ارشيف من : 2005-2008

سباق بين التعريب والتغريب لحل الأزمة:الحلول تنتظر بلورة آليات "الإخراج" أو "الإحراج"

سباق بين التعريب والتغريب لحل الأزمة:الحلول تنتظر بلورة آليات "الإخراج" أو "الإحراج"

"الأجواء الإيجابية" التي أحاطت المشاورات والاتصالات لحل أزمة اعتكاف وزراء حزب الله وحركة أمل، حاصرتها الأجواء المتشنجة في لبنان من قبل قوى الموالاة التي ذهبت بعيداً في مواقفها المعترضة على ما أسموه "المفاوضات خارج بيروت" بين تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل برعاية سعودية ـ مصرية. وفيما كان اللبنانيون ينتظرون عودة رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء نبيه بري وفؤاد السنيورة من السعودية لإجراء مزيد من المشاورات لبلورة آلية "الإخراج" أو "الإحراج" للحل، بدا أن قوى التدويل تضغط بقوة على "قوى التعريب" للأزمة اللبنانية للالتفاف على فرص الحل وتقويض التفاهمات التي تحصن الوضع اللبناني وتعيد عجلة الحكومة للدوران مجدداً.‏

بدا واضحاً من تطورات الأحداث خلال الأسبوع المنصرم أن المفاوضات بين تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل لحل أزمة الاعتكاف تحرز تقدماً إيجابياً، خصوصاً مع توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى السعودية واجتماعه برئيس كتلة تيار المستقبل سعد الحريري، ومن ثم توجه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى السعودية أيضاً للقاء الحريري، وقد بقيت التسريبات محافظة على الأجواء الإيجابية.‏

في هذا الوقت كانت الاتصالات العربية تنشط بين القاهرة والرياض، حيث زار الرئيس المصري حسني مبارك الرياض والتقى الملك عبد الله، ثم توجه إلى باريس والتقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وبدا أن تفاهماً مصرياً سعودياً تبلور حيال الوضع السوري بعد تصريحات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام ومبادرة لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لطلب الاستماع إلى الرئيس الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع، وانصبت جهود الرياض والقاهرة على إيجاد مخرج لهذه المسألة، وفي الوقت نفسه تحقيق التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية.‏

وتطورت حركة الاتصالات لتوفد السعودية وزير خارجيتها سعود الفيصل الى دمشق، ثم قيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلى جدة حيث استقبله العاهل السعودي عند سلم الطائرة بحفاوة لافتة.. وكانت أجواء المحادثات إيجابية وتناولت الأوضاع العربية عموماً وتطورات القضية الفلسطينية والعراقية والعلاقات اللبنانية السورية المتوترة، وكانت المواقف متفقة على التعاون بين البلدين بما يحفظ أمنهما واستقرارهما. وأتبع الرئيس الأسد زيارته هذه بزيارة أخرى إلى شرم الشيخ حيث التقى الرئيس مبارك، وكانت الأجواء إيجابية وفي السياق الذي جرت عليه في الرياض.‏

التحركات العربية جاءت تعبيراً عن القلق العميق من حساسية الأوضاع في المنطقة ودقتها، خصوصاً مع تزايد الضغوط على دمشق وتهديد الاستقرار في المنطقة. وبدا واضحاً أن هناك مصلحة مشتركة للقاهرة والرياض في استقرار الحكم في سوريا، وذلك لأسباب ترتبط بالتطورات المحتملة وانعكاساتها السلبية على المنطقة برمتها اذا ما تعرض هذا الاستقرار لأي اختلال.‏

وقد عبرت مصادر سعودية رفيعة المستوى عن استيائها من مطالبة البعض في "الموالاة" في لبنان بتغيير النظام السوري، مشيرة إلى أن هذه الرغبة ليست موجودة حتى عند الفرنسيين أو الأميركيين، وأن المطلوب من دمشق التعاون مع لجنة التحقيق الدولية.‏

وبدا واضحاً أن التحرك العربي يهدف بشكل واضح إلى نزع فتيل الانفجار، خصوصاً بين لبنان وسوريا، ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من مقومات الاستقرار في المنطقة من خلال الفصل بين النظام السوري ومجريات التحقيق الدولي وإمكانية استغلال هذا التحقيق للانقضاض على دمشق لإعادة ترتيب المنطقة وفق الألولويات والمصالح الأميركية دون مراعاة مصالح الشعوب العربية أو حتى أنظمتها.‏

في مقابل الاتصالات العربية كانت قوى التدويل تنشط مستفيدة من بعض المواقف على الساحة المحلية التي رفعت صوتها معترضة على التحركات العربية، واعتبرت أن التوافق السعودي ـ المصري ـ السوري حول الوضع في لبنان يأخذ بوجهة نظر سوريا، ومن شأنه أن يقوّض ما عملت من أجله منذ عام تحت عنوان الحرية والسيادة والاستقلال، ففعّلت خطابها التحريضي والطائفي ضد الأجواء الإيجابية لحل أزمة الاعتكاف، ودفعت مجدداً بالقضايا الخلافية بدءاً من السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، والتشكيك بلبنانية مزارع شبعا، والتشكيك بأهداف المقاومة وارتباطها بمحاور تتجاوز لبنان.‏

ولم تكتفِ هذه القوى بالمواقف، بل عمدت إلى القيام بسلسلة تحركات تؤكد استعدادها مجدداً للانخراط في تحقيق الروزنامة الدولية من خلال المطالبة بتغيير النظام السوري، ومطالبة المعارضة السورية بعدم الخوف من المطالبة بالتدخل الدولي لتحقيق هذا الهدف، والطلب باسم الأكثرية اللبنانية إحداث مثل هذا التغيير لمنع ما يسمونه التدخل وتهديد الاستقرار اللبناني عبر مسلسل الاغتيالات.‏

ونشطت إشارات غزل لافتة بين "اللقاء الديمقراطي" و"التيار الوطني الحر" تولى إطلاقها النائب وليد جنبلاط بعد زيارة السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان إلى المختارة، وأُتبعت بحركة موفدين من قبل الأخير إلى الأرز ثم الرابية وبعض الوزراء في محاولة لإعادة تجميع الصفوف وإيجاد واقع سياسي جديد لا بد من أخذه بعين الاعتبار، ومن شأنه الضغط حتى على حلفاء 14 آذار أنفسهم.‏

وكان لافتاً مواكبة فيلتمان لحركة قوى الموالاة في إعادة تجميع صفوفها وقيامه بسلسلة من الزيارات بدأت من الرابية ثم قصر المختارة وختمها في الأرز ببيان مكتوب أشار فيه بشكل واضح إلى امتعاض واشنطن من التحركات العربية وربما إحراجها، وقال: "إن الولايات المتحدة لا تدعم أي جهود وأي صفقات أو أي وعود تقايض أو تستبدل سيادة لبنان باستقراره من خلال التدخل الخارجي"! وذكّر اللبنانيين بالالتزامات الدولية "التي يجب أن تنفذ"، في إشارة إلى القرار 1559.. وأكد أن "الولايات المتحدة تتوقع من سوريا التنفيذ الكامل لالتزاماتها الدولية، ومن ضمنها الالتزامات المتعلقة بحرية وسيادة لبنان، إضافة إلى الالتزامات ذات الصلة بالتحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وليس هناك صفقة تخفف من مطلب التعاون السوري غير المشروط أو تلغيه"!..‏

هذا الموقف المعترض رفعت واشنطن مستواه ليصل إلى مستوى الخارجية الأميركية التي وزعت بياناً مكتوباً باسم كوندوليزا رايس، وجاء مدروساً بشكل دقيق في توقيته بعد أيام عدة على التحركات المصرية السعودية، وكانت لهجته تصعيدية بشكل كبير، وأكد مضمون ما جاء في بيان فيلتمان. وقد توسع الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك في توضيح بعض تفاصيله، نافياً بشدة أي صفقة بين واشنطن ودمشق، ومشدداً على دعوة النظام السوري الى الاستجابة لطلبات لجنة التحقيق الدولية، ملوّحاً بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن "إذا ما استمرت العرقلة السورية".‏

فرنسا من جهتها كانت استبقت الموقف الأميركي في التصعيد ضد سوريا، خصوصاً بعدما أشيع عن "صفقة" بين دمشق وواشنطن خلال الأسبوع الماضي.. كما عبرت عن امتعاضها من خلال إفساح المجال أمام خدام مدة عشرة أيام للإدلاء بتصريحاته، ثم ذكرته بوجوب الالتزام بمبدأ "التحفظ" المفروض على الساسة المنشقين عن أنظمتهم.. وطالبت بدورها دمشق الالتزام بالقرارات الدولية وعدم تهديد الاستقرار اللبناني، وتحذير الرئيس الفرنسي من سمّاهم المحرّضين على التفجيرات، من مغبة العقاب، معلناً أمام السلك الدبلوماسي أن "هؤلاء يجب أن يعرفوا أن زمن التدخلات والإفلات من العقاب قد ولّى في لبنان".‏

الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من الاتصالات اللبنانية ـ اللبنانية واللبنانية ـ الفرنسية واللبنانية ـ المصرية لبلورة المواقف بشكل دقيق، لكن الواضح أن ثمة سباقاً بين خيارات التعريب لحل الأزمة اللبنانية وخيارات التغريب عن الحل الذي يطلبه الجميع، ولكن كل على طريقته ووفق حساباته ومصالحه.‏

الانتقاد/ موضوع الغلاف ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30