ارشيف من : 2005-2008
"النظام الأمني الجديد" يقمع الشباب الرافضين للوصاية الأميركية:أعقاب البنادق والقنابل المسيلة للدموع ... لمستقبل لبنان
تحولت ساحة رياض الصلح عصر السبت الماضي إلى ثكنة عسكرية لقوى الأمن الداخلي وعناصر فرقة مكافحة الشغب وفرق الدفاع المدني بمدافع المياه الباردة في كانون الثاني. الطلاب يتوافدون إلى الساحة للتجمع تمهيداً لاعتصام رمزي سلمي دعت إليه الحملة الشبابية لمناهضة الوصاية الأميركية احتجاجاً على زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ولش إلى لبنان، وتدخلات إدارته السافرة بالشؤون اللبنانية.
لم يخطر في بال الطلاب الجامعيين المتوجهين إلى الساحة المقابلة للسراي الحكومي حيث كان من المقرر أن يلتقي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ولش والوفد المرافق، أن صداماً ما قد يحدث مع هذا الحشد من قوى الدرك ومكافحة الشغب الذين فاق عددهم عدد المتظاهرين. لقد اعتقد هؤلاء الطلاب أن هذا الحشد هو لحماية المعتصمين الذين أبلغوا وزارة الداخلية بمكان الاعتصام وموعده ومناسبته أيضاً، وبالتالي ليس هناك أي مخالفة قانونية، وحق الرفض للوصاية يدخل في نطاق حرية الرأي التي يكفلها الدستور.
طبيعة التحرك القانونية وطابعه السلمي عززا اطمئنان الطلاب الوافدين، فهم لم يتجمعوا لقطع طريق دولية بصورة مخالفة للقانون، ولن يرفعوا شعارات طائفية ومذهبية كما حصل في منطقة الناعمة التي واجهتها القوى الأمنية بالتفهم والمتابعة بالنظر، وأحياناً كثيرة بالتعاطف لدرجة أن بعض عناصر القوى الأمنية كادوا يمسحون على رؤوس قاطعي الطريق إذا لم يساعدوهم في نقل الإطارات لإحراقها وإقفال الطريق الدولية عشية عيد الأضحى حيث كان الآلاف من المواطنين الجنوبيين يستعدون للتوجه لقضاء العيد هناك!
كل شيء كان يسير بشكل طبيعي، وما كاد النصاب يكتمل من حيث تجهيز اللافتات المنددة بالوصاية الدولية والتدخل الأميركي ورفع الأعلام اللبنانية فقط والهتاف ضد التدخل الأجنبي حتى انقلبت الصورة. أصبح الطلاب في موقع الاعتداء والقمع من دون سابق إنذار. وفجأة انهال بعض عناصر قوى الأمن بدفع الطلاب وضربهم بأعقاب البنادق بشكل وحشي، والطلاب ترتسم على وجوههم علامات الاستهجان والصدمة، ثم بدأ قصفهم بالقنابل المسيلة للدموع وتم استدعاء إطفائية للدفاع المدني بدأت برش الماء على المعتصمين لتفريقهم، ونال جزء كبير منهم حماماً بارداً، وجرح خمسة عشر آخرون فيما أصيب آخرون بحالات اختناق.
وسادت حالة من الهرج والمرج والتدافع ثم كر من القوى الأمنية وفر من الطلاب فعودة إلى ساحة التجمع بعد استفزاز بعض عناصر قوى الدرك للطلاب وانهالوا عليهم بأعقاب البنادق، ونقلت شاشات التلفزة هذا المشهد بشكل واضح.
وبعد اتصالات وتهدئة من قبل الطلاب واستقدام تعزيزات من الجيش اللبناني عاد الوضع إلى الهدوء وأكمل الطلاب اعتصامهم بعدما وقف عناصر الجيش اللبناني بين الطلاب وقوى الأمن الداخلي!
وحمل أمين سر الحملة الشبابية هشام طبارة مسؤولية ما حصل "للسلطات اللبنانية المختصة وخصوصا وزير الداخلية، والنظام الأمني الجديد الذي يحاول ان يقمع الأحرار المقاومين الرافضين للتدخل الأميركي، الذي بات يهدد مصير ووحدة لبنان والسلم الأهلي بدعم من السفير الأميركي".
ولاقى القمع للطلاب إدانة واسعة من قبل القوى السياسية والحزبية والنيابية، وأجمعت المواقف على اعتبار هذا القمع انتهاكاً لحرية الرأي التي يتمسك بها كل اللبنانيين، وطالبوا السلطات المعنية بتوضيحات، واعتبروا ما جرى بأنه رسالة من البعض للولايات المتحدة الاميركية, بأنه حاضر لتنفيذ مشاريعها في لبنان. وأكدوا رفضهم توجيه مثل هذه الرسالة بدم الشباب اللبناني.
كما شهدت معظم الجامعات اللبنانية في مختلف المناطق اللبنانية جمعيات عمومية واعتصامات استنكاراً لقمع الحملة الشبابية لرفض الوصاية الأميركية، وألقيت كلمات شددت على رفض التدخل الأميركي.
من جانبها اعتبرت وزارة الداخلية ما حصل بأنه "أحداث مخلة بالأمن"، وأن القوى الأمنية قامت بواجبها، وانتقدت الوزارة التصريحات السياسية التي انتقدت قمع الطلاب.
واستنكر حزب الله بشدة الاعتداء على الطلاب، واعتبره انتهاكا صارخا للحريات العامة التي كفلها الدستور اللبناني، وبالخصوص حق التظاهر والتعبير عن الرأي.
وقال "إن ما حصل يدعو للريبة والاستهجان معا، حيث تم غض النظر وأحيانا التواطؤ مع تحركات مشبوهة ومفتلعة كان من شأنها أن تثير أجواء الفتنة المذهبية الخطيرة في البلد، فيما تحتشد القوى الامنية لمواجهة تحرك الشباب اللبناني في رفض الوصاية الاميركية التي نتلمس كل يوم مآثرها في تخريب الوفاق الداخلي والسعي لتأليب اللبنانيين بعضهم على بعض".
وطالب حزب الله الحكومة بتقديم توضيح صريح ومباشر للبنانيين وشرح أسباب وخلفيات ما جرى، ودعا قوى المجتمع اللبناني الحي الى رفض هذه الممارسات القمعية على حساب كرامات المواطنين من اجل تقديم شهادات حسن سلوك للأميركي الذي يريد لبلدنا الشر والسوء".
وكشف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نهيم قاسم أن كتلة الوفاء للمقاومة ستوجه سؤالاً إلى الحكومة عبر مجلس النواب نطالبها بالإجابة على هذا المشكل المفتعل الذي نضع علامات استفهام كثيرة عن أهدافه". وقال "هل المقصود اسقاط الموقف اللبناني في رفض الوصاية؟ هل المطلوب إسكات الصوت الذي يجاهر بالحقيقة ويطالب بوضع لبنان على سكة الوفاق؟ هل المطلوب أن لا يكون هناك أي رأي يناقش أي قضية من القضايا في لبنان؟ هل سنستبدل نظاماً أمنياً بنظام أمني آخر يقمع المتظاهرين ويمنعهم من حقهم؟ هذا سؤال برسم المسؤولين الذين أساؤوا لهؤلاء الشباب ولحقهم في حرية التعبير ليجيبوا عليه".
تقارير إخبارية/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018