ارشيف من : 2005-2008

تحقيق

تحقيق

شتلة التبغ المرّة رمز للتنمية بعد

الصمود:الإهمال الرسمي يهدد بانحسارها والمزارعون يرفعون صوتهم

كتب محمد جعفر

    لطالما ارتبطت شتلة التبغ بصمود الجنوبي إبان الاحتلال

الإسرائيلي، وأخذ دعم هذه الزراعة بعداً مقاوماً، فتحولت إلى قيمة ترتبط بثقافة

المقاومة والصمود. وبعد دحر العدو وتحرير الأرض توسعت مساحات الأراضي التي تزرع

بهذه النبتة، لكن الاهتمام الرسمي بهذا الزراعة سجل تراجعاً، اذ يقتصر على الوعود

التي لم تترجم عملياً بتحقيق المطالب الملحة للمزارعين من زيادة لعدد الرخص وزيادة

الأسعار للكيلو غرام الواحد، إضافة إلى ضم هؤلاء المزارعين إلى الضمان الاجتماعي.

وتعطي هذه المطالب المحقة للمزارعين سواء في الجنوب أو البقاع أو مناطق الشمال

لشتلة التبغ قيمة أخرى تضاف إلى قيمة الصمود والمقاومة، وهي قيمة "التنمية" لما

لتطور هذه الزراعة من انعكاس على الدورة الاقتصادية للمزارع، لا سيما في هذه الظروف

الاقتصادية الصعبة، وتثبيته في أرضه قرب الحدود المحاذية لفلسطين المحتلة أو لقرى

الأطراف الفقيرة التي توفر للمزارع مورداً دائماً للبقاء فيها.

    خمس سنوات مضت على تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي وشتلة

التبغ الجنوبية ما زالت مؤشرا على امكانية صمود المواطن وتعزيز قدراته الإنتاجية،

وعلى مستوى التطور الاقتصادي وتغطية الحاجات اليومية المختلفة لأكثر من أربعمئة ألف

مواطن يعتاشون بشكل رئيسي من هذه الزراعة التي تشكل الخبز اليومي للقطاع الذي شكل

الغطاء الشرعي لمن كانت من أجلهم المقاومة. الا ان الصرخة التي عادت لتسمع مجددا

على ألسنة المزارعين مع بدء تسلم محاصيلهم هي نفسها التي كانت تسمع حتى في ظل

الاحتلال الاسرائيلي، فالمزارع الذي يقف أمام بالات التبغ "جنى العمر" وعائلته يسأل

بحسرة: لماذا لم تبادر ادارة حصر التبغ والتنباك "الريجي" الى رفع اسعار التبغ

وتصريف الانتاج وزيادة الرخص، او على الاقل ادخال المزارعين في الضمان الصحي

والاجتماعي حتى يتمكن من ازاحة شبح الخوف على مصير أطفاله امام اول ازمة صحية..

العائلة بمجملها تحصد نتاج سهرها وزرعها لهذه الشتلة المرة ثم تدفع بها الى ادارة

الريجي كي تستلمها في ستة مراكز جنوبية هي: النبطية، طير حرفا، تبنين، الصوانة،

عيثا الشعب، رميش، عيثرون، وبنت جبيل.

    الأسعار على حالها، وهي لم تكن لترضي المزارعين، حيث بلغ السعر

الوسطي للكيلو غرام الواحد من التبغ 11550 ليرة لبنانية، فيما بلغ سعر الكيلوغرام

الجيد 15950 ليرة لبنانية، بينما أعطيت 4500 ليرة لبنانية للصنف المتدني من التبغ،

ما يدل على بقاء الاسعار على حالها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

    وبرغم تاريخية هذه الزراعة في منطقة الجنوب إلى جانب زراعات

أخرى، إلا أن زراعة التبغ هي الأشهر، حيث يعتمد عليها في معيشتهم وحياتهم عدد كبير

من الاهالي والمزارعين في اكثر من 188 قرية، وتشتغل فيها آلاف العائلات بمعدل انتاج

سنوي تزيد كميته في بعض الاحيان على 5.200.000 كلغ، ما يجعل المنطقة الاكثر انتاجا

في لبنان.

    هذا الانتاج معرض اليوم للاهتزاز نتيجة الاهمال الرسمي اللاحق

بهذا القطاع وبشؤون العاملين فيه، سواء على صعيد تحديد سقف الانتاج والرخص،

وبالتالي حرمان الكثيرين من زيادة انتاجهم ومواردهم التي تتراجع نتيجة ارتفاع كلفة

الانتاج، او على صعيد عدم توفير ضمانات صحية مناسبة أسوة بالقطاعات العاملة الاخرى.


    يعود تاريخ هذه الزراعة الى اكثر من 420 عاما، عندما دخلت الى

لبنان في عهد الامير فخر الدين المعني الثاني سنة 1625م من أوروبا التي انتقلت

اليها من موطن التبغ الاصلي أميركا. وكانت زراعة التبغ قبل تأسيس شركة "مونوبول"

الفرنسية في لبنان وسوريا عام 1935 تنقسم الى نظامين مختلفين: نظام الزراعة الحرة

في متصرفية جبل لبنان، ونظام الحصر العثماني في الولاية. وقد بدأ العمل بنظام

الترخيص في لبنان وسوريا عام 1936، غير ان اهالي منطقة بنت جبيل التي تعتبر من اكثر

المناطق زراعة للتبغ، لم ينتظروا كثيرا للاحتجاج على الشركة الاحتكارية التي تولّت

حصريا هذه الزراعة، على خلفية سيطرة كبار المزارعين من العائلات ـ التقليدية

والاقطاعية ـ على الرخص الممنوحة لهم في معظمها، والتي كانت تمتلك المئات منها

تجيّرها لمصلحتها سياسيا، فضلا عن هيمنة المخمّنين والمراقبين وإدارة الظهر

للمزارع.

    هذه الزراعة المجبولة بعرق الفلاحين ودمائهم تدهورت إبان الحرب

الأهلية اللبنانية وتراجع انتاجها الى مئتي ألف كيلو غرام، بعدما كان قبل عام 1975

قد وصل الى نحو عشرة ملايين كيلو غرام. بعد سنة 1993 أُعيدت عملية توزيع الرخص من

قبل ادارة حصر التبغ والتنباك "الريجي"، لكن هذه العملية قوبلت برفض وملاحظات حامية

من المزارعين الذين حرم بعضهم من الرخص. كما صدرت سلسلة اعتراضات على الطريقة التي

جرت فيها عملية التوزيع.

    وفي هذا الاطار تظهر إحصائية رسمية لإدارة الريجي أن عدد الرخص

بلغ اليوم حوالى ستة آلاف رخصة موزعة في مناطق الجنوب.

وثمة مخاوف عديدة لدى المزارعين من أن عدم الاهتمام بهذه الزراعة وعدم زيادة الرخص

إضافة إلى تثبيت الأسعار، قد يدفع البعض للتخلي عن هذه الزراعة.

    المزارع علي سويدان من بلدة ياطر قال إن أرضه التي تنتج سنويا

(600) كغم تقريبا، لا تسمح ادارة الريجي باستلامها كلها، لأن الرخصة الممنوحة تحدد

لنا الكمية بـ(400) كغم فقط، والباقي يُتلف!

    أضاف: "نحن المزارعين في قضاء بنت جبيل نرفع صوتنا عاليا ليسمعه

كل المعنيين، فتقدم المستوى المعيشي للأهالي يقوم على الانتاج الزراعي وجهد

الفلاحين، وإذا تعرض هذا القطاع للإهمال وعدم رفع سعر الشراء وتحديد كمية الإنتاج،

فإن اقتصاد الناس سيسقط في ظل الأعباء المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد".

    ولفت الى "أن التبغ لم يكن يعرف انتاجا قويا الا بعد تحرير

الجنوب في العام 2000، حيث استطعنا ان نزرع الارض بسهولة وأمان، لتشهد منطقتنا

انتاجا كثيفا".

    وقال: "نحن بحاجة الى المساعدة لتصريفه.. لماذا عدم اقرار قانون

الضمان الصحي للمزارعين، علما بأن المسؤولين وعدوا به مرارا وتكرارا، وهو يساعد

المزارع على البقاء في مستوى معيشي جيد! الرخص لم تعد تكفي جميع افراد أسرتي، ومع

وقف منحها مجددا فإنهم سيصبحون بلا عمل"!..

    وحذر المزارع أحمد يوسف من بلدة طير حرفا الحدودية من انصراف

عدد من المزارعين عن هذه الزراعة الرئيسية في الجنوب بسبب الإهمال الرسمي لها وعدم

دعمها ورعايتها، الامر الذي ادى الى ازمة بطالة في صفوف المزارعين طاولت 25 في

المئة منهم.

    وقال: "إن الواجب الوطني يحتم على المسؤولين ان يعيدوا النظر في

السياسة الاقتصادية المعتمدة حيال المنطقة الحدودية التي انسحب منها العدو الصهيوني

منذ خمس سنوات، وبالتالي اعتماد سياسة دعم جديدة تستند على قاعدة دعم هذه الزراعة

بما يؤدي حتما الى عودة الناس الى أرضهم كي يساهموا في البقاء والتطور والاستثمار..

وهكذا تكون التنمية الحقيقية لما بعد التحرير. على إدارة الريجي تحمل مسؤولياتها في

هذا الاطار، وفي مقدمها رفع اسعار التبغ وإدخال المواطنين في الضمان الصحي

والاجتماعي.

 

 توزيع الرخص على قرى الجنوب

البلدة عدد المزارعين

عيترون

828

رميش

781

عيتا الشعب

688

ميس الجبل

379

بليدا

219

زوطر الشرقية

178

كفر تبنيت

178

دبل

143

أرنون

37

زوطر الغربية

166

قعقعية الجسر

87

يحمر

98

الظهيرة

118

رامية

156

مارون الراس

109

يارون

99

 

توزيع الرخص في لبنان

المحافظة عدد القرى عدد المزارعين كميات الانتاج النوع
الجنوب 188 قرية 16.000 عائلة 5.200.000 كلغ شرقي (سعدى6) ممتاز
البقاع 115 قرية 5.800 عائلة 1.800.000 كلغ "متوسط"

الشمال 84 قرية 5.100 عائلة 1.600.000 كلغ  تنباك عبدل


الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006


 

2006-10-30