ارشيف من : 2005-2008

"هدية" خدام في لحظة برزخية إقليمياً ودولياً:رياح التجاذبات الدولية تنعش آمال الأغلبية.. فماذا لو غيرت اتجاهها!

"هدية" خدام في لحظة برزخية إقليمياً ودولياً:رياح التجاذبات الدولية تنعش آمال الأغلبية.. فماذا لو غيرت اتجاهها!

تلقفت الأغلبية الحاكمة تصريحات النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام عبر إحدى الفضائيات، تلقف الطفل لهدية الميلاد بفرح شديد، حتى ولو كانت فارغة ويقتصر محتواها على الورق البراق الذي يجذب الناظرين إليها! هذه "الهدية" جاءت في توقيت دقيق وحساس لهذه القوى بعد سلسلة من الأخطاء المتراكمة وإحساس بالعجز عن المضي قدماً في دفع أشرعة مشروعها التغييري لقلب الموازين الداخلية بواسطة رياح الوصاية والتدويل.‏

بدا واضحاً عشية نهاية العام 2005، أن تراجعاً كبيراً سجلته قوى الأغلبية الحاكمة في تحقيق أهدافها، وأن لائحة الأهداف لم تكتمل بعد، ويحول دون تحقيقها معطيات سياسية عدة، أبرزها التصدعات العنيفة التي أصابت تحقيق رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ديتليف ميليس، و"تنحي أو تنحية" الأخير عن متابعة مهامه، ونتائج مداولات مجلس الأمن لتقرير ميليس الثاني، وصدور القرار 1646 خالياً من العقوبات ضد سوريا، وعدم توسيع مهام لجنة التحقيق وإبقاء مسألة تشكيل محكمة ذات طابع دولي رهن المشاورات بين الحكومة اللبنانية والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان نتيجة دور فاعل لقوى دولية فرملت اندفاع الضغوط ضد سوريا.‏

هذا الواقع المخيب سيطر على هذه القوى التي كانت تتحفز للتقدم في تفعيل تحركها منذ لحظة اغتيال النائب جبران تويني للمضي قدما في مهاجمة سوريا، لكن الرياح الدولية هذه المرة جرت بما لا تشتهيه هذه القوى وفي لحظة انتقالية حساسة!‏

وقد جاءت تصريحات خدام ومواقفه المناوئة للقيادة السورية الحالية في ظل الظروف التالية:‏

ـ بعد مداولات مجلس الأمن الدولي من تجاذب قوى دولية أنتج القرار 1646.‏

ـ الحديث عن تجاذبات بدأت كواليس واشنطن وباريس تضج بها تتمحور حول خلافات فرنسية ـ أميركية حيال التعاطي مع دمشق.‏

ـ تصاعد التسريبات عن تسويات أميركية محتملة واعتراضات فرنسية عليها، وعدم استبعاد التحليلات أن يكون لفرنسا دور ما في تحريك هذه الورقة الاعتراضية لإيجاد معطيات جديدة توفر وقوداً للمرحلة المقبلة.‏

ـ مرحلة برزخية يمر فيها التحقيق الدولي بين انتهاء مهام ميليس في لجنة التحقيق الدولية والتكليف الرسمي للرئيس الجديد للجنة التحقيق سيرج براميرتس.‏

وانطلاقا من هذه المعطيات التي تبدو فيها المعطيات الدولية محتدمة إلى حد كبير، وربما تتبلور معالمها في المقبل من الأيام، وجدت الأغلبية الحاكمة نفسها مرة جديدة أمام فرصة جديدة لا بد من استغلالها على أكثر من صعيد قبل انقضائها أو ظهور معطيات مستجدة قد تلغي مفاعيلها، فكان التلقف السريع ومحاولة الاستفادة منه على أكثر من وجه:‏

الوجه القضائي‏

ـ اعتبار قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دخلت منعطفاً حاسماً بعد تصريحات خدام نظراً لما كان يمثله من موقع في القيادة السورية.‏

ـ التركيز على أن القيادة السورية تسعى إلى تجهيل الفاعل والنيل من صدقية التحقيق الدولي.‏

ـ الاستناد إلى مسارعة لجنة التحقيق الدولية طلب مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع بعد تصريحات خدام، وطلب إدخال الأخير كشاهد ملك في التحقيق.‏

ـ إعادة الهيبة والمصداقية لتقريري ميليس الأول والثاني ونفي التسييس عنهما.‏

ـ تأكيد ضلوع النظام الأمني السوري اللبناني المشترك في جريمة الاغتيال.‏

ـ اتهام الرئيس لحود بأنه "شريك في الجريمة ويترتب عليه تبعات جزائية"، بعد اتهام خدام له بأنه محرض أساسي مع أركان النظام الأمني.‏

الوجه السياسي‏

ـ إعادة استهداف موقع رئاسة الجمهورية واعتبار "حل هذه المشكلة أولوية على كل ما عداه".‏

ـ اعتبار التمديد عملاً باطلاً من وجهة نظر القانون والدستور، ويستوجب اعتباره بحكم اللاغي استناداً إلى "الأدلة والوقائع المثبتة" بأقوال خدام، بأن قرار التمديد هو قرار سوري اتخذه الرئيس السوري وفرضه بالإكراه والتهديد الصريح.‏

ـ إدراج موضوع رئاسة الجمهورية ضمن الحوار المنشود، إضافة إلى المسائل المهمة التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مبادرته الحوارية.‏

ـ الإمعان في حشر حلفاء دمشق ومطالبتهم بموقف من القيادة السورية على وقع تصريحات خدام الذي كان يتحكم بالملف اللبناني، ومعظم الأغلبية الحاكمة حالياً كانت تعتبره عرّابها في دمشق وتتغنى بعلاقاتها المميزة معه طول مدة توليه مسؤولية هذا الملف.‏

وهنا، من نافل القول ان ظهور خدام بالصورة التي جاء عليها ليس إلا انعكاساً للتجاذب الدولي المحتدم حول تحقيق مصالحه في المنطقة، بعيداً عن المصلحة اللبنانية أو السورية.. ومسارعة الأغلبية الحاكمة مرة أخرى إلى السير في ظلال الرياح الدولية العاتية قد يعرضها لمخاطر كبيرة إذا ما تغير اتجاه هذه الرياح، كما حصل مؤخراً في مجلس الأمن الدولي مع القرار 1646، خصوصاً أن هناك حسابات كبيرة قد تتجاوز الأطراف اللبنانية، واستخدام مثل هذه الورقة قد يكون سيفاً ذا حدين، خصوصاً أن صاحبها كان لاعباً بارزاً في صنع الأحداث اللبنانية التي ما زال اللبنانيون يعيشون تداعياتها وتجاذباتها.‏

سعد حميه‏

الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30