولة والبنك المركزي، والاعتماد على تدفقات رأس المال على المدى القصير للتمويل، ونسبة الدولرة المرتفعة (73 في المئة من المودعات المقدرة بـ55 مليار دولار).
واستنتجت البعثة أنه يتوجب عدم تمركز التسليفات من قبل البنوك الكبيرة إلى الدولة، وأن يحصل تحول استراتيجي من قبلها نحو تسليف القطاع الخاص. وخلصت البعثة إلى أنه بالرغم من النجاح في التعامل مع الصدمات السياسية والمالية في العام 2005، إلا أن الأخيرة زادت من صعوبة الوضع المالي للقطاع العام والاقتصاد عموماً في لبنان، علماً أنه كان سيئاً ما قبل الأحداث.
ورأت البعثة الدولية في تقريرها أن الإصلاح يجب أن يتمحور حول هدفين رئيسيين هما: تحسين الصحة المالية للدولة ورفع نمو الاقتصاد، إذ تواجه السلطات تحديات كبيرة لجهة السياسات الاقتصادية التي يتوجب المضي بها. فالخروج من الدين العام الكبير سيتطلب جهوداً جبارة ومتواصلة لخفض العجز، بالإضافة إلى إصلاحات مؤسساتية لدعم الوضع النقدي واستقلالية البنك المركزي.
ومن المهم حسب استنتاجات البعثة، أن تكون المشاركة في كلفة الإصلاحات عادلة من أجل ديمومتها. وهذه الاستراتيجية قد تنقل الدين العام اللبناني إلى وضعية مقبولة مع الزمن، إذا ما كانت مقرونة بصفقة مالية ذات امتيازات عالية من قبل الدائنين المحليين والمانحين الخارجيين.
وعدّد التقرير بعض الأرقام التي تدل على هشاشة المالية العامة في لبنان، فالدين يصل إلى 37 مليار دولار أو 67 في المئة من الناتج القومي، وقد تصل حسب التقرير إلى 210 في المئة من الناتج القومي في العام 2010، في حال غابت التعديلات المالية.
واستنتج التقرير أن أي استراتيجية تهدف إلى تقليص العجز وتخفيض الدين تتطلب جهوداً مبنية على إصلاحات مستدامة تؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة. وأكدت البعثة ضرورة القيام بإجراءات مالية توازي 2 ونصفاً في المئة من الناتج القومي خلال العام 2006، تليها إجراءات توازي نقطتين مئويتين من الناتج القومي في كل من العامين 2007 و2008.
وركز التقرير على ضرورة إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، لافتاً إلى أن دعم الحكومة للكهرباء، بما فيها تغطية دين مؤسسة كهرباء لبنان، سيصل هذا العام إلى نسبة 4 في المئة من الناتج القومي، وأن خسائر التشغيل فقط تقف عند 2 ونصف في المئة من الناتج القومي.
ومن هنا أيّدت اللجنة تحرك السلطات اللبنانية لجلب الدعم المالي من قبل المجتمع الدولي. وشددت البعثة على أن هذه الاستراتيجية ستواجه مخاطر عدة، لأن نسبة ارتفاع الدين ستبقى عالية جداً في المدى المتوسط، لكنها اعتبرت أن كلفة تعديل كهذا تبقى صغيرة بالمقارنة مع نتائج أي أزمة مالية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، من جراء زيادة الخلل في الميزان المالي. ويمكن القول ان التحويلات السنوية للاغتراب اللبناني والمقدرة بـ4,5 مليارات دولار سنوياً، ومتوسط الايداعات الجديدة السنوية في المصارف اللبنانية لغير المقيمين (0,6 مليار دولار في السنة)، والاستثمارات العربية في القطاعات العقارية والسياحية والمصرفية المباشرة بواسطة التملك او بواسطة شراء الأسهم (2 مليار دولار في السنة) وانفاق السياح في لبنان (0,8 مليار دولار في السنة) اي 8,3 مليارات دولار في السنة، هي التي تغطي عجز الميزان التجاري المقدر بـ 7,3 مليارات دولار.
عمليات الموازنة والخزينة
وأظهرت عمليات الموازنة والخزينة في الاشهر العشرة الاولى من سنة 2005 بحسب وزارة المالية أن العجز العام والفائض الأولي (موازنة وعمليات الخزينة) بلغ في هذه الفترة ألفين و56 مليار ليرة، اي ما يعادل نسبة عجز قدرها 24,83% من مجمل النفقات، وذلك مقارنة بالعجز الإجمالي للفترة ذاتها من عام 2004 والذي بلغ ألفين و397 مليار ليرة، أو ما نسبته 27,61%، أي بانخفاض قدره 341 ملياراً ونسبته 14,22% قياساً بالفترة المقابلة من عام 2004.
وبلغ الفائض الأولي الإجمالي الذي تحقق في هذه الفترة من السنة 749 مليار ليرة، ونسبته 9,04% من مجموع النفقات، وذلك مقارنة بفائض أولي إجمالي بلغ 882 ملياراً للفترة عينها من عام 2004، أي بتراجع مقداره 133 مليار ليرة وما نسبته 15%.
أما إجمالي إيرادات الموازنة والخزينة المحصلة حتى نهاية تشرين الاول الماضي، فبلغت 6 آلاف و226 مليار ليرة، بانخفاض 59 مليار ليرة عما كانت عليه في الاشهر العشرة الاولى من عام 2004، اي بنسبة تراجع مقدارها 0,94% مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي. وتعود الأسباب الرئيسة لهذا الإنخفاض في الإيرادات إلى التراجع الحاصل في الإيرادات الضريبية، ولا سيما إيرادات التجارة الخارجية (جمرك ورسم استهلاك) بنسبة 20,86 في المئة، وإيرادات ضريبية أخرى (رسوم الطابع المالي) بنسبة 13 في المئة.
وتطور إجمالي النفقات حيث بلغ إجمالي مدفوعات الخزينة (موازنة وعمليات خزينة أخرى) حتى نهاية شهر تشرين الاول الماضي 8 آلاف و282 مليار ليرة، مقارنة بـ8 آلاف و682 ملياراً للاشهر العشرة الاولى من عام 2004، أي بانخفاض في حجم الإنفاق الإجمالي مقداره 400 مليار وبنسبة مقدارها 4,61%.
ويشار هنا إلى أنه وحتى نهاية تشرين الاول الماضي، بلغ مجموع الإنفاق على خدمة الدين العام ألفين و805 مليارات، أي بانخفاض تراكمي قدره 474 مليار ليرة قياساً بما سجله حتى تشرين الاول عام 2004.
من جهة أخرى، بلغ مجموع الإنفاق من خارج خدمة الدين العام وحتى نهاية تشرين الاول الماضي مقدار 5 آلاف و477 مليار ليرة مقارنة بـ5 آلاف و403 مليارات للفترة عينها من عام 2004، أي بزيادة في حجم الإنفاق من خارج خدمة الدين العام مقدارها 74 ملياراً، ونسبتها 1,3% عن العام الماضي.
وقد واجه لبنان تحدياً كبيراً في شباط الماضي عندما اغتيل رئيس وزرائه السابق رفيق الحريري، لكن السلطة النقدية لم تسمح بحصول أي ارباكات غير عادية في سوق القطع. واستمر البنك المركزي في سياسة الحفاظ على الاستقرار النقدي والتدخل عبر احتياطه من العملات الصعبة، البالغة نحو 12 مليار دولار، لتلبية الطلب المتوقع على الدولار. وواكب القطاع المصرفي إجراءات البنك المركزي بتدابير موازية حدت من حجم الطلب على الدولار، وذلك عبر منع تحرير الحسابات قبل مواعيد استحقاقها، وتلبية الطلبات العادية من دون أي تحفظ بهدف اشاعة اجواء مشجعة لحفز المودعين عن عدم التخلي عن الليرة او تحمل خسائر غير مبررة نتيجة المضاربات.
قطاع السياحة
وبعد أن بدأت بيروت تشهد تزايدا كبيرا في أعداد السياح ـ حيث قالت وزارة السياحة إنها استقبلت 1.2 مليون سائح خلال الـ11 شهرا الأولى من عام 2004، أي بزيادة قدرها 30% عن الفترة نفسها من عام 2003، وأسهمت السياحة بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي ـ جاء اغتيال الحريري ليترك أثره السلبي على هذا القطاع. وانخفضت إشغالات الفنادق في بيروت وفق ما يقول نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الاشقر بنسبة 45% مقارنة بـ80% قبل الاغتيال. وقدر "الأشقر" الأضرار بنحو 60 مليون دولار، في حين قدرت خسائر القطاع السياحي عام 2005 بأكثر من 300 مليون دولار، خصوصاً مع استمرار موجة التفجيرات.
وترك توتر العلاقات اللبنانية السورية أثره السلبي على الاقتصاد بعد الأزمة الحدودية، حيث توقفت الحركة التبادلية التي يقدر حجمها بـ500 مليون دولار، وذكرت مصادر مصرفية أن بعض رجال الأعمال السوريين سحبوا ودائعهم من البنوك اللبنانية، وقدر حجم ودائع غير المقيمين في لبنان في المصارف اللبنانية بنحو عشرة مليارات دولار، من بينها 1.2 مليار الى ملياري دولار عائدة لسوريين.
وعلى الرغم من سوداوية الصورة الاقتصادية الا ان الحكومة ابدت ارتياحها للأوضاع الاقتصادية والمالية معولة على المناعة التي اكتسبتها الاسواق وجعلتها بمنأى عن اي تقلبات من شأنها ان تزعزع الاستقرار النقدي والمالي، فضلا عن المؤشرات الايجابية التي حققها القطاع الخاص إن في المجال المالي او المصرفي او العقاري او في حركة الاسهم والسندات والاوراق المالية التي تشهد تحسناً. لكن ذلك لا يلغي في الواقع حال القلق لدى المستثمرين من استمرار الغموض المحيط بالتوجهات الاقتصادية والمالية للحكومة في ظل تلكئها عن اعلان برنامجها الاصلاحي الذي ستقدمه الى مؤتمر الدول المانحة المزمع عقده مطلع السنة المقبلة.
وما يدفع بعض الاوساط الى التشكيك هو عدم قدرة الحكومة على انجاز برنامجها الإصلاحي وتأمين التوافق الوطني حوله خلال الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد انعقاد مؤتمر الدول المانحة في شباط المقبل، وان الحكومة لم تبادر الى تقديم مشروع موازنة السنة المقبلة ضمن المهل الدستورية المحددة.
الأزمة الاجتماعية
وفي موازاة هذا الاختلاف بين تفاؤل الحكومة ومعطيات الواقع جاءت التحركات الشعبية المطلبية لتؤكد على حقيقة ناصعة بأن عام 2005 كان عام تفاقم الازمة الاقتصادية والتحركات الشعبية في بعلبك الهرمل والتي امتدت الى رياق في البقاع، وكادت ان تصبح انتفاضة مطلبية بكل ما للكلمة من معنى لولا مسارعة الحكومة الى التجاوب مع مطالب نواب المنطقة, وقد فرض هذا التحرك على الحكومة دعم مادة المازوت لمدة 3 اشهر بتخفيض سعر الصفيحة 3 الاف ليرة لبنانية, في حين ان مشهد التحركات المطلبية كان ناشطاً على مدار السنة، فمن تحرك الطيارين اللبنانيين الخائفين من البطالة والتشرد، الى تحرك الاساتذة المتعاقدين المطالبين بحقوقهم، الى اضرابات واعتصامات متنقلة للعاملين في قطاعات حكومية وخاصة عدة تحت عنوان رفض التشرد والحفاظ على لقمة العيش.
من المؤكد انه عندما يكون المشهد مضطرباً بالتحركات المطلبية وبانخفاض معدلات النمو وتزايد مستويات الدين العام فإن كلام الحكومة عن توقعات ايجابية يصبح عديم الفاعلية.
الانتقاد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018