ارشيف من : 2005-2008
الأكثرية الوزارية تنسف مبدأ الشراكة إقرار المحكمة الدولية يضع مصير الحكومة في مهب المجهول
الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005
الى أين يتجه الوضع الحكومي ومعه الوضع السياسي برمته في لبنان خلال المرحلة المقبلة؟ تساؤلات طرحت بقوة بعد الذي جرى في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء في بعبدا يوم الاثنين الماضي، والتي نسفت فيها "الأكثرية الوزارية" مبدأً دستورياً هو مبدأ التوافق على القرارات الكبرى من خلال تمرير قرار خطير يطلب من مجلس الأمن الدولي تشكيل محكمة دولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الوقت الذي ما زال التحقيق يحتاج لأشهر عديدة، بل سنوات لينتهي، اضافة الى طلب توسيع مهام لجنة التحقيق الدولية لتشمل جميع عمليات الاغتيال منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة الى اغتيال النائب جبران تويني. وهو ما استدعى موقفاً "أولياً" واضحاً من قبل وزراء حزب الله وحركة أمل تمثل بالانسحاب من الجلسة وتعليق عضويتهم في الحكومة ريثما تتخذ قيادتا الحزب والحركة الموقف النهائي تجاه ما جرى.
مصادر سياسية متابعة ترى أن ما حصل سيكون له تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة لأنه مع هذا القرار الذي اتخذ، تكون القوى السياسية التي تشكلت بأكثرية "ملتبسة" قد عمدت الى نسف التفاهمات التي تشكلت الحكومة على أساسها أواخر تموز الماضي، والتي بني على أساسها حينها أيضاً التحالف الرباعي بين حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، حيث كان الأساس في هذا التحالف قيام رؤية مشتركة بين هذه القوى حول القضايا المصيرية، وبناء تفاهمات سياسية بشأنها، والابتعاد عن أي منطق يعتمد الأكثرية والأقلية، لأن هذه الأكثرية كونتها تحالفات انتخابية بين هذه القوى كان أبرزها التحالف في دائرتي بعبدا عاليه والبقاع الغربي.
المصادر تطرح العديد من الهواجس حول خلفيات الانقلاب الذي جرى والهدف الحقيقي من ورائه، وهل الأمر يتعلق بحقيقة يطلبها جميع اللبنانيين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري؟ أم أن هناك مشاريع كبرى يراد تنفيذها وتمريرها من قبل الاميركيين تستهدف المقاومة في لبنان والممانعة في سوريا تحقيقاً للأهداف الصهيونية؟
وتتخوف هذه المصادر من كون الأمور باتت تسلك هذا المنحى الذي سيجعل لبنان رهينة بشكل كامل في فم التنين الاميركي، وهي تستجمع الخطوات التي اعتمدت على مدى الأشهر الأخيرة من قبل قوى الرابع عشر من آذار الممثلة في الحكومة، حيث بدأ الأمر مع الملف الاقتصادي اثر رحلة نيويورك لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والخضوع لشروط البنك الدولي في هذا المجال، مروراً بالملف القضائي الأمني وتدويله وطلب المساعدة الأمنية الاميركية عبر الـ(اف بي أي) وصولاً الى التدويل السياسي مع التعهدات بتنفيذ باقي بنود القرار 1559 المتعلقة بنزع سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني، وهي التعهدات التي وردت في تقرير الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن الذي أورد ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قطعها، وهي استدعت حينها سؤالاً من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الى الحكومة لم تجب عليه، ما دفع رئاسة مجلس النواب الى ادراجه على جدول أعمال جلسة عامة للمساءلة للحكومة كان مقرراً لها أن تعقد الثلاثاء الماضي قبل أن تؤجل الى أجل غير مسمى بعد اغتيال النائب جبران تويني الاثنين الماضي.
اضافة الى ذلك توسيع صلاحيات الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن لتشمل كل لبنان دون أن يعلم من طلب ذلك في لبنان! ووصل الأمر مع القرار الأخير في مجلس الوزراء الى حد الدفع بالوضع اللبناني الى التدويل شبه الكامل، واعلان الحكومة عجزها عن تحمل مسؤولياتها أمام كل الاستحقاقات. وهو بحسب المصادر المتابعة هروب الى الأمام لن يفيد الأكثرية ولن يعفيها من مسؤولياتها، وخصوصاً أنها قد استلمت جميع مفاصل الأمن والسياسة والقضاء منذ سبعة أشهر، وعليها ان تتحمل المسؤولية بدل الاستمرار في خطابها "الزئبقي" الذي لا يملك سوى لغة توجيه الاتهامات الى ما يسمونه النظام الأمني اللبناني السوري.
المصادر المتابعة تتحدث عن ريبة كبيرة في تسلسل الأحداث يوم الاثنين الماضي حيث انه فيما لم تكد فرق الدفاع المدني تنتشل جثث الضحايا اثر المتفجرة التي أودت بحياة النائب جبران تويني ومرافقيه، كان الاستثمار السياسي فورياً وعاجلاً وكأن أحداً ينتظر هذه الجريمة لاستثمارها في اطار بت سريع لمسألة المحكمة الدولية، وجعل أجساد الضحايا "قرباناً" لهذه المحكمة، خصوصاً مع تواتر الأنباء عن المضمون الفارغ للتقرير الثاني للقاضي الدولي دتليف ميليس، وهو ما كان سيؤجل الاندفاعة المتعلقة بتشكيل هذه المحكمة بعيداً عن جو التوافق والتفاهم الوطني بشأن هذه المسألة، والجميع كان يعلم ان حواراً جدياً وايجابياً انطلق بين تيار المستقبل وحزب الله حول هذا الموضوع بما يؤدي الى ازالة الهواجس ويمنع الاستغلال، حيث تولى الأمر من جانب "المستقبل" النائب بهيج طبارة الذي عقد أكثر من اجتماع مع مسؤولين في حزب الله، وجرى درس موضوع المحكمة وطبيعتها، وهو حوار كانت بوادره ايجابية لو لم يجرِ نسفه فيما بعد.
المصادر تشير أيضاً الى سلسلة اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يوم الاثنين الماضي في السراي الكبير، خصوصاً لقاءه مع السفيرين الاميركي والفرنسي، واختتامه هذه السلسلة من اللقاءات بمؤتمر صحافي أعلن فيه أنه سيطلب تشكيل محكمة دولية وتوسيع مهام لجنة التحقيق، وذلك قبل طرح الأمر على جلسة مجلس الوزراء، وهنا يلفت أكثر من مصدر الى أن هذا المنحى الذي سلكته الأمور التي توجت بقرار مجلس الوزراء كان يجري على ايقاع تعليمات "السفيرين" وضرورة الاسراع في اتخاذ القرار "على توقيت نيويورك وليس على توقيت بيروت" حيث كان مجلس الأمن ينتظر صدور هذا القرار، وهو ما عبّر عنه أحد الوزراء داخل الجلسة حين قال "ان مجلس الأمن ينتظر قراراً منا هذه الليلة".
في كل الأحوال فإن وزراء حزب الله وحركة أمل علقوا عضويتهم في مجلس الوزراء بانتظار الموقف النهائي من قيادتي الحزب والحركة اللتين تواصلان دراسة الموقف وتجريان المشاورات التي ستؤول الى قرار لم يعلم بعد في أي اتجاه سيكون: الاستقالة الكاملة من الحكومة كي لا يتحول الأمر في بقائهم داخلها الى مجرد شهود زور، أم الاستمرار في حالة التعليق الى أجل محدد، أم العودة الى المشاركة الكاملة في الحكومة بعد تصحيح التعاطي، وهو أمر لا تبشر به اللغة التي باتت معتمدة في الأيام الأخيرة من قبل القوى السياسية التي تشكل الأكثرية في الحكومة. على أي حال الاتصالات مستمرة على أكثر من صعيد، والموقف سيتضح بشكل كامل خلال الأيام المقبلة.
هلال السلمان
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018