ارشيف من : 2005-2008

العدد السنوي// حزب الله في مواجهة التحديات:حضور أكثر فاعلية وأداء متوازن لشريك قوي

العدد السنوي// حزب الله في مواجهة التحديات:حضور أكثر فاعلية وأداء متوازن لشريك قوي

كثيرة هي العناوين التي شكلت تحدياً لحزب الله خلال العام 2005، وأبرز هذه التحديات كانت مواجهة القرار 1559 وما تركه من انقسام على الساحة اللبنانية، والتطورات الدراماتيكية التي شهدها لبنان بدءاً من زلزال اغتيال الرئيس الحريري والهزات الارتدادية التي توالت طوال العام الفائت. وبرغم رياح التغيير العاتية التي ضربت لبنان، استطاع حزب الله الثبات والاستمرار وتسجيل حضور قوي وفاعل أربك الهجمة الغربية من خلال أدائه المتوازن، ودخل شريكاً حقيقياً في الحكم في أول حكومة بعد الانتخابات النيابية، لأن "الواجب بات مختلفاً، ويفرض الحضور في الدولة ومؤسساتها، والدخول في شراكة حقيقية كاملة مع بقية اللبنانيين في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية".‏

بدا واضحاً لدى حزب الله أن العام 2005 هو عام التحديات الكبيرة، وتمحور أداء الحزب واتصالاته حول "حماية المقاومة وحماية الوطن" بعد الفرز الحاد الذي أحدثه القرار 1559 (2أيلول/ سبتمبر 2004). وجاء الانقسام حول القرار متزامناً مع بدء النقاشات حول قانون الانتخابات النيابية، وهو ما وسع الهوة بين اللبنانيين.‏

إزاء هذا الواقع عبر حزب الله عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله أكثر من مرة عن خطورة الأوضاع، وكرر الدعوات إلى التهدئة والحوار انطلاقاً من قراءة التطورات الإقليمية الدولية وتداعياتها على الساحة المحلية.. ووصل الأمر إلى التحذير من أن المشروع الإسرائيلي الاستراتيجي هو الحرب الأهلية في لبنان. وكان هذا قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط/ فبراير الماضي.‏

لم تلقَ دعوات حزب الله آذاناً صاغية، واندفعت قوى لقاء البريستول في هجمتها السياسية والإعلامية إلى حد الانقلاب على كل الثوابت الوطنية ورفض كل دعوات الحوار.‏

في المقابل عقدت الأحزاب والقوى اللبنانية لقاءً موسعاً في عين التينة في السابع من شباط/ فبراير أكدت فيه الثوابت الوطنية وحماية المقاومة والعلاقات المميزة مع سوريا، رافضة الهجمة الأميركية ومواقف بعض القوى السياسية المراهنة على الخارج لقلب المعادلة والموازين.‏

وقد حضر السيد نصر الله في اللقاء وحدد أولويات المواجهة في تلك المرحلة، بمنع الأميركيين والفرنسيين من الإمساك بلبنان، والتشديد على الحوار لحل الخلافات واعتماد خطاب هادىء والابتعاد عن التشنج.‏

ومرة أخرى زادت قوى "لقاء البريستول" في اجتماعها الثالث من توتير الأوضاع السياسية عندما طالبت بالانسحاب الفوري للقوات السورية والموافقة على القرار 1559، ملغية بذلك بعض التباينات، من ضمنها (تباين مع الحزب الاشتراكي حول المقاومة و1559 ).‏

واستتبع هذا الاجتماع باتصالات عدة مع حزب الله لتوضيح المواقف، وبدا واضحاً أن هذه القوى تحاول من خلال استهداف المقاومة وحزب الله تحييد الحزب، لأنها كانت تعتبره حجر عثرة في طريق مشروعها، لكونه يشكل رافعة للموالاة والخط العربي الوطني.. فيما عبر حزب الله في حينه أنه لا يمكن أن يكون على الحياد ولا يمكن أن يعطي فرصة للانقضاض على الخط العربي الوطني الذي يحمل مفاهيم سياسية استراتيجية.‏

الزلزال‏

في الرابع عشر من شباط/ فبراير حدث زلزال اغتيال الرئيس الشهيد الحريري وانقلبت الأوضاع رأساً على عقب، وانضم تيار المستقبل إلى قوى المعارضة التي باتت تضم "المستقبل"، "اللقاء الديمقراطي"، "التيار الوطني الحر"، نواب "قرنة شهوان" والقوى المسيحية، وحدث الفرز الكبير في احتدام الاحتقان الطائفي ودخول عامل التدويل بقوة على خط الأزمة اللبنانية، متكئاً على مواقف قوى سياسية محلية لدفع لبنان بعيداً عن موقعه الطبيعي وهويته وتاريخه.‏

تحرك حزب الله على أكثر من صعيد، خصوصاً أنه بات أمام مواجهة الانقسام اللبناني حول الثوابت الوطنية، ومواجهة بعض مظاهر الفتنة التي بدأت تطل برأسها بين المسلمين، ومواجهة الوصاية الدولية والأميركية وإعادة لغة الحوار بين الأطراف اللبنانية.‏

وبعد يوم واحد من زلزال الاغتيال كشف السيد نصر الله خلال كلمة له في المجلس العاشورائي المركزي عن لقاءات سرية كان يعقدها أسبوعياً تقريباً مع الرئيس الحريري منذ أحداث أيار 2004 في الضاحية الجنوبية، ودعا إلى إسقاط أهداف الاغتيال من خلال الحفاظ على الاستقرار في لبنان، ومنع إشعال الفتنة بين اللبنانيين والحفاظ على الإنجازات التي تحققت وكان للرئيس الحريري دور مركزي فيها، والعودة إلى اتفاق الطائف.. ودعا لقاءي "البريستول" و"عين التينة" إلى الاجتماع بشكل طارىء للحوار.‏

تظاهرة رياض الصلح‏

لكن هذا الاجتماع لم يحصل وأدارت المعارضة ظهرها لدعوات الحوار، وطوال شهر استمر التوتر السياسي على وقع التظاهرات والاعتصامات في ساحة الشهداء، وبدا أن الأمور تتجه إلى مزيد من التأزم والاحتقان والاتهامات المتبادلة بين الموالاة والمعارضة التي صعدت مطالبتها بالانسحاب السوري فوراً وإقالة قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية.‏

وبرغم إكمال الانسحاب السوري في 26 نيسان/ أبريل بقيت مواقف المعارضة تجاه سوريا على حالها من التصعيد، وبدا لبنان على عتبة حقبة جديدة تختلف كلياً عن الحقبة السابقة.. وقد بادر حزب الله إلى دعوة الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب الوطنية إلى لقاء عاجل، وأقر سلسلة تحركات لإعادة التوازن الى الساحة الداخلية ومواجهة الضغوط الدولية لتنفيذ القرار 1559، خصوصاً البنود المتعلقة بنزع سلاح المقاومة والفلسطينيين.‏

أول التحركات كان تظاهرة 8 آذار المليونية، التي فاجأ فيها السيد نصر الله الحشود التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه، وأطلق سلسلة مواقف حاسمة. وشكلت تظاهرة رياض الصلح حركة تصحيح فعلية لمسار الأحداث في لبنان بمعطياتها المحلية والإقليمية والدولية، وبات هذا اليوم يوماً مفصلياً في تاريخ لبنان اختلفت فيه حسابات ما قبله عن حسابات ما بعده، وأوجدت واقعاً جديداً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.‏

عادت حركة الاتصالات لتنشط باتجاه حزب الله، فأوفدت قوى المعارضة عضو "لقاء قرنة شهوان" سمير فرنجية ووائل أبو فاعور بصفتهما الشخصية للقاء السيد نصر الله في محاولة لإخفاء الخلافات بين المعارضة التي انقسمت بين مؤيد ومعارض للحوار.‏

على خط آخر بادر حزب الله من خلال السيد نصر الله إلى القيام بجولات قدر المستطاع ـ برغم ظروفه الأمنية ـ على القيادات السياسية والدينية للحفاظ على الاستقرار وتحصين الساحة اللبنانية والساحة الإسلامية، إلى جانب تنشيط اللقاءات والاتصالات مع تيار المستقبل وعائلة الحريري وتنظيم زيارات لوحدات وقطاعات كشفية ونقابية وأهلية تابعة للحزب إلى ضريح الرئيس الحريري.‏

إلى جانب ذلك كانت الاتصالات مع الحزب الاشتراكي تأخذ طريقها الإيجابي وتسلك منحاً متقدماً تُوجت بزيارة النائب جنبلاط إلى الأمانة العامة، حيث أكد جملة من الثوابت التي يختلف فيها مع بعض المعارضة، ومنها حماية المقاومة ورفض القرار 1559 وتطبيق الطائف، وأن لا يكون لبنان ومؤسساته بعد انسحاب القوات السورية معاديا لسوريا.‏

وفي سياق موازٍ عزز حزب الله تحالفه الاستراتيجي مع حركة أمل، وسُجلت عدة لقاءات قيادية دورية على الصعيد المركزي والمناطقي، وتكثف التشاور والتنسيق في مختلف المواقف، ما عزز الموقف الوطني وأعطاه مزيداً من المناعة والتأثير.‏

إضافة إلى ذلك تمكن حزب الله من نسج علاقات مع التيار الوطني الحر، ظهرت ملامحها مع عودة العماد ميشال عون من المنفى في السابع من أيار/ مايو ألفين، حيث قام وفد من الحزب بزيارة الرابية برغم الاختلاف في حينه حول القرار 1559.‏

تطور التواصل والالتقاء حول العديد من النقاط المشتركة في الملفات الداخلية، وتكررت الزيارات الرسمية بانتظار تتويج هذا الحوار بلقاء بين السيد نصر الله والعماد عون.‏

وإلى جانب هذه القوى الرئيسية أبقى حزب الله اتصالاته مع قوى أخرى كالرئيس عمر كرامي وسليم الحص وسليمان فرنجية والأمير طلال أرسلان والأحزاب الوطنية والإسلامية.‏

الانتخابات النيابية‏

وخاض حزب الله الانتخابات النيابية مستنداً إلى رؤيته الواضحة للأحداث، وإلى تحالفات سياسية نسجها مع حركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي أو مع جهات أخرى، وهي تحالفات سياسية بالدرجة الأولى على الثوابت التي تحصن المقاومة، ولا تخضع للقرار الدولي 1559، وتأكيد الوحدة بين اللبنانيين وعدم الموافقة على إعادة لبنان إلى كنف القوى الأجنبية.‏

وأظهرت الانتخابات أن حزب الله إما قوة فاعلة مؤثرة وإما قوة مرجحة، وتحولت الانتخابات في بعض مفاصلها الى استفتاء على خيار المقاومة التي أكدت ثبات حضورها وفاعليته شعبياً وسياسياً في مواجهة محاولات الوصاية لعزلها وتحجيمها، الأمر الذي أربك مخططاتها وجعلها رهينة وهمها.‏

حكومة السنيورة‏

بعد تكليف فؤاد السنيورة رئاسة الحكومة دخل حزب الله الحكومة لأول مرة بوزيرين بعد مشاركته في المرحلة الانتقالية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بوزير مقرب منه. المشاركة في حكومة السنيورة جاءت استناداً إلى التحالفات السياسية في الانتخابات النيابية، وصيغ البيان الوزراي بما يتوافق مع هذه المبادىء.‏

الدخول إلى الحكومة كان مبنياً على شراكة حقيقية في اتخاذ القرار والحكم بما يتناسب والمصلحة الوطنية، لكن هذه المبادىء لم يُلتزم بها في محطات عدة سجل الحزب تحفظه عليها، خصوصاً الاستعجال في طرح المواضيع من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، أو إدراج بنود غير متفق عليها من خارج جدول الأعمال، أو إثارة مواضيع لا تتناسب مع الأولويات اللبنانية. وسجلت هذه التجربة انسحاباً لوزراء حركة أمل وحزب الله من جلسة في 14/11/ احتجاجاً على طرح خطاب الرئيس الأسد والعلاقات السورية اللبنانية من خارج جدول الأعمال، ثم اعتكافاً عن المشاركة في الجلسات في 12/12 عندما طُرح موضوع توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية لتشمل كل جرائم الاغتيالات منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وصولاً إلى اغتيال النائب جبران تويني، والطلب إلى مجلس الأمن تشكيل محكمة ذات طابع دولي من خارج جدول الأعمال وإعمال التصويت بدلاً من التوافق، وهذا ما أدخل البلاد في أزمة ما زالت مستمرة.‏

سعد حميه‏

الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

2006-10-30