ارشيف من : 2005-2008

بعد الغارة الإسرائيلية على موقع الناعمة:هل بدأ العامل الإسرائيلي يأخذ شكله العلني في الحراك السياسي الداخلي اللبناني؟

بعد الغارة الإسرائيلية على موقع الناعمة:هل بدأ العامل الإسرائيلي يأخذ شكله العلني في الحراك السياسي الداخلي اللبناني؟

التعامل مع قصف الطائرات الإسرائيلية لمواقع فلسطينية في منطقة الناعمة على انه مجرد رد فعل على سقوط صواريخ "كاتيوشا" على بعض مستوطنات الجليل، فيه الكثير من التسطيح للحدث خاصة إذا ما استحضرنا آليات صناعة القرار الأمني في كيان العدو والاعتبارات التي ينطلق منها صانعه، فضلا عن التجارب الطويلة التي خاضتها المقاومة في لبنان مع هذا العدو. يظهر بشكل جلي ان الاختلاف في تشخيص المصالح من مرحلة إلى أخرى في حركة الصراع لها حيزها الأساسي في الاعتبارات التي يُبنى عليها الموقف الأمني. وفي هذا السياق تؤكد التجارب ان العدو لا يرد بالضرورة على كل ضربة توجه إليه حتى لو كان الفاعل معلوما ـ وليس مجهولا كما هو الحال في إطلاق الصواريخ ـ والأمر نفسه نجده ينطبق، من حيث المبدأ، على أداء المقاومة التي تشخص المصلحة في الرد وأسلوبه وحجمه وتوقيته... وبعدها يتم اتخاذ القرار.‏

والمثال الواضح الذي يمكن استحضاره للتدليل على هذا الأمر، هو العملية التي نفذها مجاهدون فلسطينيون قرب مستوطنة شلومي في آذار عام 2002 وأدت إلى سقوط عدد من القتلى في صفوف المستوطنين، إلا أن "إسرائيل" لم تقدم على أي رد فعل ميداني في لبنان برغم تأكيدها ان المجموعة تسللت عبر الحدود اللبنانية. في المقابل نجد انه برغم عدم سقوط قتلى في الصواريخ ـ المجهولة المصدر ـ التي سقطت على بعض المستوطنات، بادر العدو إلى الإغارة على أحد المواقع التابعة لأحد الفصائل الفلسطينية في الناعمة.‏

المراقب لتطورات الساحة اللبنانية ببعديها الإقليمي والدولي يجد نفسه مضطرا للتوقف عند هذا الحدث، بحثا عن المؤشرات والدلالات الكامنة فيها، وخاصة أن الإدارة الأميركية سبق أن طلبت رسميا من الحكومة الإسرائيلية التزام الصمت إزاء ما يجري في لبنان لاسباب واسباب... وبالتالي ما الذي استجد حتى بررت الولايات المتحدة الغارة بل وذهبت باتجاه اتهام حزب الله بالمشاركة في عملية إطلاق الصواريخ؟ والسؤال الأهم في هذا السياق هو: هل تشكل الغارة الإسرائيلية بداية تعاطٍ إسرائيلي جديد مع الساحة اللبنانية؟ وما هو السياق السياسي الذي دفع بهذا الاتجاه؟‏

لقد سبق ان صدر عن مختلف الجهات والمستويات السياسية والأمنية... ما يؤكد ومن دون أدنى لبس، أن الإسرائيلي يراهن ـ فقط وفقط ـ على نجاح المخطط الأميركي في لبنان المتمثل بالقرار 1559 للتخلص من المقاومة، ولتحطيم السد الذي يقيده عن المبادرة أو الرد بأشكال مختلفة على الساحة اللبنانية وانطلاقا منها. وتكفي الإشارة هنا إلى المطالب الإسرائيلية التي كان يرددها قادة العدو طيلة سنوات المواجهة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، ومقارنتها مع بنود القرار 1559 لنجد أن هذه المطالب قد صيغت على شكل قرار دولي، وتحولت من مطلب إسرائيلي إلى مطلب لمجلس الأمن الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا.‏

.... المراوحة التي بدأ المراهنون على المخطط الأميركي، في الساحة اللبنانية، يتلمسونها عندما لامس الحراك السياسي الداخلي سلاح المقاومة، جراء الحزم والصلابة والحكمة التي أظهرتها المقاومة، والالتفاف الشعبي الذي اشتد حولها اكثر من أي وقت مضى، ومن ثم الانتقال إلى سياسة الالتفاف الإقليمي لتطويق المقاومة وظهور ما يمكن اعتباره مؤشرات دالة على أن الرهانات والرؤى إزاء تقويض أو إضعاف النظام السوري كانت مغالية ومتسرعة، ما دفع إلى التساؤل عن الخطوات التالية؟ واكثر تحديدا عن الخطوات التي تدفع الحراك السياسي باتجاه بلوغ المخطط غاياته، لأن تأبيد الوضع القائم على ما هو عليه أمر غير مقبول إسرائيليا وأميركيا، فضلا عن انه يشكل فشلا ذريعا للرهان الوحيد المتبقي لـ"إسرائيل".‏

في ظل هذا الوضع، وآفاقه المفتوحة والمسدودة، أتت الغارة الإسرائيلية في الناعمة... مستهدفة احد مواقع الفصائل الفلسطينية التي تمحور حولها سجال سياسي، وكاد ان يتحول إلى امني، بين هذه الفصائل والحكومة اللبنانية بهدف ازالتها... لكن ما لبثت ان سلكت المحادثات مسارات اكثر هدوءاً بعد تصدرها عناوين السجال السياسي الداخلي في المرحلة السابقة. كما كانت الغارة واضحة الدلالة من حيث مكانها وطبيعة الهدف، ولم يحاول العدو تغليفها بل كان واضحا في رسالته حيث إن ما صدر عن المستوى العسكري بين أن الغارة كان هدفها توجيه رسالة إلى الحكومة اللبنانية بضرورة تنفيذ ما تبقى من القرار 1559...؟!‏

بناءً على ما تقدم يمكن تسجيل ما يلي:‏

ـ أن العدو دخل مباشرة على خط الأزمة الداخلية السياسية في لبنان متخذا من إطلاق الصواريخ ذريعة ومدخلا، ولكن بشكل مدروس جداً.‏

ـ يمكن اعتبار الغارة أنها بمثابة تعبير عن موقف إسرائيلي برفضه المراوحة أو تأجيل معالجة السلاح الفلسطيني في هذه المرحلة وبالدلالة سلاح المقاومة اللبنانية، وما هذه الغارة سوى محاولة لتسخين بعض الملفات التي بردت وتهيئة الأرضية الشعبية والسياسية للحكومة اللبنانية من اجل إعادة إثارة هذا الملف والمضي به إلى نهاياته.‏

ـ إمكانية توسع الدور الإسرائيلي بدءاً من الآن باتجاه التدخل العلني وبأهداف واضحة قد يعلن عنها بنفسه في محاولة واضحة لدفع التطورات قدما بما يحقق إنجاح المخطط الأميركي وليس إرباكه،أو الاحجام في محطات أخرى عن المباشرة العلنية تحت ضابطة توفير وتهيئة متطلبات إنجاح المخطط.‏

ـ الاستفادة من المواقف اللبنانية المعلنة والاتكاء عليها لتقدير نوع الفعل وحجمه، وبالتالي الدفع إلى استصدار مواقف لبنانية يستفيد منها الإسرائيلي، وهو ما ظهر جلياً عقب الغارة الإسرائيلية على الناعمة ـ بغض النظر عن الخلفيات والنيات ـ من جهة رسمية لبنانية عالية جدا، وقولها بأن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات يخدم العدو.‏

ـ المعادلة التي ربما يمكن افتراضها إزاء حركة العدو على الساحة اللبنانية، هي انه ما دام الهجوم السياسي المحلي والدولي الذي يستهدف سلاح المقاومة يتحرك في مساره المطلوب إسرائيليا، فإن المطلوب من "إسرائيل" إظهار ما تطلق عليه في ادبياتها "بروفيل منخفض"، بمعنى الابتعاد عن الواجهة والصدارة. أما في حال تعرض المخطط لنوع من المراوحة أو الفرملة أو محاولة الوصول إلى صيغ مرفوضة إسرائيليا ينبغي مراقبة الخطوات العلنية والسرية التي قد يُقدم عليها العدو لتحفيز أو التمهيد أو الضغط لإعادة تسخين المحركات بالاتجاهات المرسومة.‏

لكن السؤال الذي تفرضه التطورات الداخلية الأخيرة: ما هو موقع هذه المستجدات على الساحة الداخلية في لبنان من "الأجندة" الإسرائيلية الأميركية:‏

- أن الحكومة اللبنانية أقدمت، وبشكل علني ومباشر، على هز الشرعية الحكومية للمقاومة باعتبارها جزءاً من منظومة الدفاع الوطني، وعلى محاولة حصر دورها في تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية وأسرى في السجون الإسرائيلية.‏

- إيجاد مناخ داخلي يحاول التعامل مع المقاومة بمنطق المقايضة السياسية في البازار السياسي اللبناني، بل ومحاولة تخييرها بين الانقلاب على نفسها أو الانقلاب عليها عبر قلب أولوياتها وتغيير بوصلتها ومحاولة تظهيرها على أنها قضية خلافية.‏

والجواب هو أن هذا المستجد يشكل موقعاً "متقدما"، بالقياس إلى ما كان عليه الموقف الرسمي من المقاومة، في "الأجندة" الإسرائيلية كونه يعتبر خطوة ولو غير كاملة بالاتجاه المرسوم والمأمول إسرائيلياً، وخاصة انه يقترن مع قفزة جديدة في سياق الضغوطات المتواصلة على سوريا.‏

جهاد حيدر‏

الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30