ارشيف من : 2005-2008

المنظمات الشبابية تستنفر طاقاتها "الديمقراطية" لوضع حد للتمادي:حملة تصاعدية لرفض التدخل الأميركي في لبنان

المنظمات الشبابية تستنفر طاقاتها "الديمقراطية" لوضع حد للتمادي:حملة تصاعدية لرفض التدخل الأميركي في لبنان

الانتقاد / تحقيق ـ العدد 1141 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

أطلقت المنظمات الشبابية والطلابية يوم أول من أمس في المجمّع الجامعي في الحدث حملة لرفض الوصاية الأميركية على لبنان، وتتضمن تنظيم ندوات ومحاضرات، واعتصامات وتظاهرات، تشمل مختلف المناطق اللبنانية بهدف وضع حد للتمادي الأميركي في التدخل في شؤون لبنان الداخلية.‏

الحملة المذكورة بدأ التحضير لها منذ مدة، وعقدت العديد من الاجتماعات بين القوى الشبابية المناهضة للتدخل الأميركي، وتمحورت النقاشات حول بلورة تحرك سلمي حضاري متصاعد، وتحركات مستقبلية ترتبط بتحركات المسؤولين الأميركيين المقيمين في لبنان والوافدين إليه من وقت لآخر. وتضم الحملة ما يقارب عشرين منظمة شبابية طلابية لديها من الدينامكية ما يجعلها قادرة على إيصال رسالتها السياسية بشكل واضح وصريح، والقدرة على التحرك في مختلف المناطق.‏

التدخلات الأميركية في الشؤون اللبنانية تكاد تكون يومية خصوصاً خلال العام المنصرم، وآخر ما سجل في بورصة هذه التدخلات، تصريحات نسبت إلى السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان حول نصيحته لقوى "الأغلبية" في الحكومة بعدم الاستجابة لمطالب الوزراء المعتكفين ومطالبته بترميم الحكومة، ونفي الرجل لهذه النصيحة من الصعب تصديقه حتى بالنسبة للمواطن البسيط، إذ أن الأداء العملي للسفارة في عوكر يؤكد هذا الأمر، ويكفي فقط متابعة تحركات السفير باتجاه القيادات اللبنانية! وإذا ما نظرنا إلى حركة المسؤولين الأميركيين الوافدين إلى لبنان يظهر مدى "الاهتمام" الأميركي على مختلف المستويات السياسية، بدءاً من زيارة وزيرة الخارجية غوانداليسا رايس إلى بيروت ومن ثم مساعديها: دايفيد ساترفيلد قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، اليزابيت ديبل قبيل تشكيل الحكومة الأخيرة في المرة الأولى، إضافة إلى العديد من الوفود من الكونغرس الأميركي، وآخر الزائرين رئيس "السي أي أي" دايفيد مولر لبيروت لساعات عدة منذ أسبوعين في سابقة هي الأولى من نوعها!‏

التعبئة التربوية‏

وقال مسؤول قسم الشباب في التعبئة التربوية في حزب الله يوسف بسام "ان بعض المنظمات الشبابية وجدت التدخل الأميركي فاضحاً، وهو يستدعي موقفاً قوياً منها"، وبقدر ما كانت هذه المنظمات متمسكة بهذه الرؤية كان لبعض القوى رأي مغاير إذ اعتبرته أمراً غير مرئي، لا بل ذهبت إلى تمييع "الحملة" وإعطائها تسمية غامضة من قَبيل القول "حملة لرفض الوصاية أو لرفض التدخل الخارجي" بحيث تكون التسمية فضفاضة يمكن لكل جهة تفسيرها وفق مشتهياتها السياسية وبالتالي تضييع الغاية من هذه الحملة وهي رفض الوصاية الاميركية. هذا "الالتفاف" على حقيقة التدخل الأميركي لم يرق للمنظمات الشبابية المنضوية في "الحملة"، ما دفعها إلى متابعة تحركها الشبابي بالطرق السلمية والديموقراطية.‏

ويبدي بسام أسفه لما ذهبت إليه بعض القوى السياسية من تمييع للحقائق والوقائع التي يعيشها كل لبناني اليوم، وشبهها "بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال وتقول إنها لا ترى شيئاً!"‏

منظمة شباب الاتحاد‏

ويؤكد أمين سر "الحملة" هشام طبارة من منظمة شباب الاتحاد الذي يرأسه الوزير السابق عبد الرحيم مراد أنه ليست المرة الأولى التي تتحرك فيها المنظمات الشبابية الموجودة على الساحة اللبنانية ضد الوصاية الأجنبية، أو التدخل الأجنبي في لبنان، وهي سبق لها أن قامت بنشاطات عدة ضد التدخل الأميركي، وتوجتها بالتظاهرات التي كانت تنّظمها إلى السفارة الاميركية في عوكر رفضاً للقرار 1559.‏

أضاف "هذا التحرك الناشط للقوى الشبابية أخذ "استراحة" في الفترة الأخيرة، وتحديداً بُعيد الانتخابات النيابية وذلك بهدف إعطاء بعض الوقت للراحة السياسية، وضخ المزيد من "الأوكسجين" في صفوف هذه القوى. وجاء التدخل الأميركي الفاضح لا سيما في الأيام الأخيرة، والذي لا يمكن السكوت عنه، فتداعينا إلى إطلاق حملة شبابية لبنانية لرفض الوصاية الأميركية، خصوصاً أن معظم هؤلاء من الشباب الجامعي والثانوي وينتمون إلى مختلف التيارات السياسية، إضافة إلى مستقلين".‏

ولئن كانت "الحملة" قد بدأت بمهرجان خطابي كبير لإعلان انطلاقتها, فإن العبرة تكمن في التحرك في الأيام المقبلة حيث ستقام ندوات ومحاضرات في مختلف المحافظات اللبنانية، وسيكون هناك جدول أعمال كبير مخصص لتسليط الضوء على التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية. ويقول طبارة "ان الهدف من الندوات تبيان خطورة هذا التدخل على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، فأميركا كما بات معروفاً ما دخلت بلداً إلا وأوقعت فيه حروباً أهلية".‏

و"يطمئن" طبارة بأن الحملة ستستمر لوقت طويل "ما دام صراعنا مع الولايات المتحدة قائماً"، لافتاً الانتباه إلى إمكانية "أن نقدم تضحيات كبيرة حتى نقطع دابر هذا التدخل". وغمز من قناة المطالبين بنزع سلاح المقاومة بـ"أن هذا الموضوع لا يعالج الا بالحوار، فضلاً عن أن الوقت غير مناسب للبحث به".‏

حركة الشعب‏

وتشارك "حركة الشعب" التي يرأسها النائب السابق نجاح واكيم في الحملة من موقع "أن لبنان لا يمكن أن يكون ممراً للهجمة الأميركية ضد أي بلد عربي وتحديداً سوريا" على ما يقول احمد أبو هشام الذي يرى في حديث مع "الانتقاد" أن لبنان بات مكشوفاً لجميع التدخلات الأجنبية، ومن بينها التدخل الأميركي عبر سفيرها الذي يجول في كل مكان، ويعطي الأوامر يمنة ويسرة!؟‏

ويستعرض أبو هشام المراحل التي قطعتها "الحملة" في مشاوراتها مع القوى والتيارات السياسية قبل أن تستقر على "بر الأمان"، وكيف أن بعض القوى ومنها "تيار المستقبل"، و"اللقاء الديموقراطي" و"القوات" سعت إلى جعل عنوان هذا التحرك "شماعة" يعلقون عليها انتقاداتهم ضد سوريا قبل أن ينفض عنهم المجتمعون من القوى التي تصنّف عادة في خانة المناهضين للتدخل الأميركي.‏

ولا ينكر أبو هشام التباينات السياسية القائمة بين "حركة الشعب" وبعض القوى الحزبية المنضوية في الحملة، ولكن "ما يجمعنا هو رفض التدخل الأميركي، وان لبنان وطن عربي حر مستقل".‏

"الديموقراطي اللبناني"‏

ويرفض أمين سر منظمة اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني عربي العنداري مجرد ذكر أسماء الأحزاب التي خرجت عن هذا "الإجماع الوطني" في اشارة منه إلى أن هذه القوى غدت معروفة للقاصي والداني في توجهاتها السياسية.‏

ووفق رؤيته السياسية التي يتمسك بها فإن التدخل الأميركي لم يكن وليد ما بعد 14 شباط (يوم اغتيال الرئيس الحريري) إنما لاحت بشائره منذ مطلع التسعينيات، وتكرّس بشكل كبير بعد حادثة 11 أيلول "لكي يشن حملته على المنطقة بدءاً من أفغانستان إلى العراق ففلسطين وصولا إلى لبنان وسوريا"، وباعتقاده ـ كما الآخرين ـ أن لبنان بات مكشوفاً، وان لا "ستار" يقيه من أي تدخلات سوى "أن نرفع الصوت عالياً ضد هذا المشروع الأميركي الآتي إلى المنطقة".‏

و بعيداً عن "المجاملات" التي تفرضها عادة بعض الاعتبارات، يستغرب العنداري بعض الحجج التي قدمتها بعض القوى السياسية للخروج عن هذا الإجماع الوطني من قبيل القول ان تدخل السفير الأميركي جاء من باب إسداء بعض النصائح للبنانيين في شؤونهم الداخلية، وبالتالي نحن أحرار في أخذها أو عدمه! ما يعني أن مشكلتنا تقوم اليوم حول ما هو مفهومنا للوصاية الدولية.‏

ويخلص العنداري إلى القول "ان الهدف من هذه الحملة هو إيصال رسالتين: واحدة للداخل، تؤكد أن التدخل الأميركي لا يمكن أن يمر مرور الكرام. والثانية للخارج وتريد إفهامه بأننا لسنا متشدقين بالديموقراطية الأميركية، ونطالبه أن يرفع وصايته عنا لأننا واعون لمخططه ومشروعه التدميري، وأولى بشائره التفجيرات والاغتيالات التي تضرب لبنان اليوم".‏

الحزب القومي‏

الفرز السياسي التي تعيشه البلاد على خلفية الكلام عن المقاومة وسلاحها، فضلا عن الكلام الدائر حول جدوى تشكيل المحكمة الدولية بدا مقلقاً بالنسبة لعميد التربية والشباب في الحزب السوري القومي الاجتماعي صبحي ياغي الذي رفع شعاراً واحداً لا يقبل التأويل وهو "من هو ضد أميركا يمشي معنا.. ونقطة على السطر". بهذه العبارة المقتضبة أراد ياغي إيصال رسالة إلى من يهمهم الأمر، وتحديداً "إلى من يعتبر الأميركي من أهل البيت .. ولا يعترف بالعداء له".‏

يقول ياغي "نحن تأخرنا في إطلاق الحملة، كان من المفترض أن نعبئ الشارع قبل الآن، لأننا قادمون على معركة مفتوحة مع المشروع الأميركي". ويعتقد ياغي أن الحملة لن تتوقف عند الندوات والاعتصامات بل ستكون تصاعدية، وصولا إلى قطع الطريق على السفير الأميركي في جولاته المكوكية على القرى والبلدات تحت عناوين اجتماعية واقتصادية وتربوية.‏

وخاطب ياغي من أسماهم بالحياديين بالقول "إن أميركا تعمل لمصلحتها، وتجربتها في هذا البلد خير دليل على ذلك"، واضعاً أمامهم معادلة بسيطة قوامها "معاداة أميركا أربح من صداقتها".‏

تيار المردة‏

ووفق منطق تيار "المردة" فإن لـ"السيادة" تعريف واحد موّحد "أن يكون القرار السياسي ذا بعد داخلي"، وهو تعريف بدا منقوصاً لدى من يسمّون أنفسهم بالسياديين على حد قول مسؤول الشباب فيها سليمان طنوس فرنجية، الذي يضيف "من الطبيعي أن لا يرتبطوا معنا في الحملة ضد التدخل الأميركي.. فمن شأن ذلك أن نقطع بأرزاقهم".‏

وبرأيه إذا ما أقررنا بأن القرار السياسي يجري طهيه اليوم في المطبخ الأميركي والفرنسي فإننا مدعوون كقوى وطنية إلى اعتماد أسلوب أكثر وضوحاً وفعالية لجبه هذا التدخل، بعيداً عن الأسلوب الذي كان سائداً في الفترة التي سبقت الانسحاب السوري من لبنان، وذلك ربطاً بالمتغيرات السياسية التي تشهدها البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويعطي مثالاً على ذلك ان التيار العوني برغم التباينات السياسية القائمة فيما بيننا، لا سيما فيما خص المرحلة التي كان فيها السوري، إلا أن هذا لا يمنع من الاستفادة من طاقته وشفافيته في العمل السياسي وذلك بعيداً عن إثارة بعض الشعارات المثيرة للحساسية من جانبه. ويورد مثالاً آخر عن كيفية استخدام التكتيك السياسي المراد اعتماده في هذه المرحلة الصعبة بالقول من المستفيد من مقتل النائب جبران تويني.. طبعاً من يريدون انشاء المحكمة الدولية.. وكقوى سياسية يفترض بنا أن نثير هذا الموضوع بطريقة حضارية لا تستثير الرأي العام اللبناني، أو نذكّره باللغة الخشبية التي كانت سائدة في الفترات الماضية.‏

حسين عوّاد‏

2006-10-30