ارشيف من : 2005-2008

العدد السنوي // عام الوصاية الاميركية على لبنان:الاستحقاقات الداخلية عامل جذب للوفود الأميركية!

العدد السنوي // عام الوصاية الاميركية على لبنان:الاستحقاقات الداخلية عامل جذب للوفود الأميركية!

يكاد يكون العام 2005 عام أميركا في لبنان، إذ تكثفت مواقف المسؤولين الأميركيين المتعلقة بلبنان، بدءاً من الرئيس الأميركي جورج بوش، وصولاً إلى أصغر موظف في السفارة الأميركية في عوكر. الوفود الأميركية الرسمية التي قصدت لبنان تنوعت مستوياتها واختصاصاتها، وسجلت أرقاماً قياسية مقارنة مع الأعوام السابقة، فتراوحت نوعية هذه الوفود بين مسؤولي وزارة الخارجية وأعضاء الكونغرس الأميركي من الجمهوريين والديمقراطيين ورجال أعمال ومستثمرين وعناصر ومسؤولي "الأف بي آي". وفي المقابل شهد هذا العام تحركات كثيرة لمواجهة الوصاية الأميركية، تمثلت بالتظاهرات الشبابية الأسبوعية أمام السفارة في عوكر، وفي العديد من المناطق اللبنانية، وتوجت أخيراً بإطلاق الحملة الشبابية لرفض الوصاية الأميركية على لبنان.‏

استغلال الأحداث‏

استغلت "الوصاية" الأميركية الأحداث الكبيرة التي شهدها لبنان، وكانت المحطة الأبرز اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط، وتداعيات هذا الحدث، وما نتج عنه من انسحاب للقوات السورية من لبنان في 26 نيسان الماضي، وما رافقه من تحولات واستحقاقات وتغيرات.‏

اللافت أن التحرك الأميركي كان ينشط عند كل استحقاق داخلي، وغالباً ما كان يسبق هذا الحدث زيارة لمسؤول رفيع من وزارة الخارجية، وتكرر هذا الأمر مرات عدة، فضلاً عن أن المعدل الوسطي لزيارات الوفود إلى لبنان كان بمعدل زيارتين في الشهر الواحد، إضافة إلى تحرك السفير "النشيط" على المسؤولين الرسميين والسياسيين.‏

وشكلت مواقف وتصريحات مسؤولي البيت الأبيض الداعمة للتحركات الشعبية للمعارضة في حينه أحد مظاهر التدخل، وأخذت أحياناً شكل التحريض ضد الحكومة (عمر كرامي) وموقع الرئاسة والأجهزة الأمنية اللبنانية، سنداً مهماً لقوى المعارضة، وكذلك توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا وتحميلها مسؤولية ما يجري.‏

فواشنطن سارعت بعد اغتيال الرئيس الحريري بساعات إلى اتهام سوريا بطريقة مباشرة، ورؤساء الأجهزة الأمنية اللبنانية بصورة غير مباشرة، وساهمت بتعبئة الشارع والرأي العام ضد دمشق وحلفائها.‏

وأدت وسائل الإعلام الأميركية دوراً لافتاً في تغطية الأحداث اللبنانية وتسليط الضوء عليها، وأسبغت على تحركات المعارضة صفة "ثورة الأرْز"، وأبدت دعمها لـ"الديمقراطية اللبنانية" الصاعدة والمتنامية، وبدأت تسويقها كنموذج للتطبيق في المنطقة العربية وكأداة للتغيير.‏

أوجه التدخل‏

ـ استثمار المتغيرات والبدء بترجمة التغيير عبر الانتخابات النيابية لقلب الموازين برلمانياً، والتشديد على إجراء الانتخابات في مواعيدها وفق قانون الألفين، وتشكيل أغلبية نيابية قدّرها ساترفيلد في حينه بـ92 نائباً.‏

ـ الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية للتمهيد لإجراء الانتخابات، فكان تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد اتصالات ومشاورات وضبط مواقف وإيجاد توزانات دولية إقليمية جديدة سهلت خطوة التشكيل.‏

ـ محاصرة رئيس الجمهورية العماد اميل دون المطالبة باستقالته، وإرسال إشارات متناقضة حيال هذا الأمر، فبدت الإدارة الأميركية تارة مقاطعة له، وأخرى غير مقاطعة، فتزوره وزيرة الخارجية كونداليزا رايس في قصر بعبدا ولا تزوره مساعدتها إليزابيت ديبل!‏

ـ ممارسة التحريض وإثارة الشكوك بين اللبنانيين، حيث ألمح وفد أميركي من خلال سؤال عن موقف إحدى الجهات السياسية من الحزب، مشيراً إلى أن السيارة التي استخدمت بالتفجير تم تجهيزها في الضاحية الجنوبية! وتسريب هذه التساؤلات إلى الصحافة اللبنانية وإشاعتها.‏

ـ التأثير في انتخابات رئاسة المجلس النيابي من خلال وضع "فيتو"، ومن ثم سحبه على تولي الرئيس نبيه بري لهذا الموقع كونه من رموز المرحلة السابقة.‏

ـ التأثير في تشكيل الوزارة ورفض إسناد وزارة الخارجية إلى مقربين من حزب الله أو حركة أمل، وفي مرحلة لاحقة وضع "فيتوات" على بعض رؤساء الأجهزة الأمنية!‏

ـ التحريض على وزراء حزب الله ومقاطعتهم، حيث وصفت رايس خلال مؤتمر نيويورك لدعم لبنان وزير الطاقة والمياه محمد فنيش بأنه إرهابي أمام رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة وعدد من الوزراء الاخرين.‏

زيارات!‏

هذه ملامح من التدخل الأميركي، وهي غيض من فيض، والانعكاس الفعلي لهذا التدخل أو ما يطلق عليه البعض صفة "الاهتمام" فتجلى بحركة الوفود الاميركية إلى لبنان، وهنا بعض أبرز هذه الزيارات:‏

ـ على وقع الغليان الشعبي بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري، زارت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بيروت لتقديم التعازي بالحريري.‏

ـ أوفدت نائب مساعدها (الخبير) السفير السابق في لبنان ديفيد ساترفيلد في 27/2/2005 ليعسكر في عوكر لمدة أربعة أيام حاملاً ما يشبه "تحذيراً شديد اللهجة" حسب ما عنونت صحيفة "المستقبل".‏

ـ 23/3/2005 السفير ساترفيلد يعود بعد اقل من شهر على مغادرته لبنان، ومكث أيضاً عدة ايام.‏

ـ 30/3/2005 وفد من الكونغرس الاميركي برئاسة ديفيد درايير يرافقه القائم بأعمال السفارة كريستوفر موراي بدأ زيارة "استطلاعية" في بيروت التقى خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانيين ونواب المعارضة. وكان الوفد يقوم بجولة على عدد من دول المنطقة لـ"الاطلاع على طبيعة التحولات الديموقراطية".‏

وفي حينه اعرب درايير المتحدث باسم الوفد عن اعتقاده بأن "الهدف المشترك لدى الشعب اللبناني هو اجراء انتخابات نيابية حرة بعيدة عن اي تأثير او نفوذ قبل 31 ايار المقبل"، معتبراً ان ذلك "هو هدف القرار 1559، وهذا ما يمكن حصوله".‏

ـ 20/3/2005 وفد من الكونغرس الأميركي ضم أعضاءً من الحزب الديمقراطي التقى شخصيات في المعارضة، وخلص الى "وجود اجماع أميركي حول مقاربة الملف اللبناني".‏

ـ21/3/2005 وفد أميركي يضم عدداً من الشخصيات الأميركية التي تولت مهمات سياسية وديبلوماسية وأمنية سابقة في الإدارة الأميركية زار لبنان، وقالت مصادر في الوفد لصحيفة "المستقبل": "ان الوفد تناول في سلسلة اللقاءات التي عقدها لمدة يومين مختلف الأوضاع في المنطقة، ونظرة الحركات الإسلامية للدور الأميركي، وأسباب تنامي حالة الكراهية لأميركا لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكذلك آفاق عملية التسوية والدور المستقبلي لحركتي حماس وحزب الله على ضوء التطورات الأخيرة".‏

ـ أواخر ايار/ مايو زار وفد من الكونغرس الاميركي لبنان للاطلاع على كيفية تنفيذ المساعدات التعليمية والتربوية التي تمولها برامج المساعدات الاميركية في لبنان, والتقى الوفد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري.‏

ـ 9 /7/2005 نائبة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى اليزابيت ديبل زارت بيروت وأجرت محادثات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين بعد تعيينها في هذا المنصب خلفاً للسفير دايفيد ساترفيلد، وجرى بحت الاوضاع الداخلية.‏

ـ 13/7/2005 وفد من وزارة الخارجية الأميركية معني بعمليات نزع الألغام زار ثكنة الجيش في النبطية.‏

ـ 22/7/2005 وزيرة الخارجية الاميركية تزور لبنان بعد وقت قصير من تسمية الرئيس فؤاد السنيورة لتشكيل الحكومة، وتبحث معه في التزامات الحكومة الجديدة اتجاه القرارات الدولية، لا سيما القرار 1559.‏

ـ 24/7/2005 وفد من الكونغرس الاميركي يزور لبنان بعد يومين على زيارة رايس، ويلتقي المسؤولين فيه إبان "ازمة الشاحنات"، وقبل تشكيل حكومة السنيورة بأيام قليلة. واعرب الوفد عن أمله في ان يكون موضوع الحدود بين لبنان وسوريا البند الاول المدرج في جدول اعمال الحكومة الجديدة في الايام المقبلة!‏

ـ17/8/2005 وفد اميركي من لوس انجلس، يزور لبنان ويعرض مع عدد من المسؤولين الاوضاع اللبنانية.‏

ـ 26/8/2005 نائبة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الإدارية هنرييتا فورس تجري محادثات في بيروت مع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في السرايا الكبيرة، بحضور السفير الأميركي جيفري فيلتمان.‏

ـ 13/10/2005 وفد أميركي ضم موظفين وإداريين في السفارة الأميركية في بيروت ووزارة الخارجية الأميركية، زار بلدة الناقورة، والتقى نائب القائد العام لليونيفيل الجنرال روبيرت بيلليغريني. ثم قام الوفد بجولة ميدانية على طول الخط الأزرق الممتد من الناقورة غرباً وحتى مروحين شرقاً.‏

ـ 7/11/2005، مساعدة نائب وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط اليزابيت ديبل تزور بيروت للمرة الثانية، وتجري مباحثات رسمية في بيروت مع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ووزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، وأعلنت خلال زيارتها تأجيل المؤتمر الاقتصادي لدعم لبنان الذي كان مقرراً أواخر العام 2005، وقالت "إن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة".‏

ـ 8/12/2005 زيارة غير مسبوقة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى بيروت روبرت مولر لمدة ثلاث ساعات التقى خلالها وزير العدل شارل رزق، ووزير الداخلية حسن السبع، ومدير عام الأمن العام اللواء أشرف ريفي، وجرى التكتم على الزيارة، وقال بيان عن السفارة انها بهدف التعارف وتوفير تدريبات تقنية للمحققين الجنائيين.‏

عوكر والتنمية!‏

إضافة الى الوفود الأميركية الزائرة، كانت السفارة الاميركية في عوكر والوكالة الاميركية للتنمية تنشط على غير صعيد ومنطقة, حيث عززت من نشاطاتها و"منحها" على وقع التغييرات السياسية التي تشهدها البلاد والتي تلعب فيها واشنطن دوراً محورياً.‏

ومن خلال متابعة التحركات والنشاطات الأميركية يتضح أن هناك تركيزاً على قطاعات محددة تعمل السفارة الأميركية على تعزيز علاقاتها معها، ولا سيما تلك القطاعات التي تمس عصب العلاقة مع الناس، كالقطاعات التربوية والثقافية والإجتماعية.‏

إلا أن هذا الجانب هو أحد وجوه الصورة، وهناك جانب آخر يتمثل في تركيز السفارة الأميركية نشاطاتها في المنطقة المحاذية لمزارع شبعا ومنطقة حاصبيا وراشيا، وتركز هذا النشاط خلال الأشهر الماضية بما يوحي بأن هناك توجهاً لتكثيف الوجود الأميركي "الإنساني" في هذه المنطقة، وتعزيز الحضور المالي في قطاع يعتبر من أكثر القطاعات حساسية على الساحة اللبنانية.‏

مروان عبد الساتر‏

الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

2006-10-30