ارشيف من : 2005-2008
بلدة تمنين الفوقا تشق الطريق الصعب نحو الإنماء:طموحات كبيرة تقيدها إمكانيات متواضعة وإهمال مزمن
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006
بلدة تمنين الفوقا تشق طريقها نحو الإنماء بعد إهمال طويل طالها كما طال القرى المجاورة لها في منطقة البقاع. شوارع البلدة وبناها التحتية تشهد تحسناً ملحوظاً، إلا أنه يبقى دون طموحات الأهالي ـ والمجلس البلدي ـ الذين يطمحون لأخذ موقع على الخارطة السياحية اللبنانية، وخصوصاً أن البلدة تمتلك آثاراً تاريخية مهمة تعود للعصر الروماني، وهي إذا ما استثمرت وأعيد تأهيلها يمكن أن توفر لها موارد إضافية.
تقع بلدة تمنين الفوقا في وادٍ جميل على سفح السلسلة الغربية لجبال لبنان، ويبلغ عدد سكانها نحو خمسة آلاف نسمة. يعتمد غالبية السكان على الزراعة حيث تنتشر أشجار الكرز والعنب واللوز والمشمش وبعض الزراعات الموسمية في الجرد والسهل.
يلحظ أهالي البلدة مظاهر الإنماء التي تبدأ من جدران الدعم إلى الأقنية على جانب الطرقات الرئيسة فيها و"تزفيت" الطرقات وتأهيل شبكة مياه الشفة أو تأهيل شبكة المجاري الصحية في النطاق البلدي، ولكن إمكانية الانخراط في مزيد من المشاريع تبقى رهن الموارد المتاحة للبلدية، وهنا تكمن المشكلة لدى معظم البلديات لا سيما البلديات الصغيرة التي تعاني أصلاً من شح في الموارد.
مظاهر هذا الإنماء بعد عام من عمر البلدية الجديدة تشير إلى أن المجلس البلدي تمكن من وضع البلدة على سكة الانطلاق باتجاه تحسين الواقع الإنمائي، وساعد في ذلك التفاف أهالي البلدة حول المجلس الذي أعطوه ثقتهم. التعاطي الإيجابي المتبادل مكّن أيضاً البلدية من الانطلاق بمشاريع إعمارية وإنمائية كانت تفتقر لها البلدة وتنتظرها، وبعض هذه المشاريع كان كحلم كما هو الأمر مع مشروع مياه الشفة في البلدة.
يشرح رئيس المجلس البلدي لتمنين الفوقا حسين جانبين لـ"الانتقاد" معاناة البلدة سابقاً، ويذهب بعيداً في تقليب هذا الواقع محاولاً إظهار الفرق بين الوضع السابق والوضع الحالي ويقول "إن تمنين الفوقا لم تعانِ فقط من الإهمال والحرمان، بل هي لم تر خلال أكثر من عشرين سنة أي شكل من أشكال الاهتمام الرسمي سواء على صعيد البنى التحتية أو على صعيد الخدمات العامة الضرورية لأي بلدة تعيش في دولة محترمة".
ويتابع شرحه متوقفاً عند مشروع مياه الشفة في البلدة ليقول "ان الشبكة التي كانت تروي بعض بيوت القرية من مياه الشفة، هي شبكة قديمة ومهترئة ولم تعد تصلح لإنجاز هذه المهمة، فضلاً عن أنها لا تصل إلى كل الأهالي، وخصوصاً أن البلدة شهدت تمدداً وتوسعاً. البلدية وضعت هذه المشكلة في رأس أولوياتها وعملت على صيانة هذه الشبكة، ومدت خطوطاً جديدة. وقبل أن تتسلم البلدية من مصلحة المياه شبكة المياه، تمكنّا من إنجاز الوصلات المنزلية، ووصلت المياه إلى أغلب بيوت القرية، وحُلت مشكلة مهمة لطالما عانى منها الأهالي وكلفتهم أعباءً مالية".
وأضاف "أما في ما يتعلق بمشكلة الطرقات، فبلدة تمنين الفوقا كانت تعتمد على طريق رئيسية ضيقة "تتحاشر" عليها سيارتان. قامت البلدية بتوسعة طريقها وإنجاز أكثر من ألف وسبعمئة متر من جدران الدعم والزينة، وكان بناء هذه الجدران موضع تقدير من الأهالي الذين يخافون من الانهيارات التي تحصل في الشتاء، وخصوصاً أن البلدة محاطة بالجبال ويمر الطريق في وسطها. وسعت البلدية بالتعاون مع الأهالي إلى توسيع الساحة العامة وجرى تعبيدها. وتستعد البلدية حالياً لإنجاز مشروع حديقة عامة، وهي قيد التنفيذ".
وتابع جانبين "بلدتنا هي بلدة زراعية وتعتمد على الزراعة مورداً رئيسياً في معيشتها، والبلدية تدرك أهمية وصول المزارعين إلى أراضيهم الواقعة غالباً في الجرد بسهولة، فقامت بشقق الطرقات الزراعية و"فرشتها"مع الطرق الزراعية القديمة بـ"الديفينول" لتصل إلى كل الأراضي ما زاد في قيمة هذه الممتلكات".
ويشير رئيس بلدية تمنين الفوقا إلى الاهتمام بالجانب البيئي في نطاق بلديته، وإلى تعاون مع بلدية تمنين التحتا في هذا المجال لحماية مصادر المياه الجوفية.
وقال "لم يكن الاهتمام بنظافة البلدة غائباً، والنفايات كانت تجمع في فترة لا تقل عن ست سنوات، إلا أن تجميعها يهدد بكوارث بيئية. وأقيم سابقاً مكب للنفايات في المرتفعات حيث منابع المياه ومصادر المياه الجوفية الأمر الذي من شأنه تلويث مصادر المياه الجوفية فضلاً عن التشوه البيئي. مؤخراً قامت البلدية بالتعاون مع بلدية تمنين التحتا ونقلت النفايات إلى مكب مشترك لا يتسبب بتلوث في المياه الجوفية، وتسعى البلدية لنقل النفايات المتراكمة من المكب القديم إلى المكب المشترك".
ويلفت جانبين إلى عيوب في تنفيذ شبكات الصرف الصحي التي نفذ جزء منها بشكل عشوائي وجزئي منذ سنوات طوال، وهذه المشكلة تعاني منها قرى كثيرة في البقاع وقال "ضمن المستطاع تعاونت البلدية مع بعض الأهالي لإنشاء شبكات صرف صحي فرعية. وهذه المشكلة تبقى قائمة فهناك الكثير من السكان لم تصلهم الشبكة، وهم مدّوا مجاريهم إلى مجرى المياه الموسمي الذي يخترق تمنين الفوقا وتمنين التحتا بشكل مكشوف، ما يجعل هذا المجرى مصدراً لانبعاث الروائح الكريهة على امتداد المجرى، خصوصاً في فصل الصيف. وأهالي البلدتين المجاورين للمجرى يشكون من انبعاث هذه الروائح فضلاً عن تراكم النفايات وفضلات معامل المخللات التي تصب في المجرى وتزيد من حجم المشكلة.
ويشير رئيس البلدية إلى أن حل هذه المشكلة يحتاج إلى إمكانيات كبيرة تفوق قدرات البلدية، وهي نتيجة ضعف البنى التحتية، وقامت البلدية بمتابعة الأمر مع الوزارة المختصة، وتلقت وعوداً جدّية بحل هذه المشكلة، إضافة إلى إكمال أجزاء أخرى من شبكة المجاري".
أما المشكلة الثانية التي تفوق إمكانيات البلدية ـ يتابع جانبين ـ فهي مشكلة مياه الأمطار، إذ أنّ البلدة تحتوي على عدد كبير من الينابيع التي تفيض على الطرقات التي تحتاج إلى أقنية كبيرة، ونعجز عن تنفيذها، ونقوم بإنشاء أقنية ترابية في بعض الأماكن لتخفيف الخطر. هذه المشكلة تنسحب أيضاً على الطريق الرئيسية التي تربط قرى غربي بعلبك، التي يعمل حالياً على تنفيذها، وقد قامت البلدية بالطلب من الإستشاري رفيق الخوري المشرف على تنفيذ الطريق مراعاة هذا الأمر.
وطالب رئيس البلدية الدولة بالمساعدة على تعبيد الطرقات خصوصاً تلك المحرومة منذ اكثر من عشرين سنة متوقفاً عند طريق الآثار التي تحتاج إلى توسعة إضافية وإكمال تعبيد وجدران دعم.
وقال "الآثار الرومانية تقع في نهاية الوادي الذي تقوم عليه بلدة تمنين الفوقا. والبلدية قامت بتعبيد الجزء الأكبر من الطريق المؤدي إليها على أمل أن نستكمله عندما تتوافر الإمكانيات المادية. إن البلدية تعمل قدر المستطاع لكن مسؤولية الدولة الاهتمام اكثر، وما نطالب به هو الضروري فقط".
ولفت جانبين إلى أن هناك هبة قدرها ثلاثون ألف دولار قدمت لوزارة السياحة لترميم آثار جب الحبش في تمنين الفوقا من الداخل، ولكن حتى الآن لم يصرف أي قرش، علماً أن الآثار هنا تحتاج إلى كل ما تقدم، فضلاً عن الإنارة والترميم والتسويق السياحي لها!.
ويتوقف جانبين عند مشكلة المدرسة الرسمية خصوصاً أنها المدرسة الوحيدة في البلدة، وهي مدرسة متوسطة لا تستوعب طلاب البلدة الذين يتابعون تعليمهم في القرى المجاورة.
وقال "المدرسة بحاجة إلى زيادة غرفها وتغطية ملعبها الشتوي، كما ينقصها الكثير من التجهيزات من معلوماتية ومختبر وما شاكل"، لافتاً إلى أن أهالي البلدة قدموا قطعة أرض منذ أكثر من سبع سنوات إلى وزارة التربية لإقامة ثانوية رسمية، وقد وضع الحجر الأساس منذ خمس سنوات، ولكن ملف المباشرة بالتنفيذ ما زال في الأدراج!".
ويخلص جانبين إلى القول "على الرغم من الجهود التي تبذلها البلدية إلا أن إمكانياتنا محدودة، ويبقى على الدولة القيام بواجباتها خصوصاً في المشاريع الكبيرة التي هي من صلاحياتها. ما نطالب به يقتصر على الضروري فقط وليس أكثر من ذلك".
تحقيق وتصوير: عصام البستاني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018