ارشيف من : 2005-2008
"المؤتمر الوطني لدعم خيار المقاومة":المقاومة ليست خيار قوى أو فئات بل هي خيار كل الشعب
الحديث عن دعم خيار المقاومة هذه الأيام يكتسب أكثر من معنى ودلالة خصوصاً في هذه المرحلة التي تشتد فيها الضغوطات على لبنان لتنفيذ القرار 1559، وإسقاط بعض بنود القرار على المقاومة دون وجه حق، وبما يخالف موقف جزء كبير من اللبنانيين بعد تمكن هذه الضغوط من النيل من "قناعات" بعض اللبنانيين التي بدأت تحاول النيل من هذا الخيار لاعتبارات ضيقة تبقى دون حدود الوطن، وتنكمش حتى حدود القضاء وفق التقسيمات الانتخابية!
وفي ظل هذه الأجواء انعقد "المؤتمر الوطني لدعم خيار المقاومة" لمدة يومين في قصر الأونيسكو الأسبوع الماضي ليكتسب أهمية مضافة انطلاقاً من توقيته، حيث بدا إلى حدّ ما خارج سياق الأحداث المحلية ومستجداتها، وربما على النقيض منها بعد تصاعد المواقف حول نزع سلاح المقاومة.
المؤتمر انعقد بدعوة من "منتدى الحوار الديمقراطي" و"لقاء الهيئات الثقافية" و"المؤتمر الدائم لمناهضة الغزو الثقافي الصهيوني"، وانعكس هذا الأمر على نوعية الحضور التي تميزت بطابعها الثقافي والسياسي.
"الدعوة لهذا المؤتمر وفي هذا الظرف بالذات لم تكن وليدة ساعتها، بل جاءت في سياق قراءة هادئة للمرحلة الخطرة التي يمر بها لبنان، وهو ما استدعى من الهيئات الثقافية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية" على حد قول رئيس المؤتمر الدكتور يحيى غدار الذي أكد لـ"الانتقاد" أن هذه الهيئات لها دور ملتزم بقضايا الوطن والأمة.
وقال: "اللافت أن انعقاد المؤتمر جاء ليرد على بعض المواقف السياسية التي غلّبت المصلحة الخاصة الضيقة والفئوية على المصلحة الحقيقية للبنان، هذا فضلاً عن عدم رؤيتها لمخاطر المشروع الصهيوني ـ الأميركي في المنطقة، أو بالأحرى الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات. إننا في مرحلة مجابهة هذا المشروع التقسيمي الذي من خلاله تريد "إسرائيل" أن تقود المنطقة، وعلينا كمثقفين أن نتحمل مسؤولياتنا التاريخية، وان نؤكد رفضنا القاطع لهذا المنطق التقسيمي والعنصري".
وأضاف غدار "هناك مشروع تقسيمي لهذه المنطقة من خلال تفتيتها إلى دويلات وإمارات مذهبية وطائفية على غرار ما يحصل اليوم في العراق، ولبنان هو لجميع أبنائه، ووحدتنا الداخلية إنما تنطلق من اعتبار المقاومة خيار الجميع دون استثناء. هذا الهاجس المتولد عند هذه الشريحة الكبيرة من المثقفين اللبنانيين، ومن كل أطياف الشعب اللبناني حتمت عليها الإسراع في عقد هذا المؤتمر الذي لم يتجاوز التحضير له أكثر من شهر نظراً للمخاطر المحدقة خصوصاً في الفترة الأخيرة التي شهدت ملامسة حقيقية للمسلّمات الوطنية وفي طليعتها المقاومة".
وأسف غدار لأن بعض القوى السياسية التي تدّعي أنها تمثل الأكثرية في هذه المرحلة، تحاول تحقيق بعض المكاسب السياسية التي تصب في مصلحة المشروع الأميركي الذي يريد تقسيم البلد، وتدمير الوحدة الوطنية عبر نزع سلاح المقاومة من خلال القرار 1559 لضرب وحدة لبنان، من خلال ضرب المقاومة".
ويؤكد غدار أن انعقاد مثل هذا المؤتمر سيتكرر في الأيام المقبلة، وذلك تبعاً للتطورات السياسية التي تعيشها البلاد، وتبعاً للحاجة التي نتوخاها "خصوصاً أن بعض إعلامنا مأجور ولا يعبر عن مصالح هذا الوطن، هذا فضلا عن أننا محاصرون بكم هائل من الفضائيات العربية التي وإن تكلمت اللغة العربية، إلا أنها لا تعبّر عن قضايا هذه الأمة .. من هنا علينا أن "ننزل" إلى الأرض ونكون مقاومين حقيقيين لتعميم ثقافة المقاومة وإيصال الحقيقة لكل أبناء هذا البلد".
ولا يُنكر رئيس المؤتمر أن من أسباب انعقاد هذا المؤتمر هو إعادة تصويب "البوصلة" من جديد بعد أن انحرفت عن مسارها بفعل الكلام الدائر اليوم حول معرفة الحقيقة تارة، والنظام الأمني اللبناني السوري تارة أخرى، مؤكداً أن الشهيد الحريري لا يقبل باسم الحقيقة تدمير لبنان والأمة، واصفاً هؤلاء بتجار الدم!
ولاقى المؤتمر ترحيباً واسعاً من مختلف النخب الثقافية المكونة للمجتمع المدني اللبناني، وناقش ثماني أوراق عمل هي: التمييز بين الإرهاب والمقاومة، مخاطر الغزو الثقافي والإعلامي، إعادة تركيب الشرق الأوسط والحروب الاستباقية، المشروع الحضاري في مواجهة عنصرية صدام الحضارات، دور الثقافة في المقاومة، دور المقاومة في التحرير والدفاع عن سيادة لبنان ووحدته، ودور الاغتراب وخيار المقاومة، وأخيراً سبل تعزيز الوحدة الوطنية.
وبدا المؤتمر مضغوطاً نتيجة كم المواضيع التي طرحت أثناء المناقشة، الا أنه يمكن اعتباره كمؤتمر تأسيسي للمؤتمرات الأخرى التي سوف تقام في العديد من المناطق اللبنانية، بحيث تخضع العناوين المذكورة أعلاه ـ كلٌ على حدة ـ إلى مناقشة مستفيضة ومتخصصة، عدا عن أن هذه المؤتمرات سوف تكون على المستوى المحلي والعربي والدولي، وذلك بهدف الوصول إلى توصيات تتبنى خيار المقاومة على صعيد المجتمع اللبناني والعربي والعالم كله.
على هامش المؤتمر
وعلى هامش المؤتمر التقت "الانتقاد" بعض الشخصيات السياسية والروحية والدينية التي حضرت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فأكدت مواقفها أهمية المقاومة وتقدير تضحياتها، وحذروا من أن بعض المواقف تخدم "اسرائيل".
الرئيس سليم الحص اعتبر أن انعقاد هذا المؤتمر بمثابة الضرورة الملحة "ما دام لبنان يتعرض لاعتداءات شبه يومية من قبل العدو الإسرائيلي، وما دامت هناك أراض لبنانية محتلة وأسرى لبنانيون في السجون الإسرائيلية".
وأكد ممثل البطريرك صفير، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم انه "من الضروري إحاطة المقاومة بكل احترام وتقدير بعد أن أدت قسطاً كبيراً في عملية تحرير لبنان"، لافتاً إلى "أن أي كلام حول المقاومة من جانب الذين يطلقون استفهامات وتفسيرات "يفترض أن يطرح على طاولة الحوار"، لكن هذا لا يعني أن نتنكر لدور المقاومة التي ساهمت في تحرير لبنان، داعياً الذين يعتبرون أن المقاومة غدت عبئاً على لبنان "أن يعيدوا النظر بما يقولونه، وان يتذكروا ما قامت به المقاومة".
ورسم ممثل رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الدكتور ناجي غاريوس المعادلة التالية: "كما أن رجال المقاومة يقاومون ضد الاحتلال الإسرائيلي، يجب علينا نحن كلبنانيين، وكتيار وطني حر أن نقاوم من أجل الإصلاح والتغيير"، وباعتقاده أن الموضوع هو من صلب عمل المقاومة، رافضاً مقولة أن نكون على عداء مع سوريا" لأن التكوين الجغرافي والتاريخي يفترض بنا أن نكون شعبين متكاملين ضمن هذه المنطقة".
وحذر ممثل شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، الشيخ طلال سليم من أن يجري "تضييع الوطن من أيدينا إذا لم يتفق اللبنانيون على سلوك طريق واحد لما فيه مصلحة هذا الوطن"، داعياً "كل الشاذين عن القواعد الوطنية إلى أن يعودوا إلى صوابهم ورشدهم لأن ذلك خدمة للبنان، ولأنه باتجاهاتهم المغرضة إنما يخدمون "إسرائيل" ومشاريعها الخفية، وان يكونوا يداً واحدة ومقاومة واحدة في سبيل إقصاء هذا العدو الصهيوني".
من جهته لم يجد الوزير السابق فايز شكر أفضل من القول "إن الثقافة هي خبز المقاومة، والمقاومة هي خبز الوطن والسيادة"، لافتا إلى انه من الضروري أن يكون هناك التفاف كامل حول المقاومة، منتقدا بعض السياسيين الذين صنفوا أنفسهم على أنهم مع المقاومة "بالرغم من أن هؤلاء لم يكونوا يوماً مع المقاومة".
خلال جلسات المناقشة لاقى اقتراح أمين سر المجلس الثقافي في بلاد جبيل المحامي زياد أبي فاضل بإنشاء وزارة لدعم المقاومة على غرار وزارة المهجرين ترحيباً كبيراً من المشاركين، واقترح أن تمارس الهيئات الثقافية ضغطاً على الحكومة من أجل تنفيذه، وأن تكون هذه الهيئات عماد هذه الوزارة.
التوصيات
وصدر عن المؤتمر ثلاث عشرة توصية، وشددت هذه التوصيات على "أن الصراع ضد العدو الصهيوني هو صراع وجود ومصير ومستقبل، وان المقاومة ليست خيار قوى أو فئات محددة، بل هي خيار الشعب للدفاع عن الأرض والسيادة الوطنية والاستقلال في مواجهة التهديدات الصهيونية"، و"ان المقاومة الأهلية الشاملة مكملة لمقاومة العدوان"، و"تعميق الوعي المعرفي بطبيعة العدو الصهيوني ومخاطره، وإيلاء التعبئة الثقافية الإعلامية ما تستحقه من اهتمام على أسس معرفية وتعميمها على شتى المستويات السياسية والفنية والأدبية والتربوية"، "تعميق الوحدة الوطنية وذلك بصياغة التشريعات الضامنة لها"، و"تعميم ثقافة المواطنية والانتماء وإبراز الهوية العربية"، و"إزالة الحواجز بين الطوائف والمذاهب"، و"تحصين الوطن من الوصايات الأجنبية"، "وجوب تعبئة الطاقات في بلاد الاغتراب للاستفادة من وجودها في مواجهة المشروع الصهيوني"، و"اعتبار اغتيال الرئيس الحريري استهدافاً لاستقرار لبنان وأمنه ومدخلا لضرب العلاقة مع سوريا".
كما أكدت التوصيات "وجوب دعم المقاومة الفلسطينية والتأكيد على حق العودة وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس"، و"تأييد مقاومة الشعب العراقي لقوات الغزو والاحتلال الأميركي"، و"رفض المحاولات الرامية إلى التدويل السياسي والأمني أو الاستقواء بالتدخلات الأجنبية"، و"بلورة خطاب عربي حضاري انساني مناهض للعنصرية والهيمنة والاحتلال والظلم، ومدافع عن الحقوق العربية من خلال إطلاق حوار راق يستهدف ابراز هويتنا الإنسانية".
حسين عواد
الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018