ارشيف من : 2005-2008
قمع قوى الأمن الداخلي لمناهضي الوصاية الأميركية:إرضاء "الدبابير" الدولية... باستخدام الأسلوب الخشن!
"عمرو موسى غير مرحب به في بيروت ...ودايفيد ولش مرحب به في بيروت" هذه العبارة التي حملها المعتصمون سلمياً أمام السراي الحكومي يوم السبت الماضي احتجاجاً على التدخل الأميركي بالشؤون اللبنانية وزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ولش إلى لبنان، تختصر واقع التغيير الذي يريده البعض على الساحة اللبنانية، وتظهر الأسباب والخلفيات التي دفعت قوى الأمن الداخلي لقمع المعتصمين بطريقة وحشية ومن دون سابق إنذار، ورسالة واضحة تظهر "إحمرار" عين قوى الموالاة من المعترضين على الوصاية الأميركية، وضيق صدرهم من هذا الرفض.
لا يمكن فصل ما حصل أمام السراي الحكومي من مبادرة قوى الأمن الداخلي لقمع الشباب اللبناني الرافض للوصاية الأميركية عما سبقه من مواقف وتصريحات لقوى الموالاة التي شنت حملة شرسة منذ شهر تقريباً على تحرك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بعد زيارته لدمشق وبيروت من أجل إزالة التوتر بين العاصمتين، وما تبعه من تحرك شهدته الرياض والقاهرة ودمشق أقلق هذه القوى التي استشرست لإسقاط أي مبادرة عربية تحفظ استقرار المنطقة، وتنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها بين لبنان وسوريا، ونجحت في ذلك بمؤازرة باريس وواشنطن ولندن التي رفعت وتيرة تصعيد المواقف ضد دمشق بشكل مباشر، وضد التحركات العربية بشكل غير مباشر، رافضة ما أسمته أي صفقة على حساب سيادة لبنان والاستقرار فيه.
وتوجت هذه الأجواء بتحركات السفير الأميركي جيفري فيلتمان على أركان الموالاة ليحدد الأولويات لهذه القوى، والحديث عن رص صفوف قوى الرابع عشر من آذار لمتابعة "انتفاضة الاستقلال" ومواجهة تحديات المرحلة المقبلة. وأتبع هذه التحرك بزيارة ولش إلى بيروت التي استقبل فيها بحفاوة لافتة، وأطلق منها جملة مواقف متعلقة بسوريا، وبدت الإدارة الأميركية في موقع "المدافع عن السيادة اللبنانية" مقابل "الصفقات العربية" على حساب هذه السيادة، والتأكيد أمام باب السراي الحكومي على "دعمه هذه الحكومة بالذات وتوجهاتها السيادية والاصلاحية" في وقت كان شباب لبنان الرافضون لتدخل إدارته في الشؤون اللبنانية يتعرضون للضرب بأعقاب بنادق قوى الأمن الداخلي والهراوات، ويقصفون بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم ومنعهم من التعبير عن رأيهم!
هذا التحول في أداء قوى الأمن الداخلي واستخدامها اليد الخشنة في ساحة رياض الصلح، والذي تزامن مع زيارة ولش إلى القصر الحكومي كان رسالة مزدوجة، الأولى إلى المعتصمين ومن يقف وراءهم من قوى سياسية مناهضة للوصاية الأميركية تشير إلى كيفية التعاطي مستقبلاً مع التحركات المماثلة. والثانية إلى الأميركيين أنفسهم تؤكد استعدادها للمضي قدماً في مواكبة المشروع الأميركي في لبنان، وتقديم دفعات من الحساب المطلوب بدءاً من التضييق على التحركات المناهضة للأميركيين وصولاً إلى تحقيق الأهداف الكبرى التي تحظى بتغطية "الشرعية الدولية" والمتمثلة بتنفيذ القرارات الدولية المشبوهة، أو ما تبقى منها.
ما حصل في ساحة رياض الصلح بما تمثله هذه الساحة يتجاوز قمع مئات الشبان ليصل إلى قمع الجماهير التي خرجت في الثامن من آذار الماضي في أكبر تظاهرة عرفها لبنان في تاريخه، وأوجدت واقعاً جديداً في تلك الفترة أعاد تصحيح صورة المشهد اللبناني التي هيمنت عليه قوى البريستول إعلامياً، وأوحت أنها تحتكر الشارع اللبناني، وأن الآخرين غير موجودين!
القمع الأخير في تلك الساحة في حقيقته محاولة لقلب الصورة بكل ما تحمل من دلالات وأبعاد، والخطير في هذه المحاولة أنها تجري بيد النظام الأمني الذي يحظى بالرعاية والوصاية الدولية التي تتعامل مع التحركات المؤيدة للطروحات الدولية بأسلوب ناعم كما حصل في الناعمة والكرنتينا على الرغم من عدم ترخيص تلك التحركات، وما تضمنته من شعارات وهتافات تفوح منها رائحة الفتنة والمشاريع المشبوهة، بينما تتعامل مع التحركات المناهضة لأميركا وتدخلها بأسلوب خشن كانت باكورته في ساحة رياض الصلح وعلى مرأى من القصر الحكومي الذي لا يريد أن "يحرك وكر الدبابير" الدولية!
مقالات/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018