ارشيف من : 2005-2008

اندفاع خارج التوازنات المحلية والدولية لتجاوز الإحباط!:"الأكثرية" تصعّد المواجهة مع "الشركاء" والأشقاء

اندفاع خارج التوازنات المحلية والدولية لتجاوز الإحباط!:"الأكثرية" تصعّد المواجهة مع "الشركاء" والأشقاء

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1141 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

دفعت "الأكثرية" الوضع الحكومي إلى مزيد من التأزيم نتيجة إصرارها على التمسك بمواقفها واستغلالها الظروف السياسية والأمنية لاستكمال الأهداف غير المحققة في ما يسمى "انتفاضة الاستقلال". وتسببت هذه المواقف التي لم تخلُ من التشنج والعصبية لدى أركان قوى 14 آذار بتظهير الانقسام بشكل غير مسبوق على الصعيد الحكومي والسياسي والشعبي. وترافق هذا الانقسام مع تنامي الاحتقان الطائفي ومشاعر انعدام الثقة المتبادلة بين المكونات الرئيسية للحكومة على خلفية الحديث عن "الأكثرية" و"الأقلية" و"الغالب" و"المغلوب" بما يتناقض مع روحية الطائف وميثاقه.‏

نجحت "الأكثرية" الوهمية في إعادة تظهير مشهد الانقسام اللبناني وارتفعت وتيرة الخطاب الطائفي خصوصاً بعد اغتيال النائب جبران تويني، وظهر اتجاه واضح لهذه القوى لاستغلال جريمة الاغتيال إلى أقصى الحدود من دون مراعاة اعتبارات الوحدة الوطنية وحزن عائلة تويني التي رفضت إقحامها في برنامج استثمار سياسي من خلال استضافة لقاء قوى 14 آذار في مبنى دار "النهار".‏

وبدا واضحاً أن ثمة إصراراً لدى هذه القوى على تصعيد المواقف حتى ولو وصلت إلى درجة التحدي للقوى التي يمثلها الوزراء المعتكفون وعقد جلسة لمجلس الوزراء في السراي الكبير على الرغم من رفض رئيس الجمهورية ترؤس جلسة مجلس الوزراء التي يغيب عنها وزراء حزب الله وحركة أمل.‏

ولفت أن التصعيد في المواقف شهد سياقاً تصاعدياً منظماً تقاسمته هذه القوى فتولى رئيس الحكومة المشاورات والاتصالات مع المرجعيات السياسية فيما تولت قوى أخرى التحريض السياسي ورفع سقف المطالب وإظهار اعتكاف وزراء حزب الله وحركة أمل ومطالبهم كمخالفة للدستور، وبأنهم يقفون وراء تعطيل العمل الحكومي، وتصعيد الحرب الكلامية ضد سوريا في محاولة واضحة لحرق كل جسور الحوار أو التواصل معها ميدانياً وسياسياً، وتوّجت هذه الخطوة بمهاجمة المبادرة العربية ورفضها من قبل رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط وقائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، ومهاجمة المبادرة العربية للتقريب بين لبنان وسوريا، وتزامن أيضاً مع عودة واشنطن ولندن للضغط على سوريا وفرض الشروط والإملاءات عليها لاستكمال محاصرتها بعدما كبح الموقف الروسي هذه المحاولات في مجلس الأمن خلال جلسة مناقشة التقرير الثاني لرئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري.‏

هذا المسار التصاعدي ضد الشركاء في الحكومة انتظر اللحظة السياسية والأمنية الملائمة لإعادة تنشيط ديناميات قوى 14 آذار ـ باستثناء التيار الوطني الحر الذي أصبح هو الآخر في مواجهة مفتوحة مع هذه القوى ـ للانطلاق مجدداً في استكمال برنامجها السابق بلغة أكثر استفزازاً، ومن خلال تحركات سياسية تمثلت في اللقاء الأخير لقوى البريستول وإعادة بناء "خيمة الحرية" في ساحة الشهداء وتغطية "نارية" مكثفة عبر مواقف يومية لجعجع من مقر إقامته في الأرز، وجنبلاط من المختارة، لحشر موقع الرئاسة تمهيداً لإسقاطه، والأطراف السياسية المشاركة في الحكومة والقوى المسيحية الرئيسية المستبعدة عن الحكومة.‏

لكن هذه الانطلاقة المتجددة لقوى الرابع عشر من آذار وبهذه الطريقة أفصحت عن فشل في أكثر من موقع وموقف، وعبّر بيان قوى البريستول عنها بشكل واضح بين سطوره:‏

ـ عملية الاغتيال شكلت فرصة للملمة الصفوف وإعادة تنظيمها بعدما تسرب الإحباط إليها نتيجة عدم قدرتها على استكمال نقل لبنان من ضفة إلى ضفة أخرى على الرغم من التغييرات.‏

ـ إقرار "الأكثرية" بالفشل في الحكم على الرغم من أنها تحكم منذ ستة أشهر، وعدم قدرتها على بناء الأجهزة الأمنية والقضائية ومعالجة الوضع الاقتصادي والفساد.‏

ـ اعتماد لغة "التطهير" و"الإبعاد" بحيث ظهر حجم "الاختراق" كبيراً في مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية بما يتناقض مع مفهوم "الأكثرية" الذي يتمسكون به.‏

ـ التهديد باستخدام القضاء والحديث عن "رفع الغطاء عن رموز النظام السابق" مع ما يعني ذلك من وقوع القضاء مجدداً في فخ التسييس ونزع النزاهة والشفافية عنه.‏

ـ استمرار اعتماد لغة المعارضة والتهديد بالتظاهر واستخدام الشارع والتجاهل الكلي لاختلاف الموازين شعبياً وأن القوى الرئيسة فعلياً أصبحت خارج الحكومة.‏

ـ دعوات الحوار لحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر مشروطة، وهذا يعني تقييد نتائج أي حوار وبالتالي رفضه من الآخرين.‏

ـ إحباط الأكثرية من الأداء الأميركي لا سيما في مجلس الأمن، فالنتائج جاءت مخيبة ودون الطموحات سواء لناحية توسيع صلاحيات لجنة التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري لتشمل كل الجرائم منذ العام 2004 أو إنشاء محكمة ذات طابع دولي.‏

ـ تصعيد المواقف ضد سوريا ورفض المبادرات لا سيما العربية منها يؤكد في طياته أنه ناتج عن تخوف فريق "الأكثرية" من أن يكون ضحية توازنات دولية خصوصاً بعد الموقف الروسي الفاعل في كبح الإندفاعة الأميركية تجاه سوريا، وقدرته على إيجاد حل توفيقي يرضي جميع الأطراف، وإمكانية الاستمرار في هذا النهج في المراحل المقبلة قد يأتي على حساب طموحات هذه الأكثرية التي عبرت عنها زلات اللسان بالحديث عن إسقاط النظام السوري.‏

ـ صدور مواقف عربية وخليجية إيجابية من سوريا والتمسك باستقرارها بما يناقض دعوات بعض أركان قوى البريستول إزاء النظام السوري، وهو ما أحرج هؤلاء فاضطروا إلى رفع الصوت ضد سوريا.‏

وفي رؤية مجملة للوضع الراهن تبدو الأقلية وكأنها لا تحسن قراءة المعطيات الواقعية، وإذا كان مبرراً إلى حد ما عدم الالتفات إلى المتغيرات الإقليمية والتوازنات الدولية فمن غير المبرر عدم الفهم والإلمام بما تشهده الساحة المحلية من اصطفافات جديدة قد تسلب ميزة "الأكثرية" إذا ما استمرت هذه القوى في الإصرار على إبعاد الشركاء إلى خارج الحكومة بحيث ستجتمع خارجها قوى سياسية ذات شعبية كبيرة تبدأ بحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة وتيار الرئيس كرامي والقوة الثالثة التي يترأسها الرئيس سليم الحص والحزب القومي والشيوعي، إضافة إلى أحزاب أخرى، فأين الأكثرية التي يتحدثون عنها!‏

سعد حميه‏

2006-10-30