ارشيف من : 2005-2008
بلدة حزرتا تعوم على بحر من المياه الجوفية.. ولكنها عطشى: مياه النبع سُرقت أم جفت؟!
الانتقاد/ العدد 1141 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005
بلدة حزرتا البقاعية التي تربض على السفح الشرقي لجبل صنين فوق خزانات جوفية تغذي ينابيع لبنان، تعاني العطش! هذا الواقع بدأت ملامحه مع جفاف "نبع الطاقة" الذي يغذي البلدة للمرة الأولى في سابقة لم يشهد الأهالي مثيلاً لها ولم يسمعوا تاريخياً بأن هذا النبع سبق أن جفت مياهه.. الأهالي خصوصاً المزارعين منهم داهمهم الخوف المجبول بالتساؤلات المريبة التي تجاوزت الأسباب الطبيعية و"الاحتباس الحراري" وقلة سقوط الثلوج والأمطار خلال السنوات الماضية، لتصل إلى ما يشبه اليقين بأن يداً ما امتدت لتسرق مياههم. البلدية بدورها توصلت إلى نتيجة مشابهة بعد إجرائها مسحاً شاملاً لمنطقة الينابيع، فتبين لها وجود منشآت ومخالفات وآبار تخص شركة مياه الريم المعدنية، ولكن الشركة تنفي أن يكون لها علاقة بجفاف مياه النبع.
الأهالي هالتهم صدمة العطش لأنهم يعومون كما يقولون على بحر من المياه، ولهذا السبب توجهت شكوكهم إلى أسباب غير طبيعية تحكم هذه الظاهرة، وإلى شركة مياه معدنية في منطقتهم العقارية تستهدف ـ حسب ما يقولون ـ الاستيلاء على حقوقهم. يقول المواطن عباس أبو حمدان: "إن الاستيلاء على مصادر المياه يهدف إلى تهجيرنا".. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إنما هناك سرقة مزدوجة، حيث تقرّ الشركة بأن لديها فقط ثلاثة إنشات من المياه، بينما غسيل القناني يحتاج إلى أكثر من ذلك.. إنها المرّة الأولى التي تجف فيها المجاري المائية والينابيع.. هناك عشرات الإنشات من المياه تسرق من باطن الأرض"!.
ويعتقد إمام البلدة الشيخ عباس الجوهري "أن مياه حزّرتا تُسرق أمام عيون أهالي البلدة، وهذا أمر لا يجوز لا قانوناً ولا شرعاً. كيف تحوّل المياه إلى أنفاق من دون مسوّغ شرعي! وهذه المياه من حق الدولة، ومن واجبها أن تعيدها إلى أهلها".
ويشير الشيخ الجوهري إلى أنه "إذا تقاعست الدولة عن واجبها فإن أهالي البلدة العطاشى لن يتقاعسوا عن المطالبة بحقوقهم"، معتبراً أن من "يقطع الماء عن حزّرتا لا يريد لها الحياة".
وناشد الشيخ الجوهري نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ومطران زحلة أندريه حداد وكل المراجع الدينية التحرك من أجل إعادة حق أهالي حزّرتا بمياههم.
نائب رئيس بلدية حزرتا المهندس علي رشيد أحمد شرح لـ"الانتقاد" سبب جفاف "نبع الطاقة" والإجراءات التي اتخذتها البلدية المستحدثة عام ألفين وأربعة، فأشار إلى أن المشكلة بدأت قبل استحداث البلدية، وأن هناك العديد من المخالفات، وقال: "بعد عدة شكاوى من الأهالي بعد ظاهرة جفاف النبع، وبما أن شركة الريم لتعبئة المياه تقع في منطقة حزّرتا العقارية من ناحية جبل صنين، قامت البلدية بإجراء كشف ومسح شامل للمنطقة. بداية تفاجأنا بمنشأ فوق المعمل المذكور، وفوق مجمع مياه البردوني الذي يروي مدينة زحلة وضواحيها من مياه الشفة. هذا المنشأ لا تقل مساحته عن ثلاثة آلاف متر مربع في سفوح صنين، وهو يحتوي على أنفاق يصل عمقها إلى خمسمئة متر داخل هذا الجبل وتصل إلى الخزانات الجوفية"..
وتابع المهندس أحمد: "هذه الخزانات حسب تقارير خبراء إيطاليين وألمان تغذي ينابيع لبنان بأسره، وهو ما يجعل المشكلة تتجاوز بلدة حزرتا، خصوصاً أن هذه الآبار من شأنها أن تهدد مستقبلاً بجفاف الخزانات الجوفية للبنان بشكل عام. وأكثر من ذلك، كل هذه المنشآت أقيمت بشكل غير قانوني ومن دون تراخيص، وقد تسلّح صاحب الشركة منذ مدة بمرسوم جمهوري لاستملاك بعض العقارات العامة!
وأضاف: "يعمد صاحب الشركة منذ فترة طويلة إلى شراء عقارات وأراضٍ وبيوت في منطقة حزّرتا العقارية بحجة إنشاء محميّة، وقد تجاوزت المساحة المشتراة أو الموضوع اليد عليها مليوني متر مربع حالت مقبرة البلدة دون استكمال عملية الشراء!
أبو حمدان
بدوره رئيس البلدية أحمد أبو حمدان أكد أن صاحب الشركة حاول المساومة على شراء المقبرة أيضاً لضمها إلى أملاكه، وقال: "قامت البلدية بإجراء مسح لأراضي البلدة بعد استحداثها، وجرى الكشف على تعديات ومنشآت تقام فوق الينابيع التي تغذي البلدة كـ"نبع الصيفي" و"نبع الطاقة" و"نبع البردوني" في أملاك حكومية. وقد وجهنا طلبات رسمية إلى المحافظ وإلى صاحب الشركة لإجراء كشف ميداني على الأعمال التي يقوم بها الأخير، إلاّ أننا منعنا. وفي المرّة الثانية عاودنا الكرة وتوجهنا إلى الشركة وكان الباب مفتوحاً، وفي الداخل دورية من مخفر زحلة فانتهزنا الفرصة وشاهدنا أعمال البناء التي كانت تقوم بها الشركة، وقمنا بتصوير الأعمال المخالفة على الهاتف".
وأضاف رئيس البلدية: "كما علمنا فإن أكثر من مئتي بئر ارتوازية عمودية وأفقية قد حفرت في المكان. وتشير الصور إلى محاولة لتغطية هذه الآبار وردمها! وقد قُدمت أربع طلبات مسح للكشف على التعدي ولم يتمكن المهندس من إجرائها، إضافة إلى المخالفات المذكورة أعلاه وشراء الأراضي ـ مليوني متر مربع ـ قام صاحب الشركة بجرف الجبل ليشكل "مدرجاً"، ولم يعرف الهدف من ذلك!
وقال أبو حمدان: "راجعنا المحافظ ووزارة الطاقة وطلبنا من مكتب المساحة في زحلة الكشف، ولكنه رفض وتمنّع، وتبين بعد المتابعة أن أحد الطلبات التي قُدمت إلى مديرية المساحة موجود عند صاحب الشركة"!
وأشار رئيس بلدية حزرتا إلى تدخلات سياسية تمنع تطبيق القانون وقال: "يبدو أن القانون لا يسري في هذا البلد إلاّ على الفقراء.. مشاريع تنشأ وخطط ترسم من دون أن يجرؤ أحد على كشف ذلك. وأكثر من هذا كان هناك تدخلات من وزارة الداخلية في الحكومة السابقة ومن بعض الوزراء والنواب والشخصيات حتى لا يُتعرض لمشاريع شركة المياه هذه! ولا يقتصر الأمر على هذا الحد، بل إن الشركة تمنعنا من الكشف على التجهيزات والإنشاءات واستيفاء الرسوم القانونية التي تبلغ مئتين واثني عشر مليوناً وخمسمئة ألف ليرة، ويفاوضوننا ليدفعوا فقط ثمانية ملايين ليرة!!
وفي موضوع استملاك الأراضي الحكومية يوضح أبو حمدان أنه "صدر مرسوم جمهوري تحت الرقم 15596 بتاريخ 29/10/2005 في الجريدة الرسمية العدد 50 تاريخ 10/11/2005، ويتضمن بيع العقارين 1363 و1364 من منطقة حزّرتا العقارية من شركة ريم للمياه المعدنية الطبيعية ش.م.ل. ويشير المرسوم إلى أنه بناءً على إحالة رئيس فرع التنظيم المدني بإحالته رقم 621/1 تاريخ 2/9/1999 المتضمن أن كلاً من الفضلتين موضوع الشراء غير صالح للبناء".. يقول أبو حمدان إن هذا المرسوم لم يلحظ طبيعة العقارين بأن أحدهما مبني لمصلحة الشركة المذكورة على العقار 1363 من منطقة حزّرتا العقارية، وقد أُنجز منذ أكثر من ثلاث سنوات بشكل غير قانوني ومن دون ترخيص، وقد تقدمنا بطلب وضع إشارة مخالفة على العقار بواسطة محافظ البقاع تحت رقم 3740/ب تاريخ 26/11/2005 رقم سجل 1874".
ويشير رئيس البلدية إلى مخالفات أخرى في ما يتعلق بتحديد مجرى المياه الشتوي الواقع بين العقارات 708 و646 و324 في منطقة حزّرتا العقارية، ولتنظيف المجاري المائية قبل حلول الشتاء بناءً على تعميم وزارة الطاقة والمياه رقم 612/ص، والطريق الفرعية الواقعة بين العقارين 917 و769 منطقة حزّرتا العقارية، مؤكداً أنه لم يُستجب لهذا المطلب من قبل الشركة المذكورة.
بعقليني
من ناحيته نفى صاحب شركة الريم للمياه المعدنية مرشد البعقليني بشدة اتهامات الأهالي وبلدية حزرتا وقال لـ"الانتقاد" بشيء من الحدة: "إن ما قيل هو كذب وتدجيل ولا صحة له، لأن شركة ريم تعتمد على مصادر مياهها من نبعها الخاص الذي يقع في خراج بلدة حزرتا، وهي عقارات مملوكة من جانب الشركة". كما نفى أن يكون هناك أي رابط بين النبع المشار إليه والينابيع الأخرى"، لافتاً إلى أن المسافة الفاصلة بين نبع الشركة و"نبعي الطاقة والشلوق" لا تقل عن ستة كيلومترات، وبالتالي لا تأثيرات جانبية على مياه هذه الينابيع".
وتابع: "إن الحملة التي يشنها رئيس بلدية حزرتا وآخرها قيام تظاهرة في 29/ 11/ 2005 هي محض افتراء، الهدف منها الابتزاز المالي فقط".
ورداً على سؤال حول عدم سماحه للبلدية بالكشف على منشآت الشركة قال: "لا يحق لأحد الكشف على منشآتنا سوى وزارة الطاقة، وذلك عملا بالقوانين المرعية الإجراء". كما استغرب البعقليني الكلام الذي سيق ضده بأن عملية الشراء التي قام بها في بلدة حزرتا حالت دون استكمالها المقبرة الموجودة هناك، متسائلا باستغراب عن أي مقبرة هذه التي يتحدثون عنها، هذا كلام غير صحيح"!..
وأضاف: "إن الأراضي التي جرى شراؤها كانت بهدف الحفاظ على البيئة، ولمنع المياه من التلوث". مشيراً إلى أن الشركة عملت على زرع ما يقرب من مئة ألف غرسة أرز، عدا عن اللزاب والسنديان وخوخ الدب.
أما بالنسبة الى ما قيل عن آبار ارتوازية، فنفى البعقليني حفر مثل هذه الآبار، مؤكداً أن لدى الشركة موردا واحدا لمياهها، هو النبع الواقع في خراج بلد حزرتا.
وإذ يلفت إلى أنه رفع دعوى جزائية ضد رئيس البلدية أحمد أبو حمدان بتهمة التشهير به، شدد على أن شركة ريم تخضع للقوانين المرعية الإجراء، وأن القيمة التأجيرية التي يجب عليه دفعها بحسب ما نص عليه قانون البلديات هو بواقع 8.5%، أي ما يوازي 12.648 مليون ليرة, وليس كما يقول رئيس بلدية حزرتا 212 مليون ليرة!
عصام البستاني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018