ارشيف من : 2005-2008
الوصاية الأميركية تستفز شباب لبنان:عشرات آلاف الطلاب هتفوا لخيار المقاومة ورفض الوصاية أمام "عوكر"
"يا سفير يا مجنون وصلوا طلاب الفنون".. لم يتحمل الشباب الآتون من إحدى الجامعات اللبنانية وتقلّهم حافلة كبيرة من بيروت الانتظار طويلاً بفعل ازدحام السير الخانق ليدلوا بدلوهم أمام السفارة الأميركية في عوكر.. على الطريق من بيروت إلى مجمع (آ.بي.سي) في ضبيّة كانت الحافلات التي تقل الطلاب الجامعيين من مختلف الجامعات والكليات تنبىء بأن التظاهرة التي دعت إليها الحملة الشبابية اللبنانية لرفض الوصاية الأميركية ستكون كبيرة جداً، وكانت بالفعل كذلك حيث قدرت وكالات الأنباء عدد الطلاب المعتصمين بخمسة وعشرين ألفاً. الطلاب استفزهم قمع زملائهم أمام السراي الكبير يوم السبت الماضي الذين اعتصموا سلمياً احتجاجاً على زيارة نائب وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش إلى لبنان، وجاء كلام السفير الأميركي جيفري فيلتمان في مجالسه الخاصة عن أنه آن الأوان للتخلص من حزب الله في الحكومة ليزيد من الاستفزاز والغضب.
رداءة المناخ وتساقط الأمطار لم تمنع الطلاب المتحمسين من الوصول إلى ساحة عوكر، حيث للكلام هناك معناه ودلالته.. الجميع بدا متأهباً وواعياً لكل التعليمات التي كانت تصدر من المنظمين للتظاهرة الذين حرصوا على أن تكون المسيرة راقية وحضارية وتحقق أهدافها المرجوّة.
ظللت الأعلام اللبنانية وحدها المتظاهرين.. لا كلام خارج المرسوم بدقة، وكذلك الشعارات التي رفعت.. التعليمات كانت حاضرة في كل خطوة كان يخطوها المتظاهرون، ما عدا خروج البعض عن السياق المرسوم بفعل الحماسة الزائدة التي دبت فيه، والتي دفعته للتعبير بطريقته الخاصة.
لم تشهد الساحة من قبل هذا الجمع الضخم من طلاب لبنان، ومن لم يتسنّ له حمل العلم اللبناني التي عملت القوى المنظمة على توزيعه على المتظاهرين حمل صوراً ساخرة للسفير الأميركي كتب عليها باللغتين العربية والإنكليزية "فتنجي"، وأخرى "انبته.. أنفلونزا السفير!". كما رُفعت صورة للسفير فيلتمان تظهره طباخاً يعد طبقاً للحرب الأهلية في لبنان، وأخرى للرئيس الأميركي وهو يحمل في اليد اليسرى لافتة كُتب عليها "القرار 1559"، إلى جانب خارطة لبنان التي بدت مقسمة إلى كنتونات، تعبيراً عن المسعى الأميركي من وراء تطبيق هذا القرار.
صوت الشباب دوى في الشارع المؤدي إلى السفارة ووصل إلى أرجائها "الموت لإسرائيل.. الموت لأميركا"، وزيد عليها "الموت لفرنسا"، وكذلك "بيروت حرة حرة أمريكا طلعي برا"، و يا سفير موت موت مارح توصل عا بيروت".
امتلأ الشارع وكل الطرقات المؤدية إلى عوكر عن آخرها، وقال شباب لبنان كلمتهم الرافضة للوصاية الأميركية وتدخلات السفير الأميركي ووزارة خارجيته ووفودها المتلاحقة إلى لبنان، وسمعها فيلتمان بكل وضوح، وسمع خيار شباب لبنان بأنه المقاومة، وأن أميركا تساوي الإرهاب، وأنه لكي يبقى لنا لبنان فلا للتدخل الأميركي.
عجّ المكان المقرر للاعتصام بالمتظاهرين، يفصلهم حاجز عن القوى الأمنية المولجة حراسة السفارة التي وقفت صامتة، قابلها طوق وقائي "وسطي" فرضه شبان يعتمرون القبعات الكاكية شكلوا بأجسادها سلسلة بشرية للحؤول دون تقدم المتظاهرين باتجاه السياج الفاصل للسفارة.
لم تهدأ الحناجر عن إطلاق الشعارات قَبل أن تبدأ "مراسم" الاعتصام عند الثانية عصراً. المنظمون كرروا مراراً ضرورة الحفاظ على الطابع السلمي الراقي للاعتصام وعدم استفزاز القوى الأمنية "التي تقف أمامنا.. فلا ننجر إلى أي نوع من أنواع العنف معهم".. و"البيوت المحيطة بنا هي بيوتنا".. و"مهما حاول المصطادون في الماء العكر فجيش لبنان سيبقى لكل لبنان".. هكذا تولى خطيب الحفل الإعلان عن مبادئ التظاهرة قبل أن يعطي الكلام إلى كل من عبد الله الحميد ليتحدث باسم الحملة، والنائب زاهر الخطيب الذي قوطع كلامه بالهتافات أكثر من مرة، والذي انتقد بشدة التدخل الأميركي السافر في لبنان وقال: "إن لبنان سيبقى بعد إنجاز التحرير قوياً بمقاومته وشبابه وشعبه، وقوياً بسوريا وإيران وحماس والجهاد الإسلامي والمقاومة العراقية".
مرت التظاهرة على خير ومن دون حمام بارد أو ضرب بأعقاب البنادق كما حصل أمام السراي الكبير، وكان ختامها معبراً بتقديم باقة من الورد لقائد منطقة جبل لبنان في قوى الأمن الداخلي العميد صلاح جبران بحضور قائد منطقة سرية الجديدة العقيد محمود إبراهيم.
وبالتزامن مع الاعتصام الكبير أمام السفارة في عوكر كانت الجامعات اللبنانية في الشمال والجنوب والبقاع تعقد جمعيات عمومية أُلقيت فيها كلمات شددت على رفض الوصاية وعلى خيار المقاومة وقدسية حق التعبير عن الرأي والتظاهر، وأدانت قمع الطلاب العزل.
حسين عواد
موضوع الغلاف/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018